المقـدمــة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن المسافر مقصود بأحكام خاصة يجب عليه الإحاطة بها والاهتمام بشأنها خاصة وقد تعددت الأسفار في حاضرنا لتعدد وسائل الارتحال، مما ساعد الكثير في التنقل إلى مختلف الأمصار.
مما يؤكد حاجة المسافر إلى معرفة أحكام دينه في سفره ومن أهمها: قصر الصلاة في السفر؛ لذا عملت جهدي في انتقاء بعض المسائل والأحكام المتعلقة بهذه العبادة مستندًا إلى الدليل من الكتاب والسنة، وأقوال جهابذة الأمة؛ ليتبصر بها المسافر فيعبد الله على علم ودراية، رافعًا عن نفسه كل جهل وضلالة.
وقد جاءت هذه المسائل بأوجز عبارة وأخصر دلالة، مشتملة على كثير من أجزاء هذه العبادة، ويليها أحكام الجمع بين الصلاتين؛ لأن القصر والجمع قد يتفقان في حق المسافر فأحبت الإشارة إلى ذلك موضحًا تلك الأحكام ودلالتها.
فأسأله سبحانه أن يرزقنا حسن القصد في القول والعمل، ويجنبنا مواطن الزلل، إنه أهل الجود والكرم.. آمين.
كتبهمحمد بن صالح بن سليمان الخزيم
بسم الله الرحمن الرحيم
أحكام ومسائل في قصر الصلاة في السفر
تعريف قصر الصلاة:
هو الاقتصار على ركعتين من الصلاة الرباعية حال السفر.
فضل القصر في السفر:
عن يعلي بن أمية قال: قلت لعمر رضي الله عنه قوله تعالى: }فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا{ [النساء: 101] وقد أمن الناس.
قال: عجبت مما عجبت منه فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» [رواه مسلم].
وعن عمر رضي الله عنه مرفوعًا: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته»([size=24][1]).[/size]
فالسنة قصر الصلاة في السفر؛ لأنه أفضل من الإتمام عند جمهور العلماء، ولأن قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين مشروع بالكتاب والسنة، وجائز بإجماع أهل العلم بل منهم من حكى الوجوب لمداومته صلى الله عليه وسلم على القصر في سفره ولمداومة خلفائه من بعده عليه.
أما ما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى في السفر أربعًا في حياته فهو حديث باطل عند أئمة الحديث.
قال ابن تيمية رحمه الله: «ولم ينقل أحد أنه صلى في سفره الرباعية أربعًا، بل وكذلك أصحابه معه»([size=24][2]).[/size]
وقال الإمام مالك رحمه الله: «القصر في السفر للرجال والنساء سنة».
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: «لا أحب لأحد أن يتم في السفر رغبة عن السنة».
وقال الإمام أحمد رحمه الله عن الرجل يصلي في السفر أربعًا: «ما يعجبني، السنة ركعتان»([size=24][3]).[/size]
مسافة القصر:
يرى كثير من الفقهاء أن مقدار المسافة التي يصح للمسافر الترخص فيها برخص السفر كقصر الصلاة والفطر في رمضان وغيرهما من الرخص، هي أربعة بُرُدٍ، وهي تساوي في حاضرنا ثلاثة وثمانين كيلو تقريبًا([size=24][4]).[/size]
فمن قطع هذه المسافة شرع له الترخص سواء طال الزمن لقطعها أم قصر([size=24][5]).[/size]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قدامة رحمهما الله: إنَّ مسافة القصر لم تأت في الشريعة محددة فكل من صحَّ أن يطلق عليه مسافر فإن له حق الترخص، وقد صحَّح هذا القول شيخنا محمد بن عثيمين، وهو قول ابن القيم رحمه الله([size=24][6]).[/size]
متى يبدأ المسافر بقصر الصلاة؟:
إذا فارق المسافر بيوت بلده وجعلها وراء ظهره جاز له القصر ولا يلزم أن يتجاوز المسافر مزارع بلده إذ العبرة بالبيوت فقط، وهو قول الجمهور، وأصح قولي العلماء.
فمن خرج من بلده قاصدًا المطار للسفر فإن له الترخص في رخص السفر منذ مفارقة بلده بشرط تأكد حجزه، أما إن خرج للمطار للبحث عن مقعد فإنه لا يترخص لعدم تأكد حجزه إذ لا يصح أن يطلق عليه مسافر.
وهذا الحكم باعتبار أن المطار خارج البلد كمطار الرياض والقصيم ونحوهما، أما إن كان المطار داخل البلد فلا يجوز الترخص لقاصده حتى يفارقه بسفره.
فعن أنس رضي الله عنه قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعًا، وبذي الحليفة ركعتين» [متفق عليه].
فانظر إلي ذي الحليفة في القديم كانت خارج المدينة، أما اليوم مع توسع المدينة دخلت في نطاقها العمراني فعلى هذا من خرج من المدينة قاصدًا مكة فلا يجوز له الترخص من قصر وغيره حتى يجاوز ذا الحليفة لأنها صارت من المدينة ([size=24][7]).[/size]