مواقف من صيام السلف
ولما كان الصوم كفارة للخطيئات ورفعة في الدرجات علت همم السلف الصالح لنوال الدرجات, فصابروا صيام النفل قربة لله, وتسابقوا في الطاعات وغاية مناهم مراقبة رب البريات لنوال أعظم الدرجات, فكانوا يصومون صيام النفل طلبًا لما عند الله عز وجل من المثوبات.
ولنرى كيف كان السلف يحرصون على صيام النفل.
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
ذكر ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه صفة الصفوة أن عمر رضي الله عنه كان يكثر من الصوم, وكان يسرده.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى: سرد الصوم لا يستلزم صوم الدهر, بل المراد أنه كثير الصوم.
وهذا عثمان رضي الله عنه:
قال عنه أبو نعيم رحمه الله تعالى في الحلية: كان عثمان رضي الله عنه حظه من النهار الجود والصيام, ومن الليل السجود والقيام.
وروى أيضًا أن عثمان قتل, وهو صائم.
وهذا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه:
كان يكثر الصوم, فروى البخاري رحمه الله تعالى عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب, فكان يتعاهد كنته (أي زوج الولد), فيسألها عن بعلها فتقول: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشًا, ولم يفتش لنا كنفًا منذ أتيناه, فلما طال ذلك عليه, ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ألقني به» فلقيته بعد, فقال: «كيف تصوم؟» قلت: أصوم كل يوم. قال: «وكيف تختم؟» قلت: كل ليلة. قال: «صم في كل شهر ثلاثة, واقرأ القرآن في كل شهر». قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: «صم ثلاثة أيام في الجمعة» (يعنى في الأسبوع) قال: قلت: أطيق أكثر. قال: «أفطر يومين, وصم يومًا» قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: «صم أفضل الصوم صوم داود؛ صيام يوم وإفطار يوم, واقرأ كل سبع ليال مرة» (يعني اختم في كل سبع).
وهذا صوم أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه:
روى أنه كان يكثر من صيام النفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد فسر البعض كثرة صيامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم انشغل بالغزو في سبيل الله, فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتهد بصيام النفل.
فروى الطبراني رحمه الله تعالى عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة لا يصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل الغزو, فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم لم أراه يفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر.
قال أبو زرعة الدمشقي رحمه الله تعالى: (إن أبا طلحة عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة يسرد الصوم).
ومعنى يسرد الصوم, أي: أنه كثير الصوم.
صوم عبد الله بن الزبير رضي الله عنه:
روى أبو نعيم في الحلية أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: كان عبد الله قوام الليل, صوام النهار, وكان يسمى حمامة المسجد.
صوم عبد الله بن ثوب رضي الله عنه:
كان يكثر من صوم النفل حتى أنه قال: بين أيدينا أيام لها نعمل.
وهذا صوم الأسود بن يزيد رحمه الله تعالى:
كان يصوم حتى يخضر جسده, ويصفر. قال عنه الشعبي رحمه الله تعالى: (كان الأسود صوامًا قوامًا حجاجًا). وإذا سأله أحد عن كثرة صيامه قال: إن الأمر جد, إن الأمر جد.
وقال عنه عبد الله بن بسر: الأسود صاحب عبادة فصام يومًا فكان الناس بالهجير, وقد تربد وجهه, فأتاه علقمة, فضرب على فخذه فقال: ألا تتق الله يا أبا عمرو في هذا الجسد, علام تعذب هذا الجسد؟ فقال الأسود: يا أبا شبل, الجد الجد، وهذا دلالة على كثرة سرده للصيام رحمه الله تعالى.
صوم الإمام أحمد رحمه الله تعالى:
قال صالح بن أحمد: الله تعالى جعل أبي يواصل الصوم يفطر في كل ثلاث.