منتدى سيف الله للإبداع

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد, يشرفنا أن تقوم بالدخول وذلك بالضغط على زر الدخول إن كنت عضوا بالمنتدى.أو التسجيل إن كنت ترغب بالإطلاع على مواضيع المنتدى والمشاركة في أقسام المنتدى فقط إضغط على زر التسجيل و شكرا لك

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى سيف الله للإبداع

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد, يشرفنا أن تقوم بالدخول وذلك بالضغط على زر الدخول إن كنت عضوا بالمنتدى.أو التسجيل إن كنت ترغب بالإطلاع على مواضيع المنتدى والمشاركة في أقسام المنتدى فقط إضغط على زر التسجيل و شكرا لك

منتدى سيف الله للإبداع

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى سيف الله للإبداع

منتدى سيف الله للإبداع


    فتح عمورية في عهد المعتصم بالله ثامن الخلفاء العباسيين

    SeIfElLaH
    SeIfElLaH
    مجلس المدراء
    مجلس المدراء


    الأوسمة : فتح عمورية في عهد المعتصم بالله ثامن الخلفاء العباسيين   0ea39110
    عدد المساهمات : 4497
    نقاط : 6387
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 47

    فتح عمورية في عهد المعتصم بالله ثامن الخلفاء العباسيين   Empty فتح عمورية في عهد المعتصم بالله ثامن الخلفاء العباسيين

    مُساهمة من طرف SeIfElLaH الإثنين يناير 05, 2015 11:00 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم
    فتح عمورية
    الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد

    إن الحمد لله...
    سبب قصة فتح عمورية، قصة مشهورة، عندما صرخت المرأة الهاشمية ونادت: وامعتصماه. وذلك عندما أغار إمبراطور الروم على بعض الثغور الإسلامية فخربها وأحرقها وأسر أهلها وسبى من النساء المسلمات أكثر من ألف امرأة، ومثّل بمن صار في يده من المسلمين، وسمّل أعينهم وقطع آذانهم وأنوفهم، فكان الرد الحاسم فتح عمورية، عندما علم المعتصم بصيحة المرأة الهاشمية التي نادت: وامعتصماه.
    فمن هو المعتصم؟.
    إنه المعتصم بالله، أبو إسحاق، محمد بن الرشيد، ثامن الخلفاء العباسيين الخليفة الفارس، والمقاتل الشجاع، ذي الهمة والنخوة. أمُّه أم ولد تركية اسمها ماردة بنت شبيب، كانت من أحظى الناس عند الرشيد.
    بويع له في اليوم الذي كانت فيه وفاة أخيه المأمون، وهو يومئذ ابن ثمان وثلاثين سنة وشهرين. وقد اشتهر المعتصم بالشجاعة والقوة والهمة، فقوته خارقة هائلة، كان يحمل أرطالاً تعجز عنها الرجال ويمشي بها خطوات، ويثني الحديد مرات بعد عجز الأبطال عنه، وهو فارس مقاتل من الطراز الأول، ففرسان قريش ابتدأت بحمزة بن عبد المطلب، وانتهت بالمعتصم.
    وكان المعتصم مع هذا كله إنساناً شفوقاً.
    ذكر المسعودي في تاريخه: أن المعتصم كان يسير في طريق وذلك في يوم مطير، وقد تبع ذلك ليلة مطيرة وانفرد من أصحابه، وإذا حمار قد زلق ورمى بما عليه من الشوك، وهو الشوك الذي توقد به التنانير بالعراق، وصاحبه شيخ ضعيف واقف ينتظر إنساناً يمرّ فيعينه على حمله، فوقف عليه، وقال: مالك يا شيخ؟ قال: فديتك، حماري وقع عنه هذا الحِمْل، وقد بقيت أنتظر إنساناً يعينني على حمله. قال: فذهب المعتصم ليخرج الحمار من الطين، فقال الشيخ: جعلت فداك! تفسد ثيابك هذه وطيبك الذي أشمّه من أجل حماري هذا؟ قال: لا عليك، فنـزل واحتمل الحمار بيد واحدة وأخرجه من الطين، فبُهت الشيخ وجعل ينظر إليه ويتعجب منه، ويترك الشغل بحماره، ثم شدَّ عنان فرسه من وسطه، وأهوى إلى الشوك وهو حُزْمتان فحملهما فوضعهما على الحمار، ثم دنا من غدير فغسل يديه واستوى على فرسه. فقال الشيخ: رضي الله عنك، فديتك يا شاب، وأقبلت الخيول، فقال لبعض خاصته: أعْطِ هذا الشيخ أربعة آلاف درهم، وكن معه حتى تجاوز به أصحاب المسالح، وتبلغ به قريته.
    ويقال للمعتصم: "المُثَمَّن" وذلك لأن أموره كلها جرت على ثمانية، فهو ثامن الخلفاء العباسين، والثامن من ولد العباس، وثامن أولاد الرشيد ومَلَكَ سنة ثماني عشرة ومئتين، ودامت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام، ومولده سنة ثمان وسبعين ومئة، وعاش ثمانية فتوح، وقَتل ثمانية أعداء، وخلَّف ثمانية أولاد، ومن الإناث كذلك، وتوفي لثمان بقين من ربيع الأول.
    كان المعتصم يكتب كتابة ضعيفة، ويقرأ قراءة ضعيفة، وإن ورد في مصادر أخرى أنه كان أميّاً لا يقرأ ولا يكتب. ويقال إن سبب ذلك أنه رأى جنازة بعض الخدم يوماً فقال: ليتني مثل هذا حتى أتخلَّص من الكُتَّاب، فقال له أبوه الرشيد: والله لا عذبتك بشيء تختار عليه الموت، ومنعه من الكُتَّاب منذ يومئذ.
    انصبَّت جهود المعتصم، وأموال الخلافة، على قضية الدولة الأولى، ألا وهي قطع مخلب بَابَك الخُرَّمي، وبترِ يده، فكان يخشى أن تطول فتنته لتعمّ بلاد فارس.
    بدأت حركة بَابَك الخُرَّمي أيام خلافة المأمون، والخُرَّمية: فرقة متطورة عن المزدكية، تؤمن بصراع إله الخير وإله الشر. ولم يكن بَابَك رجلاً عادياً، فقد وصف بأنه من أبطال زمانه وشجعانهم، عاث في البلاد وأفسد، وأخاف الإسلام وأهله، وغلب على أذربيجان وغيرها، وأراد أن يقيم ملة المجوس، ومع ادعائه الألوهية، أراد تحويل الْمُلْك من العرب المسلمين إلى الفرس، فأثار ومن تبعه حرباً شعواء على الإسلام والمسلمين قال عنه الحافظ ابن كثير رحمه الله: وكان زنديقاً كبيراً وشيطاناً رجيماً.
    سيَّر المعتصم أبا سعيد محمد بن يوسف إلى أردبيل، وأمره أن يبني الحصون التي خربها بَابَك في المنطقة، فأعاد بناءها، وشحنها بالرجال والأقوات لحفظ الطريق لمن يحمل الميرة إلى المنطقة، وتنبّه بَابَك إلى سلامة خطوة المعتصم هذه، فوجَّه سريَّة أغارت على بعض النواحي، ولكن أبا سعيد اعترضها، وقتل من الخُرَّمية جماعة، وأسر منها جماعة، فهذه أول هزيمة كانت على أصحاب بَابَك.
    وفي سنة 220 هـ سيَّر المعتصم أحد قواد الدولة العباسية اشتهر بـ "الأفشين" واسمه: حيدر بن كاوس.
    أرسله المعتصم لقتال بَابَك، وجهَّزه بالرجال والمال الوفير. وجرت موقعة بين الأفشين وبَابَك بجبل "أرْشَق"، قَتَلَ فيها الأفشين من أصحاب بَابَك خلقاً كثيراً، وهرب بَابَك إلى مُوقان ثم إلى حاضرته البَذّ وتحصن فيها.
    وضعت الخلافة العباسية تحت إمرة الأفشين وهو خير قوادها كامل إمكاناتها المادية، وحشدت لبَابَك كل طاقاتها، ومع ذلك تأخر القضاء عليه وتأخر فتح البذّ لأمرين:
    الأمر الأول: وعورة المنطقة، ومنعة حصونها، وطبيعة الأرض التي تساعد على إقامة الكمائن، وكان بَابَك إذا أحسَّ بمجيئهم وجَّه جمعاً من أصحابه فيكمنون في الوادي، وكان يفرِّق عساكره، ولا يبق إلاّ في نفر يسير.
    الأمر الثاني: المناخ البارد المطير، فلم يكن للناس عليها صبر لشدة البرد وشدة الريح. لذلك كانت الحرب تنشب بعد انقضاء فصل الشتاء، فالثلوج كانت تمنع المشاة من التقدم.
    ورأى الأفشين أن الحل تضييق الحصار على بَابَك، وقطع المؤونة والمدد عنه. سار الأفشين محترساً، ورتب أموره أدقّ ترتيب، وأخذ يدنو من البَذِّ ببطء وحذر شديدين. وتابع خطته، السير قليلاً قليلاً كلما جاءته عيونه بخبر سارٍّ تقدَّم، أو توقف وانتظر الفرصة المناسبة في خنادق كان يأمر بحفرها، واستطاع بعد أيام إرسال كتائبه ليلاً لتحيط بالبذّ من كل ناحية، وجعل لها شارات وأعلاماً وأمرهم ألا يعلم بهم أحد، وأن يكمنوا حتى إذا رأوا أعلامه وتقدمه ضربوا الطبول وانحدروا إلى البذّ ورموا بالنشّاب والصّخر على الخرّمية، وإن هم لم يروا الأعلام لم يتحركوا حتى يأتيهم خبره، وبدأت المعركة الفاصلة بأمر الأفشين على أبواب البذّ وأسوارها.
    لقد حقق الأفشين مراده، عندما أحدق ببَابَك وضيَّق عليه من كل الجهات، وأدهش بَابَك إحكام الحصار عليه، فخرج من البَذِّ من باب يقع قُبالة مقر قيادة الأفشين، وأقبل عليه في جماعة معه، يسألون عن الأفشين، فركب الأفشين إليه، ودنا منه حتى صار في موضع يسمع كلامه، فوافقه وبينهما نهر، والحرب مشتبكة في أطراف البَذِّ، فقال بَابَك: أريد الأمان من أمير المؤمنين المعتصم.
    فقال الأفشين: قد عرضت عليك هذا، وهو لك مبذول متى شئت.
    فقال بَابَك: قد شئت الآن، على أن تؤجلني أجلاً أحمل فيه عيالي وأتجهَّز .
    فقال الأفشين: قد والله نصحتك غير مرة، فلم تقبل نصيحتي، وأنا أنصحك الساعة، خروجك اليوم في الأمان
    خير من غد.
    فقال بَابَك: قد قبلت أيها الأمير، وأنا على ذلك.
    فقال الأفشين: فابعث بالرهائن الذين كنت سألتك.
    قال بَابَك: نعم، أمَّا فلان وفلان فهم على ذلك التل، فمر أصحابك بالتوقف.
    وفي هذه اللحظة جاء من المسلمين من قال للأفشين: دخلت أعلامنا البَذّ ورفعت فوق قصور بَابَك، وإن الخرميَّة تقاتل قتالاً شديداً، فأُحضر النَّفَّاطون، فجعلوا يهدمون القصور، حتى قتلو الخُرَّميَّة عن آخرهم. وأخذ الأفشين أولاد بَابَك ومن كان معهم في البَذِّ من عيالهم، ولكن بَابَك وخواصه حملوا من الزاد ما أمكنهم حمله، وحملوا أموالهم ونفائسهم وهربوا، ومضى بَابَك على بغلة وقد لبس ثياب الصوف، فكتب الأفشين إلى ملوك أرمينية وبطارقتها بإذكاء العيون عليه في نواحيهم، حتى يأتوه به لأنه هرب ومن معه باتجاه بلادهم. واختفى بَابَك في وادٍ كثير العشب والشجر، طرفه بأرمينية، وطرفه الآخر بأذربيجان، لا تستطيع الخيل نزوله، ولا يُرى من يستخفي فيه لكثافة غاباته وكثرة مياهه. وبينما كان الأفشين يهدم قصور البَذِّ ويحرقها، فعل ذلك ثلاثة أيام حتى أحرق خزائنه وقصوره فلم يدع فيها بيتاً ولا قصراً إلاّ أحرقه وهدمه، إذ ورد كتاب أمير المؤمنين المعتصم وفيه أمان لبَابَك، وجاءت عيون الأفشين إليه فأعلموه بموضع بَابَك، وعيَّنو بدقة غَيْضَةً التجأ إليها واختفى فيها. فأرسل الأفشين رجلان أحدهما ابن بَابَك، فقالا له: اضمن لنا أنك تجري على عيالاتنا، فضمن لهما الأفشين ذلك فسارا إليه إلى الغيضة التي حددتها العيون. فامتنع بَابَك من قبول الأمان وقتل الرجل المرافق لابنه، وقال لابنه: قد صحَّ عندي الساعة فسادُ أمِّك الفاعلة، يا بن الفاعلة، ولكنك من جنس لا خير فيه، وأنا أشهد أنك لست بابني، تعيش يوماً واحداً وأنت أمير زعيم، خير من أن تعيش أربعين سنة وأنت عبد ذليل. فعاد ابنه برفض بَابَك وامتناعه من قبول الأمان.
    ورحل بَابَك من موضعه، وسار ومن معه في الجبال مستخفياً يريد عبور أرمينية، واجتازها من شرقها إلى غربها، ليلحق بحليفه إمبراطور بيزنطة، وكان جميع أمراء أرمينية وحكامها قد احتاطوا بنواحيهم وأطراف أراضيهم وتحفَّظوا، وأوصوا جندهم ألاّ يجتاز عليهم أحد إلاّ أخذوه حتى يعرفوه، فكان الجند والحراس متحفظين متيقظين.
    وأصاب بَابَك ومن معه الجوع، وأشرف من مكانه فإذا هو بحرَّاث يحرث على فدَّان له في بعض الأودية، فقال لغلامه: انزل إلى هذا الحرَّاث، وخذ معك دنانير ودراهم، فإذا كان معه خبز فخذه وأعطه.
    وقد ذكر الإمام الطبري رحمه الله في تاريخه قصة إلقاء القبض على بَابَك قائلاً: أنهم دخلوا بعد ذلك منطقة محصنة لرجل يسمى سهل بن سُنباط كان هو واليها. فلما رأى ابن سنباط بابَك عرفه، فترجّل له عن دابته، ودنا منه فقبَّل يده، ثم قال له - وأراد أن يعمّي عليه -: يا سيّداه، إلى أين؟ قال بَابَك: أريد أن أدخل بلاد الروم، فقال ابن سُنباط: إلى عند من تذهب أحرز من حصني، وأنا غلامك وفي خدمتك؟ لن تجد موضعاً ولا أحد أعرف بحقِّك، ولا أحقَّ أن تكون عنده مني، تعرف موضعي، وليس بيني وبين المعتصم عمل، وكل من هاهنا من البطارقة إنما هم أهل بيتك، قد صار لك منهم أولاد. وذلك لأن بَابَك كان إذا علم أن عند بعض البطارقة ابنة أو أختاً جميلة، وجَّه إليه يطلبها، فإن بعث بها إليه تركه آمناً وإلا أسرى إليه فأخذها ونهب ماله ومتاعه وأسره وسار به إلى البذِّ أسيراً.
    ثم قال ابن سُنباط لبَابَك: صِرْ عندي في حصني، فإنما هو منـزلك، وأنا عبدك، كُنْ فيه شَتْوَتَك هذه، ثم ترى رأيك. وكان بَابَك قد أصابه الضُّرُّ والجهد، فركن إلى كلام ابن سُنباط، فأقام عنده في حصنه فكتب ابن سُنباط إلى الأفشين يعلمه أن بَابَك عنده في حصنه.
    وعندما تيقَّن الأفشين من ذلك، سيَّر لبَابَك رجلين ليحضراه، وأمرهما أن يطيعا وجهات نظر ابن سُنباط.
    فاتفق ابن سُنباط مع الرجلين أن يكمنا في موقع محدد، وسيخرج هو مع بَابَك للصيد، عندها يأخذانه مقيداً.
    قال ابن سُنباط لبَابَك: قد ضجرت من هذا الحصن، فلو نزلت إلى الصيد، فوافق، وخرجوا في اليوم المحدد، إلى المكان المحدد ومعهما أدوات الصيد. ولما نزل بَابَك من الحصن، أرسل ابن سُنباط إلى رسولَي الأفشين، وأمرهما أن يوافياه، أحدهما من جانب وادٍ هناك، والثاني من الجانب الآخر، ففعلا، لأنه ما أراد أن يدفعه إليهما مباشرة، فبينما بَابَك وابن سُنباط يتصيَّدان، إذ خرج عليه الرجلان، وأسرا بَابَك وقيَّداه فقال لابن سُنباط: قبحك الله، فهلا طلبت مني من المال ما شئت، كنت أعطيتك أكثر مما يعطيك هؤلاء. وأحضر الرجلان بَابَك بحراسة دقيقة، خوفاً أن يقتله أحد أو يجرحه ممن قتل أهله، أو أصابه ظُلمُهُ وحَيْفُهُ، وعندما وصل إلى الأفشين سجنه، وكتب إلى المعتصم بذلك، فكتب المعتصم إليه يأمره بالقدوم به عليه. ثم أمر أن يهيِّئوا فيلاً، ويخضبوا أطرافه ويلبسوه من الحرير والأقنعة التي تليق به شيئاً كثيراً. وأُدخل بَابَك على الفيل ليراه الناس كافة، وليشهر أمره ويعرفوه. فأمر المعتصم أن تقطع يداه ورجلاه، فلما أن قطعت يده مسح بالدم على وجهه حتى لا يرى أحد أن وجهه أصفر خيفة من القتل. ثم جُزّ رأسه وشُقَّ بطنه، ووجّه برأسه إلى خراسان ليطمئن الناس ويأمنوا، وصُلب بدنه على خشبة بسامراء، وكان باَبَك قد شرب الخمر ليلة قتله.
    وسيّر أخاه إلى بغداد، وأمر بضرب عنقه، وأن يفعل به مثل ما فعل بأخيه.
    وكان بَابَك قد قتل من المسلمين في مدة ظهوره وهي عشرون سنة، مائتي ألف وخمسة وخمسين ألفاً. ولما قتله المعتصم توّج الأفشين وقلّده وشاحين من جوهر وأعطاه عشرين ألف ألف درهم، وكتب له بولاية السند، وأمر الشعراء أن يمدحوه.
    وأما عن فتح عمورية فكما ذكرنا في المقدمة من أن بَابَك كتب إلى ملك الروم البيزنطيين، عندما ضيِّق عليه الأفشين قائلاً: "إن ملك العرب المعتصم قد جهَّز إليَّ جمهور جيشه، ولم يبقَ في أطراف بلاده من يحفظها فإن كنت تريد الغنيمة فانهض سريعاً إلى ما حولك من بلاده فخذها، فإنك لا تجد أحداً يمانعك عنها". كل ذلك للتخفيف عن نفسه بعض ما هو فيه. فخرج ملك الروم في مئة ألف من جنده، فانقضَّ على مدينة "زِبَطْرَة" وأعمل فيها السيف، وقتل الصغير والكبير بلا إنسانية ولا رحمة وسبى النساء بعد ذبح أطفالهن، ثم أغار على "مَلَطْيَة" فأصابها على يد ملك الروم وجنده ما أصاب زِبَطْرَة، فضج المسلمون في مناطق الثغور كلها، واستغاثوا في المساجد والطرقات، ودخل إبراهيم بن المهدي على المعتصم، وأنشده قصيدة يذكر فيها ما نزل بزِبَطْرَة ومَلَطْيَة والثغور ويحضه على الانتقام، ويحثه على الجهاد، منها:
    يا غيرة الله قد عاينت فانتهـكي**هَبِ الرجال على إجرامها قُتِلَت
    هتك النساء وما منهن يرتكب**ما بال أطفالها بالذبح تُنْتَهـبُ

    فاستعظم المعتصم ذلك لما بلغه الخبر، وبلغه أن هاشميَّة صاحت وهي في أيدي الروم: وامعتصماه. فأجاب وهو على سريره: "لبَّيك لبَّيك"، ونادى بالنفير العام، ونهض من ساعته.
    ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية عن ملك الروم أنه: "سَبَى من المسلمات أكثر من ألف امرأة، ومثَّل بمن صار في يده من المسلمين، وسمّل أعينهم وقطع أذانهم وأنافهم".
    فنادى المعتصم في العساكر بالرحيل إلى الغزو، واستدعى القاضي والشهود، فأشهدهم أن ما يملكه من الضياع، ثلثه صدقة، وثلثه لولده وثلثه لمواليه. وتساءل قائلاً: أيُّ بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل له: عمورية، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية، فسار باتجاهها، بجهاز عظيم من السلاح والعدد وآلات الحصار، وبجحافل أمثال الجبال. ولما دخل الجيش الإسلامي بقيادة المعتصم بلاد الروم، أقام على نهر اللاّمِس، وهذا النهر كان هو الحد الفاصل بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية في آسية الصغرى، وعلى ضفتيه كانت تتم مبادلة الأسرى. فبعد أن وصلت الطليعة إلى الموقع المقصود، حُفرت الخنادق، فقد كان النظام يقضي بألاّ يعسكر الجنود قبل أخذ الحيطة من الهجوم المفاجئ، فإذا ما وصل الجيش الرئيسي نُصبت الخيام في نظام بديع رائع، وخططت الشوارع والميادين، وأقيمت الأسواق، كما لو كان المعسكر مدينة عامرة، وكانت توزَّع الأرزاق، فتوقد المطابخ، وتنصب عليها القدور، مع بث مفارز الرَّصد والدوريات المتحركة، ويقسمون الجند إلى عدَّة نوبات، بحيث يظلّ قسم منهم جاهزاً دوماً على ظهور الخيل، لمشاغلة العدو ريثما يستعد الباقون، ويضاف إلى كلِّ ذلك أفراد الحرس الدَّاخلي الذين كانوا يُفاجَؤُون في محارسهم ليلاً، للتأكد من يقظتهم، وكان هؤلاء يستلمون الحراسة بالمناوبة، وكانت نوبة حرس أوَّل الليل أطول من نوبة آخره عادة.
    اجتمعت كلّ العساكر بقيادة المعتصم عند عمورية، وهي مدينة عظيمة كبيرة جداً ذات سور منيع وأبراج عالية كبار كثيرة، فركب ودار حولها دورة كاملة، وقسَّمها بين القُوَّاد، جاعلاً لكل واحد منهم أبراجاً من سورها، وذلك على قدر كثرة أصحابه وقلَّتهم، وصار لكل قائد منهم ما بين البُرجَيْن إلى عشرين برجاً. أمَّا أهل عمورية فقد تحصَّنوا داخل أسوار مدينتهم، متّخذين ما استطاعوا من الحيطة والاحتراز.
    وعلم المعتصم من عربي متنصِّر، تزوج في عمورية وأقام بها، أن موضعاً من المدينة جاءه سيل شديد، فانهار السُّور في ذلك الموضع، فكتب ملك الروم إلى عامله في عمورية أن يبني ذلك الموضع ويعيد تشييده، فوجّه الصُّنَّاع والبنَّائين، فبنوا وجه السُّور بالحجارة حجراً حجراً، وتركوا وراءه من جانب المدينة حشواً، ثم عقدوا فوقه الشُّرَف، فبدا كما كان ولما علم المعتصم بذلك أمر بضرب خيمته تجاه هذا الموضع، ونصب المجانيق عليه. بدأت المجانيق الضخمة تعمل عملها فانفرج السُّور من ذلك الموضع، فلما رأى أهل عمورية انفراج السور، دعَّموه بالأخشاب الضخمة، كل واحدة إلى جانب الأخرى، فكان حجر المنجنيق إذا وقع على الخشب تكسَّر، فيهرَع المحاصَرون لتدعيم السور بأخشاب ضخمة جديدة، ليحموا السور من الانهيار. وعندما توالت قذائف المجانيق على هذا الموضع الواهن، انصدع السور فكتب عامل عمورية إلى ملك الروم كتاباً يعلمه فيه بأمر السور، وحرج الموقف، وقوة الحصار، ووجّه الكِتاب مع رجل يتقن العربية، ومعه غلام رومي، كي لا يُكشف أمره عند اجتياز صفوف الحصار، فإن تحدَّث معه عربي مسلم أو سأله، يجيبه بالعربية كي لا يُشَكَّ في أمره. وأخرج الرجلين من مكان مسيل ماء، فعبرا الخندق الذي يلي السور، فلما خرجا من الخندق، أنكرهما الجند، فسألوهما: من أين أنتما؟ فأجابا: نحن من أصحابكم، نحن منكم جنديان في جيش أمير المؤمنين المعتصم، فقالوا لهما: مِنْ أصحاب مَنْ أنتما؟ فلم يعرفا أحداً من قُوَّاد أهل العسكر يسميانه لهم، فأنكروهما، وجاؤوا بهما إلى المعتصم، وفتَّشهما، فوجد معهما كتاباً إلى ملك الروم يعلمه فيه عامله على عمورية، أنَّ جند المسلمين أحاطوا بعمورية في جمع كبير، وقد ضاق به الموضع، وأنه قد اعتزم على أن يركب ويحمل خاصَّة أصحابه على الدَّوابِّ التي في الحصن، ويفتح الأبواب ليلاً على حين غرة ويخرج ومن معه، فيحمل على المسلمين كائناً ما كان بعدها، أُفلت فيه من أفلت، وأصيب فيه مَنْ أُصيب، حتى يتخلَّص من الحصار، مهما كانت النتائج.

    وفي صباح اليوم التالي أمر المعتصم بالرجلين الأسيرين، فأداروهما حول عمورية ليحدِّدا مقر عاملها ومكان وجوده، فقالا: يكون في هذا البرج.
    وأمر المعتصم بالاحتياط في الحراسة ليلاً ونهاراً، وشدَّدها، وأمر أن تكون بين الجند تناوباً، في كل ليلة يحضرها الفرسان، يبيتون على دوابِّهم بكامل أسلحتهم، تحسُّباً من أن يُفتح باب من أبواب عمورية ليلاً أو أن يتسلَّل من خلالها إنسان، فلم يزل جند المعتصم يبيتون كذلك بالتناوب على ظهور الدَّوابِّ في السلاح، ودوابهم بسروجها، حتى انهدم السور ما بين برجين، من الموضع الذي وُصف للمعتصم أنه لم يحكم عمله.
    ودوَّى في فضاء عمورية صوت اهتز له جنباتها، إثر تهدم جانب السور، فطاف رجال بالجند المسلمين يبشرونهم أن الصوت الذي سُمِعَ، صوت السور قد سقط، فطيبوا نفساً بالنصر.
    وتنبه المعتصم إلى سعة الخندق المحيط بعمورية وطول سورها، فدفع لكل جندي شاة، لينتفع من لحمها، وليحشو جلدها تراباً، وطرحها في الخندق كي يمكِّن من الوصول إلى السور.
    وفي صباح يوم جديد من الحصار بدأ القتال على الثُّلْمَة التي فُتحت في السور، ولكن الموضع كان ضيقاً، لم يمكنهم من اختراق الثُّلْمَةِ، فأمر المعتصم بالمنجنيقات الكبار التي كانت متفرقة حول السور، فجمع بعضها إلى بعض، وجعلها تجاه الثُّلمة، وأمر أن يُرمى ذلك الموضع لتتَّسع الثُّلمة، ويسهل العبور، وبقي الرَّمي ثلاثة أيام، فاتَّسع لهم الموضع المنثلم. وكان الموكَّل بالموضع الذي انثلم من السور رجلاً من قوَّاد الرَّوم فقاتل وأصحابه قتالاً شديداً باللَّيل والنهار، والحرب عليه وعلى أصحابه ولم يمدّه عامل مدينة عمورية ولا غيره بأحد من الروم، فلما كان بالليل مضى إلى قومه وقال: إن الحرب عليَّ وعلى أصحابي، ولم يبق معي أحد إلاَّ قد جُرح، فصَيِّروا أصحابكم على الثُّلمة يرمون قليلاً، وإلاَّ افتضحتم وذهبت المدينة، فأبوا أن يمدُّوه بأحد، وقالوا: سَلِمَ السور من ناحيتنا، وليس نسألك أن تمدنا، فشأنك وناحيتك، فليس لك عندنا مدد، فاعتزم وأصحابه على أن يخرجوا إلى المعتصم، ويسألوه الأمان على أهلهم، ويسلِّموا إليه الحصن بما فيه من المتاع والسلاح.
    فلما أصبح خرج فقال: إني أريد أمير المؤمنين، فأوصله بعض الجند المسلمين إليه، وأعطاه المعتصم ما أراد، من أمان له ومن بجهته من الرجال، ثم ركب حتى جاء فوقف حذاء البرج الذي يقاتل فيه عامل عمورية، فصاح بعض الجند بالعامل، هذا أمير المؤمنين، فصاح الروم من فوق البرج: ليس العامل هاهنا، فغضب المعتصم لكذبهم وتوعَّد، فصاحوا: هذا العامل، فصعد جندي على أحد السلالم التي هيِّئت أثناء الحصار، وقال للعامل: هذا أمير المؤمنين فانزل على حكمه، فخرج من البرج متقلِّداً سيفاً، حتى وقف على البرج، والمعتصم ينظر إليه، فخلع سيفه من عنقه، ودفعه إلى الجندي المسلم الذي صعد إليه، ثم نزل ليقف بين يدي المعتصم، فضربه المعتصم بالسوط على رأسه، ثم أمر به أن يمشي إلى مضرب الخليفة مهاناً فأوثق هناك ليعلن سقوط عمورية بيد المعتصم وجنده. وذلك بعد حصار دام خمسة وخمسين يوماً، من سادس رمضان إلى أواخر شوال سنة 223هـ. ثم أمر المعتصم بطرح النار في عمورية من سائر نواحيها، فأُحرقت وهدمت، وأحرق ما بقي بعد ذلك من المجانيق والدبابات وآلات الحرب لئلا يتقوى بها الروم على شيء من حرب المسلمين. وعاد بعدها المعتصم بغنائم كبيرة وكثيرة جداً لا تحد ولا توصف، منتصراً ظافراً، رادّاً على ملك الروم فعلته، كاسراً مخالبه التي تطاولت على زِبَطْرَة، ومستجيباً لصيحة الهاشمية الحرَّة عندما صرخت "وامعتصماه"، فخلَّصها وقتل الرومي الذي لطمها.
    وكتب أبو تمام قصيدته المشهورة بمناسبة هذا الفتح العظيم لمدينة عمورية وقد كرر إلقاءها ثلاثة أيام أمام المعتصم، وحوله المهنئون وعلية القوم، حتى قال له المعتصم: لِمَ تجلو علينا عجوزك؟ ويجيب أبو تمام: حتى أستوفي مهرها يا أمير المؤمنين، فأمر له بمئة وسبعين ألف درهم، عن كل بيت منها ألف درهم.
    السيف أصدق أنباءً من الكتب**بيض الصفائح لا سود الصحائف
    والعلم في شهب الأرماح لامعة**أين الرواية أم أين النجوم وما
    فتح الفتوح تعالى أن يحيط به**فتحٌ تُفَتَّحُ أبواب السماء له
    يا يوم وقعة عمورية انصرفت**أبقيتَ جدَّ بني الإسلام في صَعَد
    لقد تركتَ أمير المؤمنين بها**غادَرتَ فيها بهيم الليل وهو ضحىً
    حتى كأن جلابيب الدجى رَغِبت**لو يعلم الكفر كم من أعصر كَمَنَت
    تدبير معتصمٍ بالله مُنتقِم**رمى بك الله برجيها فهدّمها
    لبَّيت صوتاً زِبطرياً هَرَقَتْ له**أجبته معلناً بالسيف منصلتاً
    حتى تركتَ عمود الشرك منعفرا**ولّى وقد ألجم الخطِّيُّ منطِقَه
    والحرب قائمةٌ في مأزقٍ لَجِجٍ**في حده الحد بين الجد واللعب
    في متونهنّ جلاء الشك والريب**بين الخميسين لا في السبعة الشهب
    صاغوه من زخرف فيها ومن كذب**نظم من الشعر أو نثر من الخطب
    وتبرُز الأرض في أثوابها القُشُب**منك المنى حُفَّلاً معسولة الحلب
    والمشركين ودار الشرك في صَبَب**للنار يوماً ذليل الصخر والخشب
    يشُلّه وسطها صبحٌ من اللهب**عن لونها وكأن الشمس لم تَغِب
    له العواقب بين السُّمر والقُضُب**لله مرتقِبِ في الله مُرتَغِب
    ولو رمى بك غيرُ الله لم يُصِب**كأس الكرى ورُضابَ الخُرَّدِ العُرُب
    ولو أجبت بغير السيف لم تُجِب**ولم تُعرّج على الأوتاد والطُّنُب
    بسكتة تحتها الأحشاء في صخب**تجثو القيام به صُغراً على الرُّكَب

    إلى آخر ما قاله أبو تمام في قصيدته العصماء التي ما أن يقرأها المسلم حتى يشعر بنشوة الأيام الخالدة التي علا فيها راية الإسلام خفاقة فوق هامات الشرك، أما اليوم والأمة تعيش حالة من الذل والهوان والخور، ليتها ترجع إلى تاريخها وتقرأ عندما ارتفعت في تاريخنا الإسلامي أصوات استنجاد، وانطلقت صرخات استغاثة، رفعتها حناجر المظلومين، وأطلقتها أفواه المحرومين، كان الجواب الثابت على كل تلك الصرخات ثابت لم يتغير، وهو المسارعة للإغاثة والمساعدة، ولم يحدث قط أن ماتت في أمتنا روح الحمية، وفضيلة النجدة، حتى في أشد لحظات ضعفها وتمزقها.
    ولعل أول تلك الأصوات المستغيثة التي صدحت في أذن التاريخ، هو صوت المرأة الأنصارية المسلمة، التي غدر بها يهود، في سوق بني قينقاع فكشفوا بعض عورتها، فصاحت وصرخت واستنجدت، فجاءها الجواب من القائد الأول لهذه الأمة المجاهدة، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وزحف عليه الصلاة والسلام بجنود الحق يدك أوكار اليهود حتى مزقهم كل ممزق.
    ثم جاءت صرخة الهاشمية الحرة التي غدر بها الروم فأسروها، فصاحت صيحتها التي غدت مثلا "وامعتصماه" فأجابها المعتصم من عراق التاريخ والأمجاد، على ما تم تفصيله في هذه المحاضرة، وجهز جيشاً قاده بنفسه، واقتحم به عمورية، وهي تركيا الحالية، فحرّك الجيش الإسلامي من العراق حتى تركيا، ولم يرجع إلا بالأسيرة المسلمة وهي حرة عزيزة.
    وأيضاً من هناك، من وراء البحار، من الأندلس الخضراء، صدح صوت امرأة مسلمة، غدر بها الأعداء فأسروها، فصاحت: واغوثاه بك يا حكم، تقصد الحكم الأول بن هشام الأول ملك قرطبة، وانطلق النداء يجلجل في أرجاء الكون، حتى بلغ الحَكم ملك قرطبة، فصاح من فوق عرشه، وتحرك من فوره على رأس جيش يعشق الموت في سبيل الله، حتى دهم العدو في عقر داره، وخلص إلى الأسيرة المسلمة، وقال لها: هل أغاثك الحكم يا أختاه؟ فانكبت الأسيرة تقبل رأسه، وهي تقول: والله لقد شفى الصدور، وأنكى العدو، وأغاث الملهوف، فأغاثه الله، وأعز نصره.
    ولله در الحجاج بن يوسف الثقفي، يوم بلغه صوت عائلة مسلمة أسرها الديبل في أعماق المحيط الهندي، فصاحت في أسرها: يا حَجاج. وانطلقت الصرخة تهز أوتار الكون، حتى بلغت العراق، بلد النخوة والكرامة والنجدة، فصاح الحجاج بأعلى صوته والتاريخ أذن تسمع، وأرسل جيشاً عظيماً جعل عليه أعظم قواده، محمد بن القاسم، وتحرك الجيش المسلم، يحدوه صوت المرأة المسلمة المظلومة، حتى اقتحم بلاد الديبل، وهي كراتشي حالياً، وقتل ملكها، وعاد بالمرأة المسلمة حرة عزيزة.
    واليوم ما أكثر أصوات الاستغاثة والاستنجاد، التي تطلقها أفواه المظلومين وترفعها حناجر المسحوقين من أمتنا، ابتداءً من أطفال العراق ونسائه وشيوخه المظلومين، الذين تتفنن قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية الظالمة في تعذيبهم وإذلالهم، وما فضائح سجن أبي غريب عنا ببعيدة! ومروراً بأطفال فلسطين الحبيبة وشيوخها ونسائها، الذين يتفنن اليهود أيضاً في ذبحهم، وتكسير عظامهم، وبقر بطونهم، وتهديم بيوتهم، وتجريف أراضيهم، وها هي مآسي رفح وغزة التي تقشعرّ منها الأبدان مستمرة تحت سمع وبصر أهل النخوة والنجدة - زعموا -.
    وانتهاءً بمآسي المسلمين في أفغانستان وكشمير والشيشان والبلقان، وغيرها مما يشيب لهولها الولدان.
    ولا تزال الجرائم مستمرة، ولا تزال طاحونة الموت والدمار تدور رحاها على هذه الأمة، ولا تزال آلاف الحناجر من النساء والأطفال والشيوخ، تستصرخ وتستنجد وتستنصر، أن وا معتصماه ووا إسلاماه.
    أفلم يعد في الضمير المسلم متسع لنصرة طفل مظلوم؟ أولم تبق في النخوة العربية والإسلامية بقية لإغاثة امرأة ثكلى؟ وهل هانت قيم النخوة والرجولة والمروءة في أمتنا، إلى الحد الذي صار فيه ذبح الأطفال، وبقر بطون الحوامل، وقتل المصلين في المساجد وهم سجود، وهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، أمراً عادياً ومألوفاً؟.
    إن حال الأمة اليوم يصدق عليها ما وصف به أحد الشعراء المعاصرين بقصيدة كتبها بعد نكبة 48م، والتي قال في مطلعها:
    أمتي هل لك بين الأمـم **أتلقّــاك وطرفي مطرقٌ
    "ألإسرائيل" تعلو رايةً**كيف أغضيت على الذل ولم
    أوَ ما كنت إذا البغْي اعتدى**فيم أقدمتِ؟ وأحجمت؟ ولم
    اسمعي نوح الحزانى واطربي**واتركي الجرحى تداوي جرحها
    رُبَّ "وامعتصماه" انطلقت**لامست أسماعهُم لكنها
    لا يُلام الذئب في عدوانه**منبر للسيف أو للقلـم
    خجلاً من أمسك المنصرم**في حمى المهد وظل الحرم
    تنفضي عنك غبار التهم**موجة من لهب أو من دمِ
    يشتفِ الثـأرُ ولم تنتقمي**وانظري دمع اليتامى وابسمي
    وامنعي عنها كريمَ البلسمِ**ملءَ أفواه الصبايا اليتم
    لم تلامس نخوة المعتصم**إن يكُ الرَّاعي عدو الغنمِ

    ولكن الأمل كبير بعون الله، فالأمة لم تمت، بالرغم من كل مظاهر الضعف والذلة والغثائية البادية، فإن في بطولات المجاهدين والمقاومين الرائعة، وتضحياتهم المشرّفة، والتفاف الجماهير الإسلامية حولهم، واحتضانها لهم، وتفاعلها معهم، في كل من فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وغيرها من بلاد المسلمين المظلومة، لخير دليل على ذلك. وسيأتي اليوم لا نشك في أن تنتصر فيه الجماهير المؤمنة من أعدائها وتنتقم من جلاديها (ويســألونك متى هو، قل: عسى أن يكون قريباً).
    والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 8:09 pm