من طرف SeIfElLaH الإثنين سبتمبر 21, 2015 7:51 pm
الأحاديث والآثار الواردة في الشورى1- فقد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم بدر: «أشيروا عليَّ أيها الناس»(1). فأشار عليه الحباب بن المنذر بالنزول على الماء فقبل منه.
2- وأشار عليه السَّعْدان: (سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة) يوم الخندق بترك مصالحة العدو على بعض ثمار المدينة لينصرفوا فقبل منهما (2).
3- كما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم استشار المسلمين قبل أن يخرج لغزوة أُحد، وأنهم أشاروا عليه بأن يخرج لقتال أعدائهم، وكان من رأيه أن يبقى في المدينة مدافعًا، ولكنه نفَّذ ما أشاروا عليه به، وخرج وانتهى الأمر بمحنة المسلمين، وفي هذا برهان على أن الله سبحانه وتعالى يريد أن تكون سياسة المسلمين قائمة على مبدأ الشورى، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مأمورًا بالشورى، وهو الذي يمتاز بكماله العقلي والروحي واتصاله بالوحي الإلهي؛ فغيره أولى بالأمر بالأخذ بهذا الأساس العظيم (3).
قال ابن عطية رحمه الله: «الشورى بركة، وقد جعل عمر بن الخطاب الخلافة – وهي من أعظم النوازل – شورى».
وقال الحسن: «والله ما تشاور قوم بينهم إلاَّ هداهم الله لأفضل ما بحضرتهم»(4).
وأخرج الشافعي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ما رأيت أحدًا أكثر مشاورة لأصحابه من المصطفى صلى الله عليه وسلم»(5).
ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن في حاجة قط إلى مشاورة أحد منهم، لأنه مؤّيَّد بالوحي: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}([6])، ومُسَدَّدٌ من الله تعالى في اجتهاده، ولم يكن يجتهد إلا فيما لم ينزل عليه فيه وحي، وكان اجتهاده واقعًا تحت إقرار الوحي، أخرج البيهقي في الشُعب عن أنس وابن عباس رضي الله عنهما لمَّا نزل: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}: قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أما إن الله ورسوله يغنيان عنهما، لكن جعلها الله رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشدًا، ومن تركها لم يعدم غيًا». قال ابن حجر: غريب (7).
وقال الحسن البصري: «ما أمر الله نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل، ولتقتدي به أمته من بعده»(8).
وقال الحسن أيضًا: «كان والله غنيًّا عن المشاورة، ولكن أراد أن يستن لهم»(9).
وقال علي رضي الله عنه: «الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم»(10).
ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يحض على إقامة الشورى من بعده بما يشعر بوجوبها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاءكم، وأمركم شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها. وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، وأموركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خيرٌ لكم من ظهرها»(11).
ففي هذا وعد بالخير والبركة في حياة المسلمين ما داموا متمسكين بالشورى، وفيه وعيد شديد وإنذار بما تلقاه الأمة في حياتها من الشدائد والمحن إذا تخلَّت عن الشورى الجادة.
ومن يقرأ حياة الخلفاء الراشدين والصالحين من ولاة الأمر في خير قرون الإسلام، يجد أن الشورى كانت ديدنهم في جميع ما يعرض لهم من الحوادث التي لم يكن فيها نص من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ سواء أكان ذلك من قبيل سياسة الأمة، أم من قبيل التشريع الاستنباطي في الأحكام الشرعية، أم كان من قبيل مصالح الحروب وتعيين قوادها، وتجهيز الجيوش، ومعاهدات الصلح، وتحديد علاقات الأمة بغيرها من الأمم في حالتي الحرب والسلم، وإقامة موازين العدل بين الأفراد والجماعات، إلى غير ذلك مما يشمل كل جانب من جوانب حياة الأمة الإسلامية (12).
([1]) المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، للقسطلاني (ج1، 412). ([2]) البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله (ج4/104، 105). ([3]) انظر: البداية والنهاية (ج4/11)، وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية (ص154، 155) للمؤلف. ([4]) انظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية (ج2/397، 398)، تحقيق عبد الله الأنصاري وعبد العال إبراهيم. ([5]) فيض القدير للمناوي (ج5/442). ([6]) سورة النجم، الآيتان: 3، 4. ([7]) انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي (ج5/443). ([8]) الموسوعة في سماحة الإسلام للصادق عرجون (ج1/541). ([9]) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (ج1/488)، ط المكتب الإسلامي. ([10]) المرجع السابق من زاد المسير (ج1/488). ([11]) رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب. انظر: مشكاة المصابيح للتبريزي (ج3/1474)، حديث رقم (5368)، تحقيق الألباني، طبع المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة، (1405هـ)، بيروت. ([12]) بتصرف من: الموسوعة في سماحة الإسلام (ج1/542، 543).