توحيد الأسماء والصفات
هو: اعتقاد انفراد الله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة والجلال، وذلك بإثبات ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل نعتقد أن الله ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، فلا ننفي عنه ما وصف به نفسه ولا نحرف الكلم عن مواضعه، ولا نلحد في أسماء الله وآياته.
فمن صفات الله التي وصف بها نفسه الاستواء:
فقال عزَّ من قائل في سورة الأعراف: }إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ{ [الأعراف: 54].
وقال في سورة يونس: }إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ{ [يونس: 3].
وقال في سورة الرعد: }اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ{ [الرعد: 2].
وقال في سورة طه: }الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى{ [طه: 5].
وقال في سورة الفرقان: }ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ{ [الفرقان: 59].
وقال في سورة السجدة: }اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ{ [السجدة: 4].
وقال في سورة الحديد: }هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ{ [الحديد: 4].
فهذه سبعة مواضع أخبر فيها سبحانه أنه على العرش. وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله عز وجل كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي سبقت غضبي، فهو عنده فوق العرش»([size=21][1]).[/size]
وقد سُئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله: }الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى{ كيف استوى، فأطرق مالك وعلته الرحضاء – يعني العرق – وانتظر القوم ما يجيء من فيه فرفع رأسه إليه وقال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وأحسبك رجل سوء) وأمر به فأخرج ([size=21][2]).[/size]
وهذا الجواب من مالك – رحمه الله – في الاستواء كاف شافٍ في جميع الصفات مثل النزول، والمجيء، واليد، والوجه، وغيرها، فيقال في النزول: النزول معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وهكذا يقال في سائر الصفات الواردة في الكتاب والسنة. ولا يجوز تأويل الاستواء على العرش بالاستيلاء، لأنه لو كان كذلك لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه، إذ هو مستوي على العرش، وعلى الخلق، ليس للعرش مزية.
قال الإمام أبو بكر بن خزيمة رحمه الله: (من لم يُقر بأن الله على عرشه استوى فوق سبع سموات، بائن من خلقه، فهو كافر، يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، وألقي على مزبلة لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة وأهل الذمة)([size=21][3]).[/size]
كما أن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله سبحانه وتعالى فوق سماواته، بائنٌ من خلقه، قال الله تعالى: }إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ{ [فاطر: 10]. }إِذْ قَالَ اللَّهُ يا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ{ [آل عمران: 55]. }بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا{ [النساء: 158]. }أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ{ [الملك: 16].
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء»([size=21][4]).[/size]
وفي حديث معاوية بن الحكم السُّلمي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية: «أين الله»، قالت في السماء، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «اعتقها فإنها مؤمنة» رواه مسلم وأبو داود والنسائي ([size=21][5]).[/size]
ومنكر أن يكون الله في جهة العلو بعد هذه الآيات والأحاديث مخالف لكتاب الله، ومنكر لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مالك بن أنس: «الله في السماء وعلمه في كل مكان، لا يخلو من علمه مكان».
وقال عبد الله بن المبارك: (نعرف ربنا فوق سبع سموات بائنًا من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية إنه ها هنا وأشار إلى الأرض)([size=21][6])، بل نعتقد أن الله سبحانه وتعالى فوق سماواته مستو على عرشه، وأنه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيجب الإيمان والتسليم لذلك، وترك الاعتراض عليه، وإمراره من غير تكييف ولا تمثيل ولا تأويل، ولا نفي لحقيقة النزول.[/size]
فروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فاغفر له، حتى يطلع الفجر»([size=21][7]).[/size]
وفي لفظ: «ينزل الله عز وجل» ولا يصح حمله على نزول القدرة ولا الرحمة، ولا نزول ملك، لما روى مسلم -بإسناده- عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له حتى يضئ الفجر»([size=21][8]).[/size]
وروى رفاعة بن عروبة الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مضى نصف الليل أو ثلث الليل ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا، فيقول: لا أسأل عن عبادي أحدًا غيري، من ذا الذي يستغفرني أغفر له، من ذا الذي يدعوني أستجيب له، من ذا الذي يسألني أعطيه، حتى ينفجر الصبح» رواه الإمام أحمد ([size=21][9]).[/size]
وهذان الحديثان يقطعان تأويل كل متأول ويدحضان حجة كل مبطل.
وروى حديث النزول علي بن أبي طالب، وعبد الله ابن مسعود، وجبير بن مطعم، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وعمرو بن عبسة، وأبو الدرداء، وعثمان بن أبي العاص، ومعاذ بن جبل، وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وخلقٌ سواهم y ونحن مؤمنون بذلك مصدقون من غير أن نصف له كيفية أو نشبهه بنزول المخلوقين.
اليدان: ومن صفاته سبحانه الواردة في كتابه العزيز والثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليدان، قال الله عز وجل: }بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ{ [المائدة: 64]، وقال عز وجل: }مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ{ [ص: 75].
فلا نقول يد كيد، ولا نكيف ولا نشبه، ولا نتأول اليدين على القدرتين، كما يقول أهل التأويل، بل نؤمن بذلك، ونثبت الصفة من غير تكييف، ولا تشبيه، ولا يصح حمل اليدين على القدرتين. فإن قدرة الله عز وجل واحدة، ولا على النعمتين، فإن نعم الله عز وجل لا تحصى. كما قال عز وجل: }وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا{ [النحل: 18].
ونثبت لله عز وجل صفة النفس التي وردت في كتاب الله تعالى، وثبتت في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله عز وجل – إخبارًا عن نبيه عيسى عليه السلام أنه قال: }تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ{ [المائدة: 116]. وقال عز وجل: }كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ{ [الأنعام: 54]. وقال سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام: }وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي{ [طه: 41]، وقال: }وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ{ [آل عمران: 28].
([size=15][1]) رواه البخاري، حديث رقم 7554، ومسلم 2751.[/size]
([size=15][2]) أخرجه ابن قدامة في العلو (104) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (664).[/size]
([size=15][3]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية، ص31 ذكره عنه الحاكم بإسناد صحيح.[/size]
([size=15][4]) رواه البخاري (4351)، ومسلم (1064).[/size]
([size=15][5]) رواه مسلم، حديث رقم 537.[/size]
([size=15][6]) عزاه ابن القيم في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية، ص134، وللبيهقي وقال: «بأصح إسناد».[/size]
([size=15][7]) رواه البخاري، حديث رقم 1145، ومسلم، حديث رقم 758.[/size]
([size=15][8]) رواه مسلم، حديث رقم 758.[/size]
([size=15][9]) رواه أحمد في المسند، جـ4، ص16.[/size]