منتدى سيف الله للإبداع

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد, يشرفنا أن تقوم بالدخول وذلك بالضغط على زر الدخول إن كنت عضوا بالمنتدى.أو التسجيل إن كنت ترغب بالإطلاع على مواضيع المنتدى والمشاركة في أقسام المنتدى فقط إضغط على زر التسجيل و شكرا لك

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى سيف الله للإبداع

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد, يشرفنا أن تقوم بالدخول وذلك بالضغط على زر الدخول إن كنت عضوا بالمنتدى.أو التسجيل إن كنت ترغب بالإطلاع على مواضيع المنتدى والمشاركة في أقسام المنتدى فقط إضغط على زر التسجيل و شكرا لك

منتدى سيف الله للإبداع

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى سيف الله للإبداع

منتدى سيف الله للإبداع


    الوسوسة ووسائل الخلاص منها

    SeIfElLaH
    SeIfElLaH
    مجلس المدراء
    مجلس المدراء


    الأوسمة : الوسوسة ووسائل الخلاص منها 0ea39110
    عدد المساهمات : 4497
    نقاط : 6387
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 47

    الوسوسة ووسائل الخلاص منها Empty الوسوسة ووسائل الخلاص منها

    مُساهمة من طرف SeIfElLaH السبت يناير 24, 2015 7:40 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم



    المقدمة

    الحمد لله شافي الصدور، وقاضي الأمور، وأشهد أن لا إله إلا الله الرحيم الشكور، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه، أنزل عليه الكتاب شفاءً لما في الصدور، وعلى آله وصحبه أهل الدثور والأجور، ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم إلى يوم البعث والنشور، وعنا معهم برحمتك ومَنَّك وكرمك يا عزيز يا غفور..



    أما بعد:


    فلقد ضاقت صدور كثير من العباد اليوم بسبب كثرة الماديَّات، ومشاهدة الفضائيات، والإسراف في المحرمات والسيئات، والاقتصاد في الطاعات والحسنات، فحصلت تلك الآهات، وكثرت تلك الصرخات، بل وحصل أدهى من ذلك وأَمَرَ، فصارت الوسوسة حتى أن البعض يفكِّر كيف يتخلص من نفسه من جرَّاء الضيق والحسرة والوحشة التي يعيشها، فلا طعم للحياة عنده، ولا هدف ولا غاية يرى أنه من أجلها خُلِق، وكل ذلك بسبب الابتعاد عن المنهج القويم والصراط المستقيم، وحصلت الوسوسة حتى في العبادة، فلم يدر كم صلَّى أثلاثًا أم أربعًا؟ وفي الوضوء أغسل ذلك العضو أو لم يغسله؟ بل وأصبح البعض يوسوس حتى في أهل بيته، أهذه الزوجة عفيفة نقيَّة؟ أم غير ذلك؟ فالحاصل أن الوسوسة سيطرت على بعض الناس سيطرة تامة حتى أنه لا يجد للراحة طعمًا، ولا يغمض له جفنًا، ولا يرى للوجود سببًا، وكل ذلك بسبب الاستسلام للشيطان وما يسببه من أوهان، وسفيه الأحلام، فعلى المسلم أن يتوسل إلى الله تعالى لذهاب وسوسة الشيطان ونزغاته، وكل ذلك موجود وثابت في ديننا الحنيف، فمن أراد طرد تلك الوساوس فعليه بالقرآن والأذكار قبل أن ينام، ففيها الشفاء التام، بإذن الله العلَّام.


    الشيطان عدو الإنسان:


    لقد أخذ الشيطان – أعاذنا الله منه – العهد والميثاق، لغواية بني آدم، وجاء ذلك صريحًا في كتاب الله عز وجل، حيث قال تعالى: }قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ{ [ص: 82-85]، ولهذا حذَّر الله تبارك وتعالى من الشيطان وكيده وجنده، وبيَّن ذلك واضحًا جليًّا في القرآن الكريم، فقال تعالى: }إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ{ [فاطر: 6].


    فالواجب على كل من ميَّزه الله بالعقل ووهبه هذه النعمة العظيمة أن يستعملها فيما خُلِقَ من أجله ألا وهي عبادة الله وحده لا شريك له، ويجعل كل وقته أو أكثره مسخرًا لطاعة مولاه الذي خلقه فسوَّاه، ووهب له النعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، ومن استبدل الذي هو أدني بالذي هو خير فقد خسر وخاب وندم، فطاعة الله عز وجل، وطاعة الشيطان الرجيم لا تجتمعان في قلب إنسان أبدًا، فالله يدعو إلى الجنة والمغفرة، يدعو عباده للرحمة والرأفة، أما الشيطان عدو الإنسان فلا يدعو إلا إلى كل فاحشة ورذيلة، وكل ما يبعد عن الفضيلة، فهو يدعو العباد إلى السخط والنار والعياذ بالله، قال تعالى: }وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا{ [الكهف: 50]، فكان اتباع الشيطان من أسباب الانتكاسة والخسارة في الدنيا والآخرة.


    الشيطان يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، فإن هم أطاعوه واتبعوا الهوى والشهوات، وارتكبوا المحرمات والمنهيات، وإن هم تركوا الطاعات، وهجروا القُرُبَات، فإن هم فعلوا ذلك فقد أحلُّوا بأنفسهم دار البوار، وستحل بهم النقمات، ثم سيتخلى عنهم شيطانهم الذي اتبعوه واتخذوه وليًّا لهم من دون الله، نعم سيعترف لهم بعد أن يكونوا حطبًا لجهنم، وحصبًا لها، أنه لم يأمرهم إلا بالباطل فاتبعوه، فهو ليس مسؤولًا عنهم، ولم يجبرهم على اتباعه، ولا سينقذهم من النار، إذ كيف سينقذهم منها وهو خالد فيها؟ والقرآن يصوِّر هذه الأحداث لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فيقول الله تعالى: }وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم{ [إبراهيم: 22]، فالشيطان لا يفتأ يوسوس للإنسان حتى تزل قدمه عن طريق النجاة، وتتفرَّق به السبل، ويغرق في لجج المعاصي والآثام، وتتلاطم به بحور الذنوب العظام، فتضيق به نفسه، وتتفاقهم الدنيا عنده، فيلهث من أجلها، فيصبح لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، فهذا هو الشيطان عدو الإنسان.


    أهل الدجل:


    فإن نعم الله جل وعلا على عباده لا تُعَدُّ ولا تُحصى، قال تعالى: }وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ{ [إبراهيم: 34]، ومع إغداق الله هذه النِعَم على العباد ليل نهار، فمنهم من يستعين بها على معصية الله تعالى، فخير الله إليهم نازل وشرهم إليه صاعد، ثم لا تجد أكثرهم شاكرين، بل قليل منهم الشكور، قال تعالى: }وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ{ [سبأ: 13].


    وشاء الله أن يبتلي الكثير من عباده ويختبرهم ويمتحنهم بصور شتى، ومن هذه الابتلاءات ما قدره الله على خلقه من أمراض وأسقام وأدواء.


    لقد ابتلي بعض الناس بالكثير من الأمراض النفسية وغير النفسية، وما ذاك إلا امتحان من الله جلَّت قدرته لهم ليرى وهو أعلم بهم مدى صبرهم على ألأذى واحتساب الأجر فيه، أو بسبب طغيانهم ليعودوا إليه سبحانه، أو ليكفر عنهم من سيئاتهم حتى يلقوا ربهم بلا خطايا، أو غير ذلك من الأسباب التي لا يعلمها إلا عالم الغيب والشهادة.


    فمن ابتلي بذلك فعليه بالصبر واحتساب ذلك عند الله تعالى، وليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وكل ذلك بقدرته تعالى وتقدَّس، قال تعالى: }يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{ [البقرة: 153].


    وليحذر المسلم من أهل الدجل من الكهنة والمشعوذين، والسحرة والساحرين، وغيرهم من الماكرين والمبتزين، واللاعبين بعقول ضعاف المسلمين، فعليهم من الله ما يستحقون من العذاب والعقاب الأليمين.


    فمن اعتقد على أولئك السحرة والمشعوذين خذلوه وأوردوه المهالك، وما زادوه إلا وَهَـنًا وَمَرضًا، بل قد يخرج من يتعامل معهم من دائرة الإسلام – والعياذ بالله – واعلم والله أنه ما رجا إنسان أحدًا غير الله إلا خذله وضرَّه وما نفعه، وذلك لأنه لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا فكيف ينفع غيره أو يضره، فالله المستعان وعليه التكلان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له» [حسَّنه الألباني في غاية المرام]، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء فصدقه بما قال لم تقبل منه صلاة أربعين يومًا» [مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهنًا فصدقه بما قال؛ فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» [صحيح رواه البزار وأبو داود].


    فليتق الله أناس عرفوا الحق من الباطل، وميَّزوا الخير من الشر واشرأبَّت نفوسهم أمر الله عز وجل وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم يذهبون يتخبطون في ظلمات أولئك السحرة والدجالين غير مكترثين بما أعد الله لهم من عذاب وعقوبات من جرَّاء تلك الرحلات إلى أجواء الكذّابين والكذّابات.


    وعلى الإنسان أن يسعى جاهدًا من أجل الحصول على علاج ما به من آلام وأمراض، فلقد أخرج ابن ماجه من طريق أبي خزامة عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت رقىً نسترقيها ودواء نتداوى به، هل يرد ذلك من قدر الله شيئًا؟ قال: «هي من قدر الله تعالى».


    فأقول: لقد جاء العلاج من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبيَّنه العلماء الأفاضل بإيضاح تام، وهناك وسائل يجب على المسلم أن يحرض عليها حتى يجنب نفسه الوسوسة، ويقيها من الشيطان، ومن هذه الوسائل:


    الوسيلة الأولى: الاستعاذة:


    قال جلا وعلا: }وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200){ [الأعراف: 200].


    يقول الشيخ محمد علي الصابوني في تفسير هذه الآية: «أي وإما يصيبنك طائف من الشيطان بالوسوسة والتشكيك في الحق فاستعذ بالله، أي فاستجر به والجأ إليه في دفع الشيطان وأذاه وهمزه ونفثه ونفخه فالله سميع لما تقول، عليم بما تفعل، فالذين اتصفوا بتقوى الله وطاعته والخوف منه سبحانه إذا أصاتبهم الشيطان بوسوسته وحام حولهم بهواجسه تذكروا عقاب الله وثوابه فإذا هم يبصرون الحق بنور البصيرة، ويتخلصون من وساوس الشيطان بتمسكهم بحبل الله المتين ويستعيذون بالله من الشيطان الرجيم». انتهى ملخصًا مزيدًا.


    يقول الله عز وجل: }فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ{ [النحل: 98-100].


    يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في «أضواء البيان»: «أن الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين المتوكلين على الله حق التوكل، ولو أحسن العبد توكله على ربه سبحانه وتعالى لرزقه المولى كما يرزق الطير تغدوا خماصًا وتروح بطانًا، فلو توكَّل العبد على ربه توكلاً كاملاً لرزقه من حيث لا يحتسب، ولهذا قال تعالى: }وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ{ [الطلاق: 3]، فمن كان الله حسبه كفاه كل سوء ومكروه، وكفى به سبحانه حسيبًا ونصيرًا، ومتوكلاً عليه ومعينًا.


    فسلطان الشيطان بالحجة التوهيم، والوسوسة والتشكيك لا يكون على عباد الله المؤمنين الصادقين المخلصين المتوكلين، وإنما يكون سلطانه ونزغه وتوهيمه ونشر شره على أتباعه الذين يتولونه وأطاعوه فيما يدعوهم إليه من الذنوب والمعاصي، والذين أشركوه مع الله عز وجل فاتبعوا الشيطان والهوى فزلَّت بهم أقدامهم عن طريق النجاة، فغاصوا في لُجج الأمراض النفسية، بسبب الوسوسة التي يلقيها الشيطان في نفوسهم والعياذ بالله، فلا يجدون راحة ولا اطمئنانًا، فاتباع الشيطان سبب للهلاك والدمار، والغرق في بحور الآثام العظام، فهو عدو البشرية جمعاء، وقد كاد لها العداء، من لدن آدم u حتى أنه أخرجه من الجنة بسبب ما يلقيه في روعه من الوسوسة والتوهيم.


    واعلم أن الشيطان قد أخذ العهد والميثاق من الله تعالى لغواية بني آدم حتى يخرجهم من النور إلى الظلمات، ويقذف بهم إلى النيران المظلمات، ثم يتخلَّى عنهم بعد ذلك فيقول: }قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ{ [الحشر: 16، 17] فإبليس أعاذنا الله منه، لا همَّ له إلا إضلال العباد عن طاعة ربهم الواحد الأحد، وإخراجهم من دائرة الإسلام إلى دين الأهواء والشهوات، نسأل الله العافية والسلامة، فهو حريص كل الحرص على أن يوقع الناس في شراكه، ويدخلهم في شباكه، حتى يتعدوا حدود الله إلى ما حرم عليهم، ولا عصمة للعبد من الشيطان إلا بطاعة الرحمن بصدق وإخلاص وحُسن نية، قال تعالى: }قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ{ [الأعراف: 16-18]. انتهى ملخصًا مزيدًا.


    حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سوَّل لك بالخطايا؟ قال: أجاهده، قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده، قال: فإن عاد، قال: أجاهده، قال: هذا يطول، أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها ومنعك من العبور ما تصنع؟ قال: أكابده وأرده جهدي، قال: هذا يطول، ولكن استغث بصاحب الغنم يكفه عنك، فلله المثل الأعلى، فإن جاءك الشيطان بوسوسته وكيده فاستعن بخالقه وخالقك يكفك شره وكيده، ويطرد عنك وسوسته ومكره.


    ولقد شكا الصحابة رضوان الله عليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا يجدونه في صدورهم – من وسوسة الشيطان – فقال صلى الله عليه وسلم: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا حتى يقول له: من خلق ربك، فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته» [رواه البخاري ومسلم].


    قال تعالى: }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ{ [الفلق: 1-5].


    يقول ابن كثير: روى مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط: }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{، }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{.


    وقال ابن سعدي:«}قُلْ{: متعوذًا،}أَعُوذُ{: أي: ألجأ وألوذوأعتصم،}بِرَبِّ الْفَلَقِ{: أي: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح،}مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ{: وهذا يشمل جميع ما خلق الله، من إنس وجن وحيوانات، فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها،}وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ{: من شر ما يكون في الليل، حتى يغشى النعاس، وينتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية،}وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ{: من شر السواحر اللاتي ينفثن في العقد من أجل السحر، }وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ{: الحاسر: هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود بما يقدر عليه من أسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد، العائن؛ لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع خبيث النفس».


    قال تعالى: }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ{ [سورة الناس].


    يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه السورة: «وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم من الشيطان، الذي هو أصل الشرور كلها، ومادتها الذي من فتنته وشره أنه يوسوس في صدور الناس، فيُحَسِّن لهم الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويثبطهم عن الخير، ويريهم إياه في صورة غير صحيحة، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ثم يخنس، أي: يتأخر عن الوسوسة إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه، فينبغي له أن يستعين ويستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم، وأن الخلق داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها، وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم الذي يريد أن يقتطعهم عنها، ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه، ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس». [تيسير الكريم الرحمن 5/453].
    SeIfElLaH
    SeIfElLaH
    مجلس المدراء
    مجلس المدراء


    الأوسمة : الوسوسة ووسائل الخلاص منها 0ea39110
    عدد المساهمات : 4497
    نقاط : 6387
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 47

    الوسوسة ووسائل الخلاص منها Empty رد: الوسوسة ووسائل الخلاص منها

    مُساهمة من طرف SeIfElLaH السبت يناير 24, 2015 7:45 pm

    الوسيلة الثانية: المجاهدة:


    فمن الناس من يأتيه الشيطان بوسوسة غريبة عجيبة ليهلكه ويجعل خاتمته سيئة، وعاقبته وخيمة، فيبث في روعه أنه سيموت وأن نهايته قربت وأجله انتهى، ولا يعلم ذلك إلا الله وحده دون أي أحد من المخلوقين، قال تعالى: }قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{ [النمل: 65] فالمؤمن الحق يعمل من الصالحات وهو يعلم أنه على سفر وما يلبث أن يرتاح من عناء هذا السفر فهو مستعد للقاء ربه بالتوبة الصادقة وكثرة أعمال البر وطرق الخير، فهو يتوق للقاء الله تعالى، ويعلم حق العلم أنه سينتقل من دار الفناء إلى دار البقاء، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، فمن كان تعلقه بالله والدار الآخرة كفاه ذلك عن الاهتمام أو الإصغاء إلى توهيم الشيطان ووسوسته، ويعلم أن ذلك من كيده ونزغاته، فيفر من ذلك بالإقبال على الله تعالى في كل شؤون حياته، فالله خيرٌ حافظًا وهو أرحم الراحمين.


    ومن الناس من يأتيه عدوه فيوسوس له بأنه مريض مرضًا خطيرًا لا قدرة للأطباء على علاجه، أو أنه ستصيبه جائحة أو فاجعة أو ما شابه ذلك، فمن أراد العلاج فليبحث عن نفسه أولاً؛ لأن الله تعالى يقول: }إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ{ [الرعد: 11]، فالواجب على المسلم تطهير نفسه من كل شائبة شركية أو بدعية، وكل منهي عنه، أو اعتداء على حرام أو منكر أو كبيرة، ثم بعد ذلك يلجأ إلى الله ليزيل عنه كيد عدوه، ويبعد عنه مكره ووسوسته.


    فمن وجد في نفسه تلك الوساوس فلينته عن ذلك فورًا وليكثر من ذكر الله تعالى على كل حال، وليتزود بكثرة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وشركه، ونفثه ونفخه، وكثرة الاستغفار فهو سبب ذهاب الهم والغم، وإحلال الفرح والسرور، فالله تعالى نعم المولى ونعم النصير.


    الوسيلة الثالثة: قراءة القرآن:


    واعلم أيها المسلم أن الله تعالى قد أنزل الكتاب العظيم القرآن الكريم تبيانًا لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، وفيه الدواء والشفاء، واقرأ قول الله تعالى حيث قال: }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{ [الإسراء: 82]، وقوله تعالى: }يأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{ [يونس: 57]، وقوله تعالى: }قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ{ [فصلت: 44].


    فقراءة القرآن بالتدبُّر والطمأنينة من أسباب طرد الشيطان ووسوسته وخصوصًا سورة البقرة فإن الشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، فإن البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان» [رواه الإمام أحمد ومسلم وغيرهما]، وجاء في فضلها أيضًا، قوله صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة» [متفق عليه]، ومعنى ذلك أن السحرة لا يستطيعون حفظها، وقيل: لا تنفذ الشياطين إلى قارئها.


    وسورة البقرة تضم أعظم آية في كتاب الله تعالى، ألا وهي آية الكرسي التي صدق النبي صلى الله عليه وسلم في فضلها قول الشيطان لأبي هريرة فقال: «ما فعل أسيرك البارحة...» ثم ذكر الحديث إلى أن قال: «دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها» قلت: وما هي؟ قال: «إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي }اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{ حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح» [رواه البخاري]، وقال صلى الله عليه وسلم في خواتيم سورة البقرة وهي الآيتين الأخيرتين منها: «من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» [رواه مسلم]. وقيل: معنى كفتاه: أي كفتاه من شر ومكروه.


    فينبغي على المسلم أن يقوم بهذه الآيات تعلمًا وتعليمًا لنفسه وأولاده لما فيها من فضل عظيم خصوصًا ضد عدو البشرية إبليس وأعوانه نعوذ بالله من فتنته وإضلاله. وحاصل ذلك أن القرآن الكريم هو صراط الله المستقيم، من تمسك به واتبع أوامره واجتنب نواهيه؛ فاز ورشد وهُدي إلى الصراط القويم، واكتسى وجهه نورًا وبهاءً، وكانت حياته سعادة وهناءً، وفرحًا وسرورًا، ولم يجد الشيطان له إليه سبيلاً؛ لأن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، وهم حزب الله المفلحون الذين لا غالب لهم. أما من أعرض عن القرآن فستقذفه الأهواء والأدواء، وسيلعب به الشيطان كما يلعب الصغير بالدمية، وسيكون عرضه للوساوس والهواجيس، وبذلك سيضيق الصدر، وتضيق عليه الأرض بما رحبت، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِب» [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح]، فمن كان جوفه خربًا أي خاليًا من كلام الله وذكره تعالى، فلا غرو أن يتسلط عليه الشيطان بالحزن والأسى.


    فاعتبروا يا أُولي الأبصار!


    وكثير من الناس إذا أقبل على قراءة القرآن ورأى الشيطان منه صدق العزيمة، بدأ يلهيه ويبعده عن ذلك بما يبثه من وساوس وهواجيس، فتارة يُنعَسِّه ويُرَغِّب النوم إليه، فينام ويترك كتاب الله، وتارة يذكره بأمور دنيوية دنيئة فينصرف إليها ويحكم الوثاق على القرآن، وتارة يشعره بصعوبة ما يقرأ فيترك القارئ قراءة القرآن طاعة للشيطان، وكل هذه حيلٌ شيطانية مكشوفة لا تخفى على ذي لُب وعقل، ولكن ما السبيل لدفع ذلك؟
    السبيل لدفع الشيطان ووسوسته هو ما ذكره الله عز وجل في كتابه لقارئ القرآن وما أوصاه به قبل القراءة، فقال سبحانه وتعالى: }فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ{ [النحل: 98].


    يقول العلامة ابن سعدي رحمه الله: «فإذا أردت القراءة لكتاب الله الذي هو أشرف الكتب وأجلها، وفيه صلاح القلوب والعلوم الكثيرة، فإن الشيطان أحرص ما يكون على العبد عند شروعه في الأمور الفاضلة، فيسعى في صرفه عن مقاصدها ومعانيها، فالطريق إلى السلامة من شره الالتجاء إلى الله والاستعاذة به من شره، فيقول القارئ: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، متدبرًا لمعناها معتمدًا بقلبه على الله في صرفه عنه، مجتهدًا في دفع وساوسه وأفكاره الرديئة، مجتهدًا على السبب الأقوى في دفعه وهو التحلي بحلية الإيمان والتوكل على الله، فيدفع الله عن المؤمنين المتوكلين عليه شر الشيطان، ولا يبقى له عليهم سبيل». انتهى.


    الوسيلة الرابعة: حِلَقُ الذكر:


    ومما يطرد الشيطان ويرد كيده وقهره، مجاهدته بعدم قبول وسوسته ورد كيده في نحره، فيلزم المسلم نفسه حضور حلق الذكر من دروس ومحاضرات وقراءة قرآن، ومخالطة الصالحين ومجالستهم فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، وهذه المجالس التي يفرح الله تعالى بها ويرضاها لعباده، فتحفها الملائكة، وتنزل عليها السكينة، وتغشاها الرحمن، قال صلى الله عليه وسلم: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمن، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» [رواه مسلم].


    فعلى المسلم أن يلجأ إلى كاشف الغم، وفارج الهم، مجيب دعوة المضطرين، ولي الصالحين، وكاشف ضر المتضررين، الله الرؤوف الرحيم، المنان الكريم.


    الوسيلة الخامسة: الحذر من الوحدة:


    وإن مما يجلب وسوسة الشيطان ونزغاته وتوهيماته وشروره بقاء الإنسان وحيدًا، ففي الوحدة شر عظيم، وخطر كبير، خوفًا مما قد يبثه من سمومه، وينفثه من همومه، ويلقيه في روع العبد عندما يعتزل الناس بدون سبب مقنع من التزام بقراءة أو تأليف أو غير ذلك مما قد يشغل الإنسان عن وسوسة الشيطان، ولهذا حذَّر
    النبي صلى الله عليه وسلم من الوحدة فقال:
    «لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده» [رواه البخاري]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن الوحدة أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده» [أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح]. وعند الطبراني: «ولا نام رجل في بيت وحده».



    فالوحدة مدعاة لوسوسة الشيطان ونزغه، وجاء التحذير النبوي الكريم لما قد يبثه الشيطان من الشكوك والظنون وسيئ الأفكار التي تجر إلى الحرام وعدم الاطمئنان وضيق الصدر وتقلصه، وكل ذلك يجر إلى سوء الخاتمة والعياذ بالله، مثل الانتحار الذي انتشر في هذه الآونة خصوصًا في بلاد الكفر والشرك والإلحاد.


    واعلم أيها المسلم أن الذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية البعيدة عن مراقبة ربها وصاحبها، فكذلك الشيطان لا يتسلط إلا على من ابتعد عن طاعة الله عز وجل، فلهذا يجد الشيطان إلى تلك القلوب مسلكًا واضحًا، وطريقًا ممهدًا، لأنها خاوية من ذكر الله وحب الله والخوف من الله، فهذه القلوب خربة لا يسكنها ولا يعشش فيها إلا الشيطان وأعوانه، فأصحابها أحياءً أمواتًا، أحياء الأجساد موتى القلوب، نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، ونسأله الحياة لقلوبنا، فإنه إذا صلح القلب صلح الجسد كله، وإذا فسد القلب فسد الجسد كله، فمدار الأعمال من قبول ورفض على القلب لأنه هو الذي يصدق ذلك ويكذبه، فيا لها من حياة تعيسة لا خير فيها ولا رجاء منها، تلك الحياة التي لا يعرف أصحابها طريقة الهداية والاستقامة، يقول تعالى: }أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ{ [الزمر: 22]، ويقول الله تعالى: }فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُون{ [الأنعام: 125].


    يقول العلامة ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: «يقول تعالى مبينًا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته وعلامة شقاوته وضلاله من انشراح صدره للإسلام، أي: اتسع وانفسح فاستنار بنور الإيمان وحيى بضوء اليقين فاطمأنت بذلك نفسه وأحب الخير وطوعت له نفسه فعله متلذذًا به غير مستثقل، فإن هذا علامة على أن الله قد هداه ومنَّ عليه بالتوفيق، وسلوك أقوم الطريق، وأن علامة مَن يرد الله أن يضله أن يجعل صدره ضيقًا حرجًا، أي: في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير ولا ينشرح قلبه لفعل الخير، كأنه من ضيقه وشدته يكاد يصعد في السماء، أي: كأنه يُكلف الصعود إلى السماء الذي لا حيلة فيه، وهذا سببه عدم إيمانهم فهو الذي أوجب أن يجعل الله الرجس عليهم؛ لأنهم سدوا على أنفسهم باب الرحمة والإحسان، وهذا ميزان لا يعول وطريق لا يتغير، فإن من أعطى واتَّقى وصدَّق بالحسنى يسَّره الله لليسرى، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسييسره للعسرى». انتهى.
    SeIfElLaH
    SeIfElLaH
    مجلس المدراء
    مجلس المدراء


    الأوسمة : الوسوسة ووسائل الخلاص منها 0ea39110
    عدد المساهمات : 4497
    نقاط : 6387
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 47

    الوسوسة ووسائل الخلاص منها Empty رد: الوسوسة ووسائل الخلاص منها

    مُساهمة من طرف SeIfElLaH السبت يناير 24, 2015 7:49 pm

    الوسيلة السادسة: الصلاة:


    ومن أهم ما يطرد الشيطان ووسوسته، ويقي من شروره وفتنته، المحافظة على الصلوات المفروضة جماعة حيث ينادى لها في بيوت الله عزَّ وجل، وقد جاء الأمر الرباني بالمحافظة على الصلوات المكتوبة بقوله تعالى: }حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ{ [البقرة: 238]، وأداء الصلاة لا يكون إلا في بيوت الله عز وجل وهي المساجد، وقد امتدح الله تعالى عباده الذين يؤدون الصلوات المكتوبة في المساجد وبين الفرق الشاسع بين الذَكَر والأُنثى في بعض التكاليف، ومن ذلك أن المخاطب بأداء الصلاة في المساجد الرجل دون المرأة، فقال جلَّ من قائل سبحانه: }فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ{ [النور: 36، 37]؛ لأن الرجل هو القوام وهو المكلف بالقيام على النفقة وجلب الرزق للمرأة والأولاد، أما المرأة فقد جاء الأمر بقرارها في البيت والتحذير من خروجها واختلاطها بالرجال؛ لما في ذلك من الفتنة الظاهرة البيان والواضحة البرهان، فقال تعالى: }وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى{ [الأحزاب: 33].


    والرجل والمرأة في التكليف بأداء الصلاة سواء، لكن الاختلاف في أن الرجل يؤديها مع الرجال في المساجد، والمرأة تؤديها في بيتها، ومعلوم أن تارك الصلاة كافرٌ سواءً تركها جاحدًا لوجوبها أو متهاونًا بها ومتكاسلاً، وتاركها منافق نفاقًا أكبر مخرج من الملة ودليل ذلك قوله تعالى: }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا{... إلى قوله تعالى: }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا{ [النساء: 142-145]، فالصلاة من أهم وسائل الراحة والاطمئنان، وهداية البال، والإقبال على المنان، وهي أوثق عُرى الدين بعد الشهادتين، وهي الصلة العظمى بين العبد وربه، يناجي فيه المسلم ربه طامعًا في مرضاته لتفريج كرباته، وذهاب همومه وغمومه، وطرد شيطانه ووسوسته، فمن حافظ عليها كانت له نور وبرهان ولا نجاة، وبالتالي سيسطر عليه الشيطان ويبث فيه سمومه ويقذف في قلبه الرعب والخوف والقلق وعدم الاطمئنان، وسيضيق صدره، وعلى سعة الأرض ورحابتها فهي لديه ضيقة كئيبة، وكل ذلك بسبب ظلم الإنسان لربه ولنفسه، فمن اتبع رضوان الله تعالى وتمسك بدينه ولم يزغ عنه قدر أنملة فإن الله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه، ومن اتبع الشيطان وتمسَّك بحبله واستمع لمكائده وانطلت عليه حيله، فإن الشيطان وأعوانه من شياطين الإنس والجن يدعون إلى النار والسخط والعذاب.


    ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، يشكو بثه وحزنه إلى الله تعالى كاشف الغم وفارج الهم مجيب دعوة المضطرين، فلنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فالواجب على المؤمن إذا حزبه أمر وأحزنه، أو نفث الشيطان في روعه ما يضيق به صدره، أو أصابه بوسوسته، أن يلجأ ويفزع إلى ربه سبحانه بالصلاة بأن يفرج ما به من الهموم والغموم، وطرد الوساوس والأوهام التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» [انظر المستدرك 2/174 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه]. وكان يقول لبلال t: «أرحنا بها يا بلال» [رواه الطبراني في الكبير].


    فالعاقل المنصف يحكم عقله قبل هواه، ويتبع ما يأتيه من ربه سبحانه، ويجاهد شيطانه بكل ما أوتي من قوة وجهد، واعلم أيها العاقل الفطِن أن الشيطان يئس أن يُعبد في جزيرة العرب، ولكنه أخذ العهد لغواية الناس وإبعادهم عن دينهم، وإضرام نار الهموم والوسوسة في صدورهم إذا ابتعدوا عن طاعة ربهم وهجروا الصلاة فإن هم فعلوا ذلك استحوذ عليهم الشيطان فكانوا أجسادًا تمشي بلا هدف، فهم يتخبطون في لُجج المعاصي والذنوب، ويسبحون في أوحال الرذيلة والبعد عن الفضيلة، فيجد الشيطان في صدورهم مرتعًا خصبًا ليبث سمومه وينشر همومه فيهم، فلا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا به، قال صلى الله عليه وسلم: «ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» [رواه أبو داود وحسنه شعيب الأرنؤوط].


    فمن أراد الراحة النفسية والجسدية فعليه بالمحافظة على الصلوات، ففيها الراحة التي لا راحة مثلها، ويكفي أن من حافظ عليها كان في ذمة الله وعهده وضمانه وأمانه، فمن كان في ذمة الله لن يضيعه الله أبدًا، فهو سبحانه ولي الصالحين المحافظين على الصلوات جماعة في بيوته سبحانه، وهو تعالى خير الحافظين، ومجيب دعوة الداعين، وقامع الشياطين، ومزيل نفثهم، ومذهب وسوستهم، فسبحان الله والحمد لله.


    وللشيطان مداخل ومكائد ينصبها للعبد المؤمن، فإذا أقبل المسلم على صلاته لبس له الشيطان فيها فيذكره بأمور كان قد نسيها، ويدس له الدسائس كيلا يستحضر من صلاته شيئًا، ومنهم من لا يدر كم صلَّى أثلاثًا أم أربعًا، ومنهم خن لا يدري ماذا قرأ الإمام إن كانت الصلاة جهرية، وكل ذلك من الاستسلام للشيطان وغوايته، فيخرج المصلي من صلاته ولم يكتب له منها شيء، بل قد لا تتجاوز صلاته عنقه، ومنهم من ترفع صلاته إلى السماء فلا تفتح لها أبواب السماء فتضرب وجه صاحبها وتقول: ضيعك الله كما ضيعتني، فالأمر خطير، نسأل الله العافية، وعلاج ذلك أن يستحضر المسلم عظمة ربه سبحانه، وأنه واقف بين يدي الملك الجبار الذي له ملك السموات والأرض، ويقطع كل صلة له بالدنيا وأهلها وزخرفها، ويعلم أن هذه الصلاة قد تكون آخر صلاة يصليها، فيحضر قلبه ويخشع فيها ويطمئن، فإذا جاءه عدوه ليوسوس له ويلبس عليه جاهده ودافعه وكابده، وعلى المؤمن أن يكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان وهو في صلاته ولينفث نفثًا خفيفًا عن يساره، فإن ذلك مما يرد كيد الشيطان ووسوسته، نعوذ بالله من الشيطان، ونعتصم بالرحمن.

    الوسيلة السابعة: الدعاء:


    إن الشيطان عدو الإنسان، هو لا يألو جهدًا في إغواء العبد عن عبادة ربه سبحانه بكل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولا يهنأ له بال حتى يزيغ قلوب الناس ويفسدها ويخرجها من النور إلى الظلمات، وهذا دأبه وديدنه، ولكن الله عز وجل لطيف بعباده، رغبهم في عبادته وحده، ورهبهم من عبادة غيره معه، ودلَّ عباده على كل وسيلة تطفئ نار الشيطان، وتخمد وسوسته، وتذهب شكه، ومن هذه الوسائل الدعاء، فالله جل وعلا رغَّب عباده في الدعاء الصالح وحثَّهم عليه؛ لأن بالدعاء تتذلل الصعاب، وتتفتت الجبال، ويذهب العسر مع اليسر، ويحل الفرح والسرور، وتزول كل الشرور، وتزول وساوس الشيطان وهمزاته، قال تعالى: }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ{ [البقرة: 186]، وقال تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{ [غافر: 60]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» [رواه ابن حبان في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح]. وفي رواية أخرى: «الدعاء مخ العبادة»، فحاصل ذلك أن الدعاء والتضرع إلى الله به من التوفيق والهداية وإزالة الوساوس الشيطانية، والمكائد الإبليسية التي ينشرها الشيطان بين الناس، ويملأ بها قلوبهم، فالدعاء بإذن الله تعالى سبب لإزالة ذلك إذا دعا العبد ربه مخلصًا موقنًا بالإجابة ليزيل عنه ما يجده من نزغات الشيطان ومكائده.


    وللدعاء آداب ينبغي على المسلم التمسك والتحلي بها، ومن جملتها:


    1- أن يكون المسلم على طهارة.
    2- أن يكون الدعاء بعد صلاة نافلة.
    3- أن يكون الدعاء بعد قراءة ما تيسَّر من القرآن.
    4- أن يثني علي الله عز وجل بما هو أهله قبل الدعاء.
    5- أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء.
    6- أن يتخير مواطن إجابة الدعاء (وسنذكرها بعد ذلك).
    7- أن يكون موقنًا من قلبه بإجابة الله لدعائه.
    8- أن لا يدعو بحرام أو قطيعه رحم أو ما شابه ذلك.
    9- أن يلح على الله في الدعاء.
    10- أن يكرر الدعاء ثلاثًا أو أكثر رغبة في الإجابة.
    11- أن يستقبل القبلة حال دعائه.
    12- أن يستحضر قلبه أثناء الدعاء، لأنه قد لا يستجاب للغافل واللاهي.
    13- أن يرفع يديه حال دعائه؛ لأن الله تعالى يستحي أن يرد يدي عبده صفرًا إذا دعاه.
    14- الحذر من موانع الدعاء (وسنذكرها في موضع آخر).
    15- أن يختم دعاءه بالثناء على الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم كما بدأ بذلك أولاً.
    16- أن يكون الدعاء في خلوة لا يراه أحد من الناس حتى لا يدخله الرياء والعجب والعياذ بالله.
    17- أن يكون الدعاء في الأماكن الفاضلة كالمساجد.
    18- أن يكون المكان خاليًا من الملاهي والمغريات حتى لا تتعلق نفسه بها فيغفل عن دعائه.
    وكما أن للدعاء مواطن يُستجاب فيها فكذلك له موانع تمنع من إجابته يجب على المسلم أن يحذرها ويجتنبها حتى يسلم له دعاؤه، ومن هذه الموانع ما يلي:


    1- أكل الحرام:ومن ذلك أكل الربا، والرشوة، وخصوصًا لما يتوصل به إلى حرام، وأكل أموال الناس بالباطل، وأكل الميتة.


    2- شرب الحرام: ومن ذلك شرب الخمور والدخان والمخدرات والمسكرات، وكل ما فيه ضرر على الإنسان.


    3- لبس الحرام: كمن يلبس ثوبًا مسروقًا، أو ثوب حرير، أو الثوب الذي يشبه ثياب النساء، أو ثياب الكفار، أو الثوب الطويل الذي هو أسفل من الكعبين، ومعلوم خلاف العلماء في صحة صلاة من صلى بثوب محرم، فلينتبه المسلم إلى ذلك الخطر.


    4- التغذي بالحرام: وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك» [رواه مسلم].


    5- عدم التعجيل في إجابة الدعاء: لأن ذلك يجعل الإنسان يتباطأ الإجابة فيترك الدعاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يُستجاب لأحدكم ما لم يعجِّل، يقول: دعوت فلم يستجب لي» [رواه البخاري].


    وعلى المسلم أن يتحيَّن المواطن التي يُستجاب فيها الدعاء مثل:


    1- آخر الليل.
    2- دُبُر الصلوات التطوعية.
    3- بعد التشهُّد الأخير في جميع الصلوات المفروضة والنوافل.
    4- عند نزول الغيث.
    5- في السفر.
    6- حال الظلم.
    7- عند الشدائد.
    8- عند اجتماع المسلمين.
    9- عند الفطر أثناء الصيام.
    10- دعاء الوالدين.
    11- الساعة الأخيرة من يوم الجمعة.


    الوسيلة الثامنة: تسليم الأمر لله:


    لقد كتب الله على الشيطان الشقاء، وطرده من رحمته ولعنه، وأتبعه غضبه وسخطه في الدنيا والآخرة، وقد طلب من ربه مهلة إلى يوم القيامة؛ ليوسوس للناس، فيبث بينهم الأوهام والهواجيس حتى تضيق عليهم الأرض بما رحبت، وتضيق عليهم أنفسهم، فلا يعرفون للحياة مسلكًا، ولا للراحة طعمًا، ولا يغمض لهم جفنًا، ولا للاطمئنان طريقًا، وكل ذلك بسبب ما يسلطه الشيطان عليهم من الحزن والأسى، مع أن الحقيقة لا حزن ولا أسى، ولكن بالابتعاد عن منهج الله تعالى، وترك العمل بسُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، يحصل ذلك كله، فيأتي الشيطان للإنسان إذا فقد الذريَّة – أي كان عقيمًا – فيوسوس له أنه لا قيمة له في هذه الحياة من غير ولد، وأنه لا بدَّ أن يتخذ كل الطرق المشروعة وغير المشروعة في سبيل الحصول على الذرية، ثم تراه لا ينام الليل من شدة التفكير والهم والغم الذي سيطر على تفكيره وعقله، فهو هائم في هذه الحياة لا يذوق لها طعمًا ولا راحة، ولو أنه سلم أمره إلى ربه ولجأ إليه واعتصم به من شر عدوه لوجد الحلاوة والراحة، ولعرف أن لله في خلقه حكم بالغة لا يعلمها إلا هو، ولعلم حق العلم أن الله تعالى لا يقضي شيئًا على عبده إلا لمصلحة راجحة، علمها من علمها وجهلها من جهلها، فعلى الإنسان أن يسعى جاهدًا في هذه الحياة لتوفير ما يحبه ويريده، لكن لا يكون ذلك على حساب ضياع دينه، وطاعة الشيطان في وساوسه، بل بالطرق الشرعية الصحيحة، وليعلم المسلم أن الله تعالى غفور رحيم، رؤوف عظيم، يمنع ويعطي لدفع ضرر، أو جلب نفع، فمن الناس من منع الله عنه الذرية لعلمه سبحانه أنهم قد يكونون عليه وبالاً ونقمة، وقد يخسر دينه مع عظيم التربية التي قد لا يرعاها حق رعايتها فيبوء بإثم التفريط والإهمال، والغفلة وعدم النصح والإرشاد لمن يعول، وهذا مصداقًا لقول ربنا سبحانه وتعالى: }يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ{ [التغابن: 14]، فالأولاد إما نعمة وإما نقمة، وكما قلنا: أن الله تعالى لا يفعل شيئًا عبثًا، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، فالأمور تسير بتدبير محكم من حكيم خبير، لا تحتاج إلى ناصح أو مرشد من الخلق، وكم نرى من أُناس تمنوا أنت الله تعالى لم يرزقهم الذرية لما حصل لهم من البلاء بسببهم، وما يعانونه من ضيق في القلوب، وخجل وحياء أمام الناس من أفعال الأولاد القبيحة الفاضحة، بل ومن الأولاد من يشتم والديه، وقد يصل الأمر إلى حد الضرب والركل والعياذ بالله.
    واعلم يا مَن منعت الذرية أن الله تعالى قد ادَّخر لك خيرًا منها عنده سبحانه، أو صرف عنك من السوء ما هو أكبر من أن تهتم بالحصول على ذلك، فاحمد الله أولاً وآخرًا على كل نعمة أنعمها عليك في قديم أو جديد، فنعم الله عليك تترًا، ولكنك ما قمت بشكرها حق الشكر، وأعظم هذه النعم نعمة الإيمان والإسلام التي بها خرجت من دياجير الظلمات، إلى نور الأرض والسموات، ثم النعم عليك تتزايد، وأنت من كبد في كبد، فكل ما في جسدك نعمة، وكل ما في الكون نعمة، هيأها الله لك، وسخرها من أجل أن تعبد الله وحده دون سواه، فهل قمت بشكر المنعم سبحانه؟ وهل أعطيت كل نعمة حمدًا وشكرًا؟ لا أظنك إلا مقصِّرًا ومفرِّطًا، ووالله لو اشتغلت بالتفكر في عظيم خلق الله تعالى لما شغلك عدوك إبليس، ولما لبس عليك تلبيس، ولكنك اقتنعت بما يمليه عليك الشيطان من الوساوس والهواجيس، فأصبحت فريسة تتقاذفك الأفكار المسمومة، والأهواء المذمومة، يقول تعالى: }لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا{ [الشورى: 49، 50]، فالعقم وعدم الإنجاب أمرٌ فطريٌ كَتَبه الله تعالى على بعض خلقه امتحانًا واختبارًا، فالله جل وعلا يعطي ويهب، ويمنع ويسلب، فيعطي هذا ذكورًا، وذاك إناثًا، وآخر ذكورًا وإناثًا، ثم لا تجد أكثرهم شاكرين، وهل تحسب أن كل واحد منهم يرضى بما قسمه الله له، بل البعض يتمنى أن لو وهبه ربه بدل الذكور إناثًا، والآخر يتمنى أن لو وُهِبَ بدل الإناث ذكورًا، ومن لديه أطفال يتمنى لو لم يكن لديه أطفالٌ، ومَن لم يرزق الذرية يتمنى أن لو وهبه الله عز وجل ذرية، دون نظر إلى كون هذه الذرية طيبة صالحة أو غير ذلك، وهذا خطأ فادح قادح، فالإنسان يطلب الذرية الصالحة التي تكون عونًا له على طاعة ربه سبحانه وتعالى: كما قال ربنا جل وعلا على لسان زكريا u: }هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ{ [آل عمران: 38]، فالولد الصالح هو الذي يرجوه المسلم من ربه سبحانه وتعالى؛ لأنه يكون له ذخيرة بعد موته تمده بالأعمال الصالحة بعد موته كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].


    وحاصل ذلك أن الإنسان لا يرضيه حال من الأحوال، فلو أعطي واد من الغنم لتمنى واديين، ولو أعطي واديين لتمنى ثلاثة، ورضا الناس غاية لا تدرك، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، لكن يجب على من منع من الذرية أن يصبر ويحتسب ذلك عند مولاه وخالقه، وليعلم أن ذلك من الابتلاء والامتحان من الله لعبده، وليحذر المسلم كل الحذر من الجزع والسخط، فإن ذلك من محبطات الأعمال، نعوذ بالله من الخذلان، قال صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط» [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وحسَّنه شعيب الأرنؤوط في رياض الصالحين].


    }وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{ فعجبًا لمن يعلم أن له عدوًا يكيد له المكائد ويدس له الدسائس، كيف يهدأ له بال أو يهنأ له حال، والعدو يقعد له كل مرصد، ويتربص به الدوائر، ثم ما يلبث أن يخضع للعدو اللعين، الشيطان الرجيم، ويقبل ما يلقيه عليه من الوساوس، وينصاع لما يأمر من أوهام وخزعبلات، ثم بعد ذلك يضيق به الحال ذرعًا، ويشكو من الآلام النفسية والعصبية، وهو المتسبب في ذلك كله، فالحق بركب الناجين، واقتحم سفينة التائبين، والتحق بحوزة إخوانك المؤمنين، فلا فلاح ولا نجاح إلا بالتمسك بالعقيدة الصحيحة واختيار الأصحاب الأخيار، فهم خير جليس وأنيس، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    SeIfElLaH
    SeIfElLaH
    مجلس المدراء
    مجلس المدراء


    الأوسمة : الوسوسة ووسائل الخلاص منها 0ea39110
    عدد المساهمات : 4497
    نقاط : 6387
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 47

    الوسوسة ووسائل الخلاص منها Empty رد: الوسوسة ووسائل الخلاص منها

    مُساهمة من طرف SeIfElLaH السبت يناير 24, 2015 7:59 pm

    الوسيلة التاسعة: المحافظة على الأذكار:


    واعلم أن الشيطان لك بالمرصاد، فأنت وهو في حرب دائمة، حرب ضروس، وفي عداء مستمر، عداء بين الخير والشر، فالشيطان لا يكل ولا يمل، بل ولا يفتر عن كيده ووسوسته لك حتى يخرجك من دينك إن استطاع فإن لم يحصل له ذلك كره إليك بعض الأوامر والنواهي حتى لا تدخل كليًا في الدين فتصبح صيدًا سهلاً في يديه، قال تعالى: }وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ{ [الزخرف: 36]، فالحرب بينك وبين عدوك سجال، مرة تنال منه، بأن لا تحقق له ما يصبو إليه، ومرة ينال منك فتفعل الحرام، فيفرج عدوك بذلك، والخروج من ذلك أن تكثر من مجاهدته، وذلك باعتصامك بالله تعالى، وتمسكك بأوامره سبحانه والاستعاذة بالرحمن من الشيطان عدو الإنسان، والاعتصام بالله لتسهيل الأسباب التي تزيل الوسوسة من القلوب والنفوس، حتى يسمو الإنسان بنفسه إلى المراتب العلى في الدنيا والآخرة، ومن أهم أسباب طرد الشيطان ووسوسته المحافظة على الأذكار المشروعة الصحيحة المستمدة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي بإذن الله درع متين، وحصن منيع من العدو اللدود إبليس وجنده من شياطين الإنس والجن الذين يوحون إلى أوليائهم زخرف القول غرورًا، فمن حافظ على الأذكار كان لسانه رطبًا من ذكر الله تعالى، لمداومته ذكر ربه ليل نهار، وكان صدره منشرحًا، وبالله هادئًا، وجسده صحيحًا وقلبه فرحًا، ونفسه مطمئنة، فبالذكر يخنس الشيطان وينكسر شره، ويخبو نجمه ويضمحل وسوسته، وبالذكر يرضى الرحمن سبحانه وتعالى، ويبدل الحزن فرحًا.


    وهناك أذكار ينبغي على المسلم المحافظة عليها، وألا يدعها في حال الصحة والسقم، والحضر والسفر، فهي الحافظة من الشر بإذن الله تعالى.


    ومن هذه الأذكار:


    1- ما يزيل الكرب والهم والحزن:


    عن ابن مسعود t، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أصاب عبدًا همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحًا» [أحمد والحاكم وهو صحيح].


    وقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والكسل، وأعوذ بك من غلبة الدين (ضلع الدين) وقهر الرجال».


    وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قل: «لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة» [متفق عليه]، وفي رواية النسائي: «مَن قال لا حول ولا قوة إلا بالله، كانت له دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم». ومما يزيل الهم قراءة سورة الشرح.


    وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم» [متفق عليه].


    وقال صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس: «ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب – أو في الكرب -: الله، الله ربي لا أشرك به شيئًا» [أبو داود وابن حبان بإسناد حسن].


    ومن قال حين يصبح وحين يمسي سبع مرات: «حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم» كفاه الله ما أهمَّه من أمر الدنيا والآخرة [أبو داود وصحح إسناده شعيب وعبد القادر الأرنؤوط].


    قال صلى الله عليه وسلم: «مَن لَزَمَ الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب» [أبو داود وضعفه الألباني، وصححه ابن باز في مجموع الفتاوى والمقالات].


    2- ما يطرد الشيطان:

    قراءة سورة البقرة، قال صلى الله عليه وسلم: «... إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرَأ فيه سورة البقرة» [مسلم]. وقراءة آية الكرسى عند النوم ودُبُر الصلوات المكتوبة، والآيتين الأخيرتين من آخر سورة البقرة، فهي حرز من الشيطان، ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، من قالها مائة مرة كانت له حرز من الشيطان يومه كله.


    ومما يطرد الشيطان قراءة سورتي المعوذتين (الفلق والناس) ثلاث مرات، في الصباح والمساء، ومما يطرد الشيطان المحافظة على الوضوء.


    ومن قال ثلاث مرات حين يصبح وحين يمسي: «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم» لم يضره شيء. [الترمذي].


    ومن أصابه فزع في نومه أو ابتلى بالوحشة فليقل: «أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون» [صحيح الترمذي].


    وبالجملة: ينبغي على كل مسلم ومسلمة المحافظة على أذكار الصباح والمساء والأذكار الأخرى المتنوعة حتى يكون اللسان دائمًا في ذكر الله تعالى، وهذا مما يشرح الصدور ويزيد الفرح والسرور، فيذهب الهم والغم والكرب والحزن بإذن الحليم العظيم.


    «سبحان الله وبحمده: عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته» تُقال ثلاث مرات في الصباح. [مسلم].
    «اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملاً متقبلاً» [ابن ماجه وهو حسن].
    «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق» من قالها ثلاث مرات حين يمسي لم تضره حمة تلك الليلة. [الترمذي وهو صحيح].


    3- أذكار متفرقة:


    وإن مما يساعد على ذهاب وسوسة الشيطان ورد كيده اتباع الأمور التالية:


    1- كثرة الاستعاذة بالله من الشيطان.
    2- الإكثار من قول (لا إله إلا الله).
    3- قراءة آية الكرسي.
    4- قراءة سور الإخلاص والمعوذتين.
    5- قراءة سورة الفاتحة.
    6- قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة.
    7- الإكثار من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله).
    8- التفكر في ملكوت السموات والأرض.
    9- معاهدة ومراجعة وقراءة كتاب الله تعالى بالتدبر والتفكر.
    10- الإكثار من الأذان لأنه يطرد الشيطان.
    11- التوكل على الله تعالى.
    12- عدم الالتفات إلى وسوسة الشيطان وهذه نقطة مهمة ينبغي للمسلم أن يعيها ويتصورها ويعمل بها، فهي من أهم الأمور لطرد الشيطان ووسوسته، ويحافظ المسلم والمسلمة على ذلك صباحًا ومساءً.


    4- أذكار تعويذ الأولاد:

    مع كثرة اختلاط الناس، وكثرة الزيارات، والولائم والأفراح، والإسراف في الاجتماعات، ثم لابتعاد البعض عن السنَّة القولية والفعلية للنبي صلى الله عليه وسلم، فتجد البعض من الناس يطلق عينه هنا وهناك، مصيبًا هذا وذاك غير مكترث بعواقب ذلك النظر الثاقب الذي قد يصيب به إخوة له في هذا الدين، ولهذا حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من العين فقال: «علام يقتل أحدكم أخاه» والمعنى أن العين قد تقتل العائن والمعيون على حد سواء، فقد يُعرف العائن فيقع ضحية في أيدي أهل من أصيب بالعين، ولهذا جاء التوجيه النبوي الكريم بتحصين الأطفال من العين والحافظ هو الله جلَّت قدرته وتقدَّست أسماؤه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين حراسة لهما من العين، قد روى البخاري رحمه الله عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين: «أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة، ويقول: إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق». فينبغي على الأب والأم قبل خروج الأبناء من المنزل لأي مكان كان أن يعوِّذا أبناءهما حفاظًا وحرزًا لهم من شياطين الإنس والجن، ومن هوام الأرض ودوابها ذات السم القاتل.


    5- علاج الأرق والفزع:

    عن بريدة عن أبيه قال: شكا خالد بن الوليد المخزومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما أنام الليل من الأرق، فقال
    النبي صلى الله عليه وسلم:
    «إذا أويت إلى فراشك فقل: «اللهم رب السموات السبع وما أظلت، ورب الأرضين وما أقلَّت، ورب الشياطين وما أضلت، كن لي جارًا من شر خلقك كلهم جميعًا، أن يفرط عليَّ أحد منهم أو يبغي عليَّ، عز جارك وثناؤك ولا إله غيرك ولا إله إلا أنت» [الترمذي].



    وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فزع أحدكم في النوم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، فإنها لا تضره» [الترمذي].

    6- فضائل بعض الأقوال:

    1- فضل التهليل:


    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا رجل عمل أكثر منه» [البخاري ومسلم].


    2- فضل التسبيح:

    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حُطت خطاياه وإن كانت مثل زيد البحر» [البخاري ومسلم].


    وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن عز وجل: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» [مسلم].


    وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس» [مسلم].


    وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟» فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، ويحط عنه ألف
    خطيئة» [مسلم].



    وقال صلى الله عليه وسلم: «أحب الكلام إلى الله تعالى أربع، لا يضرك بأيهن بدأت، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» [صحيح الكلم الطيب].


    الوسيلة العاشرة: الإدهان بالماء والزيت:


    وهذه الوسيلة من أهم الوسائل للقضاء على الشيطان ووسوسته، فقد يحصل لبعض الناس بسبب هذه الوسوسة ضيق في الصدر وتشتت في الذهن، وكراهية للحياة، وجفاء للناس، وتكدر وعدم اطمئنان، وحب للعزلة والانطوائية، وعدم رغبة في العمل أو الدراسة، وعدم راحة، وقلة في ساعات النوم، وكل ذلك بسبب ما يلقيه الشيطان في روع الإنسان من الوساوس والأوهام، فإن حصل ذلك فهناك وسيلة من أهم الوسائل التي تُعين بإذن الله تعالى على القضاء على الشيطان ووسوسته، وهي قراءة بعض آيات الله عز وجل، وقراءة بعض الأدعية النبوية، فتقرأ الآيات التالية في زيت زيتون ويدهن بها الصدر وما يقابله من الظهر، وكذلك تقرأ على الماء ويشرب، والآيات هي:


    1- أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، }بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ{ [سورة الفاتحة].


    2- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم }اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ{ [البقرة: 255].


    3- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم }لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{ [البقرة: 284-286].


    4- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم }فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ{ [الأنعام: 125].


    5- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم }أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ{ [الزمر: 22].


    6- بسم الله الرحمن الرحيم }أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ{ [سورة الشرح].
    7- بسم الله الرحمن الرحيم }قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ{ [سورة الإخلاص].


    8- بسم الله الرحمن الرحيم }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ{ [سورة الفلق].


    9- بسم الله الرحمن الرحيم }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ{ [سورة الناس].


    ثم تتبع بهذه الأذكار من السنة المطهرة:


    1- «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق».
    2- «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة».
    3- «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارق يطرق بخير يا رحمن».
    4- «أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون».
    5- «اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم، اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك سبحانك وبحمدك».
    6- «أعوذ بوجه الله العظيم، الذي لا شيء أعظم منه، وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر كل ذي شر لا أطيق شره، ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته إن ربي على صراط مستقيم».
    7- «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم.
    8- «تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو إلهي وإله كل شيء، واعتصمت بربي ورب كل شيء، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الرب من العباد، حسبي الخالق من المخلوق، حسبي الرازق من المرزوق، حسبي الله هو حسبي، حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجبر ولا يُجار عليه، حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، وليس وراء الله مرمى، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم».


    أخطار الوسوسة:


    واعلم أيها المسلم أن الاستسلام للشيطان وما يلقيه من وسوسة وأوهام وخزعبلات في قلوب ضعاف النفوس له مخاطر عواقبها قاسية ونتائجها سيئة وآخرتها نار جهنم والعياذ بالله، فمن هذه المخاطر وهي أهمها:


    أولاً: سوء الظن بالله:


    وهذا أخطر أمراض الوسوسة على الإطلاق، فالواجب على المسلم أن يُحسن الظن بالله تعالى، أما سوء الظن بالله فهو من أسباب سوء الخاتمة أعاذنا الله منها، فتجد الإنسان يعترض على قضاء الله وقدره، لما يحصل له من مرض ووسوسة، وهم وغم، ولم يعلم أن ذلك بقدر الله تعالى تخفيفًا من الذنوب وزيادة في الأجر، فكل ما يصيب الإنسان من مرض حتى الشوكة يُشاكها فإنه يكفِّر عنه بها من خطاياه، حتى يلقى الله تعالى وليس عليه خطيئة.


    وليعلم المسلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فليصبر وليحتسب ذلك عند ربه، حتى لا يقع في محذور من أخطر المحاذير ألا وهو التسخط من قدر الله تعالى، بل يجب على المسلم أن يُحسن الظن بالله ولا يموت إلا وهو كذلك.


    فمن أحبَّ لقاء الله أحب الله لقاءه وبلغه أمانيه، ومن كره لقاء الله تعالى كره الله لقاءه وتركه وأهواءه، وسوء الظن بالله سببه الإعراض عن الله تعالى في الدنيا بفعل المعاصي وارتكاب الذنوب، وعدم الخوف منه سبحانه، وعدم محبته وإن زعم من زعم من أهل الآثام أنه يحب الله ورسوله، فكلامه مردود بعمله، فيجب أن يوافق قوله فعله، يقول الله تعالى: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى{ [طه: 124-127].
    SeIfElLaH
    SeIfElLaH
    مجلس المدراء
    مجلس المدراء


    الأوسمة : الوسوسة ووسائل الخلاص منها 0ea39110
    عدد المساهمات : 4497
    نقاط : 6387
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 47

    الوسوسة ووسائل الخلاص منها Empty رد: الوسوسة ووسائل الخلاص منها

    مُساهمة من طرف SeIfElLaH السبت يناير 24, 2015 8:04 pm

    ثانيًا: الانتحار:


    وهو تعدِّي الإنسان على نفسه، أي أن يقتل الإنسان نفسه متعمدًا، وهذا العمل كبيرة من كبائر الذنوب، وقتل النفس ليس حلاًّ للخروج من المشاكل التي يبثها الشيطان، والوساوس التي يلقيها في النفوس، ولو لم يكن بعد الموت بعث ولا حساب لهانت كثير من النفوس على أصحابها، ولكن بعد الموت حساب وعتاب، وقبر وظلمة، وصراط وزلة، ثم إما نار أو جنة، ولهذا جاء تحريم الانتحار بكل وسائله من قتل الإنسان نفسه، أو إتلاف عضو من أعضائه أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال، أو قتل الإنسان نفسه بمأكول أو مشروب. ولهذا جاء التحذير عن الانتحار بقول ربنا جلَّت قدرته وتقدَّست أسماؤه حيث قال: }وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30){ [النساء: 29، 30]، وقال تعالى: }وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ{ [البقرة: 195].


    وكذلك جاء التحذير في سنَّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: «من تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردَّى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسَّى سمًا فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا» [رواه البخاري ومسلم].


    واعلم أيها المسلم أن الانتحار فيه تسخط على قضاء الله وقدره، وعدم الرضا بذلك، وعدم الصبر على تحمل الأذى، وأشد من ذلك وأخطر وهو التعدي على حق الله تعالى، فالنفس ليست ملكًا لصاحبها وإنما ملك لله الذي خلقها وهيَّأها لعبادته سبحانه، وحرَّم إزهاقها بغير حق، فليس لك أدنى تصرف فيها، وكذلك في الانتحار ضعف إيمان المنتحر لعدم تسليم المنتحر أمره لله وشكواه إلى الله.


    فالواجب: على كل ذي عقل وإيمان أن يبتعد عن ذلك الفعل المُشين، والمنكر العظيم أيما بُعد. فالجأ إلى الله ووكِّل أمرك إلى الله، واشك بثك وحزنك إلى فارج الهم وكاشف الغم، فهو سبحانه مجيب دعوة المضطر إذا دعاه.


    وصايا:
    وهذه الوصايا ينبغي أن يجعلها المسلم نُصب عينيه حتى يتخلص بإذن الله تعالى من الشيطان، ومن وسوسته وكيده، وهذه الوصايا ينبغي المحافظة عليها سرًّا وعلانية، ولا يقصد الإنسان بها مراءاة أو رياءً أو سمعة، فإن فعل ذلك فلن تكون ذات جدوى لصاحبها، بل لابدَّ من الإخلاص لله تعالى في كل الأعمال الظاهرة والباطنة، ومن هذه الوصايا التي أوصي بها الجميع:


    1- تقوى الله تعالى، والخوف منه سبحانه، يقول تعالى: }وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{ [الزمر: 67]. فخالق يضع السموات والأرض بيمينه لا يعصى أبدًا؛ لأنه قادر على كل شيء، فهب أنك احتجت إلى ربك في وقت الشدة وقد نسيته في وقت الرخاء، أتعتقد أن ربك سيتركك عندما تتوب إليه؟ لا! وألف لا، يقول الخالق سبحانه: }وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ{ [لقمان: 32].


    وتقوى الله عز وجل: هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية. وكيف تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية؟ تفعل ذلك باتباع أوامر الله وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم، وتجتنب نواهيهما، وتخاف من ربك سبحانه، وتعمل بها في كتاب الله وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتكون دائمًا على أهبَّة الاستعداد ليوم الرحيل، فأنت لا محالة مرتحل من هذه الدنيا، ومقبل على ربك سبحانه ليجازيك بأعمالك إن كان خيرًا فخير وإن كان شرًّا فلا تلومن إلا نفسك، والإنسان على نفسه بصيرة.


    2- التوبة النصوح، والعودة إلى الله تبارك وتعالى، فلا غرو أن الإنسان مُعَرَّض لنزغات الشيطان وتوهيمه، وقد يقع في خطيئة من الخطايا فكل ابن آدم خطَّاء، ولكن احذر أن تتمادى في أخطائك وتقصيرك في جنب الله فتبوء بالإثم والخسارة، وعليك بالتوبة النصوح التي تُجب ما قبلها وتمحو ما سلف من الذنوب والمعاصي، فما دمت في دار فسحة فاستغل الوقت قبل أن ينقضي أجلك ثم لا ينفع الندم }حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{ [المؤمنون: 99، 100].


    فتُب إلى الله أيها العبد واحذر من عواقب التسويف وتأخير التوبة فإنها من الشيطان عدو الإنسان، وباب التوبة مفتوح ما لم تغرغر الروح أو تطلع الشمس من مغربها، ومن ذا الذي يعرف متى تغرغر روحه؟ لا يعلم ذلك أحد من العالمين }قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65){ [النمل: 65]، فبادر بالتوبة وأنت على فراش المرض، وحتى لو لم تكن كذلك، بادر بها قبل أن يحل بك هادم اللذات ومفرق الجماعات، نسأل الله أن يهوِّن علينا سكرات الموت وغصصه وكرباته إنه سميع مجيب.


    3- الإكثار من نوافل الأعمال الصالحة كالصلاة والزكاة والصيام والعمرة والحج وغير ذلك من الأعمال التي تُقَرِّب العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، لأنها كفارة لما بينها من الذنوب المعاصي بإذن الله تعالى.


    4- بر الوالدين وصلة الأرحام والأقارب وزيارة الجيران والأصحاب وتوقير الكبير واحترام الصغير.


    5- المحافظة على الصلوات الخمس جماعة في بيوت الله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر أي أهمه، فزع إلى الصلاة؛ لأنها الصلة بين العبد وربه سبحانه، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: «أرحنا بها يا بلال»؛ لأن فيها راحة وطمأنينة وسكينة، فيا حرمان من حُرِمَ الصلاة ولذتها.


    6- الحذر كل الحذر من أصدقاء السوء وأصحاب الشر ودعاة الفساد وأهل الفسق والرذيلة، فهم القوم يتعس بهم جليسهم، ويضيق القلب بمجالستهم ومصاحبتهم، ففر منهم فرارك من الأسد، قال تعالى: }وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا{ [الفرقان: 27-29].


    7- أخذ الحيطة والحذر من المجلات الهابطة، والقنوات الفضائية الساقطة التي تبث بين طيَّاتها السموم القاتلة، وما تسببه من ضيق في الصدور، وبُعد عن الرحيم الغفور، وانتبه إلى قول
    النبي صلى الله عليه وسلم:
    «ما من عبد يسترعيه الله رعيَّة يموت يوم يموت وهو غاش لرعيتَّه إلا حرم الله عليه الجنة» [متفق عليه]. فاحذر أن تدخل على أهلك ما يضرهم ويبعدهم عن دينهم، ويقربهم من الفواحش الظاهرة والباطنة، فيحيق بك مكر الله تعالى وتسوء خاتمتك، نعوذ بالله من الخذلان.



    8- الابتعاد كل البعد عن شرب الدخان والشيشة والمسكرات، والخمور والمخدرات، وكل ما من شأنه أن يذهب العقل ويجلب العاهات، لما في ذلك من بُعد عن الله تعالى عالِم الخفيات. فلا يخفى على كل إنسان تحريم تلك الأمور لما لها من فساد وعواقب سيئة على الفرد والمجتمع.


    9- الابتعاد عن سماع الغناء؛ لأنه كلام الشيطان، ولأنه ينبت النفاق في القلب، ويعمل على تقسيته وبُعده عن الله جل جلاله، ولا يجتمع الغناء والقرآن في قلب عبد أبدًا، فلا يجتمع كلام الله وكلام الشيطان، فكلام الله عز وجل شفاء من كل داء، وكلام الشيطان هو المرض والداء، وفيه الوحشة والوباء.


    10- الابتعاد عن كبائر الذنوب وصغائرها؛ لما في ذلك من ابتعاد عن منهج الله تعالى، وقرب من الشيطان وأعوانه، وكم نرى من شواهد على ذلك. ومن هذه الذنوب: الغيبة والنميمة والحسد والحقد والغل والسب والشتم والطعن في الناس والزنا واللواط وأكل الربا وأكل مال اليتيم وعدم تزويج البنات إذا رغبن في الزوج الكفء والسرقة والتعامل بالسحر والشعوذة وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وغير ذلك مما حرَّمه الله ورسوله.


    11- المحافظة على الوضوء؛ لأنه سلاح المؤمن.
    12- الإكثار من الصدقات حسب طاقة الإنسان، وحُب المساكين وضعفاء الناس.
    * * *


    الخاتمة

    وفي الختام أسأل الله العلي العظيم رب العرش الكريم، أن يجعل هذا الموضوع خالصًا لوجهه سبحانه، بعيدًا عن الرياء والسمعة، وأن يكتب له القبول في الدنيا والآخرة، وأن ينفع به كل من وقع بين ناظريه، وأن يقينا جميعًا الوسوسة والأوهام، وسوء الأحلام والأسقام، إنه سبحانه خير مأمول، وأفضل مسؤول، والحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 11:54 pm