منتدى سيف الله للإبداع

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد, يشرفنا أن تقوم بالدخول وذلك بالضغط على زر الدخول إن كنت عضوا بالمنتدى.أو التسجيل إن كنت ترغب بالإطلاع على مواضيع المنتدى والمشاركة في أقسام المنتدى فقط إضغط على زر التسجيل و شكرا لك

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى سيف الله للإبداع

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد, يشرفنا أن تقوم بالدخول وذلك بالضغط على زر الدخول إن كنت عضوا بالمنتدى.أو التسجيل إن كنت ترغب بالإطلاع على مواضيع المنتدى والمشاركة في أقسام المنتدى فقط إضغط على زر التسجيل و شكرا لك

منتدى سيف الله للإبداع

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى سيف الله للإبداع

منتدى سيف الله للإبداع


    الدولة العثمانية نشأتها وتطورها وانحطاطها

    SeIfElLaH
    SeIfElLaH
    مجلس المدراء
    مجلس المدراء


    الأوسمة : الدولة العثمانية نشأتها وتطورها وانحطاطها 0ea39110
    عدد المساهمات : 4497
    نقاط : 6387
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 47

    الدولة العثمانية نشأتها وتطورها وانحطاطها Empty الدولة العثمانية نشأتها وتطورها وانحطاطها

    مُساهمة من طرف SeIfElLaH الإثنين يناير 05, 2015 11:11 pm

    الدولة العثمانية: نشأتها وتطورها وانحطاطها
    أولاً: نشأة الدولة العثمانية

    تعد الدولة العثمانية أطول الدول الإسلامية عهداً؛ فقد عاشت 661 سنة، وأطولها فترة في مراحل نشأتها وتكونها ثم انحدارها. وهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمكنت من فتح القسطنطينية، والهيمنة على أجزاء شاسعة من أوروبا وآسيا وأفريقيا، في وقت واحد. وظلت لعدة قرون قائدة العالم الإسلامي، والممثلة له. توافقت نشأتها مع عصر تطور النهضة في أوروبا، واتجاه مؤسساتها الناشئة إلى حركة الاستعمار في زمن الانتقال من القرون الوسطى إلى العصور الحديثة. وأخيراً، فقد ظلت دوماً تقوم على ثلاثة بحار هامة، هي البحر المتوسط والبحر الأسود والبحر الأحمر. وقد توالى على عرش السلطة فيها ستة وثلاثون سلطاناً، من سلالة واحدة، تكرر بعضهم مرتين وبعضهم ثلاث مرات.
    1. تأسيس الدولة العثمانية

    لم يبرز للعثمانيين وجود تاريخي قبل القرن السابع الهجري/12م؛ ولذلك نسجت حول أصلهم وأوائلهم الكثير من الأساطير حسب الأهواء والظنون.

    تسبب الغزو المغولي في هجرة كثير من القبائل التركية من وسط آسيا إلى الأناضول، وتعاظمت هجراتهم بعد انتصار السلاجقة على البيزنطيين في معركة (ملاذكرت) عام 1071م.

    وتُنسب الدولة العثمانية إلى مؤسسها عثمان بن أرطغرل، الذي ولد عام 656هـ (1258م)، وتوفي عام 726هـ (1326م). و هو إلى عشيرة قايي، من قبيلة الغز (الأغوز) التركية. هاجر جده سليمان شاه، أمير عشيرة قايي، مع عشيرته من موطنه الأصلي، في آسيا الوسطى، ليستقر في الأناضول، في كنف دولة سلاجقة الروم، حوالي عام 618 هـ (1123م)، وظل يتنقل بهم من منطقة أخلاط، ومنها إلى أرضروم، ثم إلى أماسية في الأناضول. ثم انحدر بهم إلي حوض الفرات، حتى شرقي حلب. ولكنه غرق أثناء عبور النهر، ودُفن في قلعة جعبر، داخل الحدود السورية، ولا يزال قبره هناك إلى اليوم.

    تولى زعامة العشيرة بعده ابنه أرطغرلبن سبيمان؛ فتحرك بها، شمالاً مرة أخرى إلى الأناضول. وشارك السلطان السلجوقي، علاء الدين كيقباد الأول، في حروبه ضد المغول وأبلى هو رجاله بلاءً حسناً؛ فأقطعه السلطان علاء الدين السلجوقي منطقة قراجة طاغ القريبة من أنقرة عام 628هـ (1133م). ويقال أنه أقطعه كذلك بلدتي سوغود ودومانيج، على الحدود مع البيزنطيين، في غربي الأناضول. ومنحه لقب (حارس الحدود).

    توفي أرطغرل في بلدة سوغود، عام680هـ (1281م)، فتولى بعده ولده عثمان، سيداً على عشيرته وحاكماً للمقاطعة. وأخذ يشن الغارات والحملات الهجومية على البيزنطيين، ويكسب منهم قلاعاً وقرى ويضمها، لحساب الدولة السلجوقية. ومنحه السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباد الثالث جهات إسكي شهر وإينونو، عام 1289م.

    حاصر عثمان مدينة بورصة، المعروفة في غرب الأناضول، في عام 1314م، ولكنه لم يتمكن من فتحها.

    وتوسعت منطقة نفوذ عثمان أو إمارته، فشملت مناطق سوغود، ودومانيج، وإينه كول، ويني شهر، وإن حصار، وقويون حصار، وكوبري حصار، ويوند حصار. وجعل في عام 1300م، يني شهر مركزاً لتلك الإمارة.

    وفد على عثمان بن أرطغرل كثير من علماء الدولة السلجوقية، التي كانت في طريقها إلى الاضمحلال، وأقبل عليه أمراؤها وأعيانها، فدخلوا تحت حمايته.

    يُرجع كثيرٌ من الباحثين نشأة الدولة العثمانية إلى عام 699هـ (1299م)، عندما استقل الأمير عثمان بإمارته الصغيرة عن الدولة السلجوقية.

    بينما يرجعها البعض الآخر إلى عام 708هـ (1308م)، عندما توفي آخر سلاطين سلاجقة الروم السلطان غياث الدين مسعود الثالث، حيث كانت الإمارة العثمانية تابعة للدولة السلجوقية قبل ذلك.

    ومع أنّ عثمان بن أرطغرل لم يلقّب بالسلطان أو الخان إلاّ بعد وفاته، إلا أنه يعد المؤسس الأول للأسرة. وقد حكم 45 عاماً، واستطاع توسيع مملكته من 4800 كم2، عند توليه الإمارة بعد والده أرطغرل، عام 681هـ (1281م)، إلى 16 ألف كم2، حين سلمها لولده أورخان، عام 726هـ (1326م) .

    اتخذ أورخان بن عثمان (الذي ولد عام 1281م)، مدينة بورصة، الواقعة في أقصى غرب الأناضول، عاصمة لملكه، وقاعدة لتحركاته، بعد أن تيسر له فتحها قبيل وفاة والده، عام 726هـ (1326م). ثم فتح إزمير عام 1327م، وطاوشانلي في عام 1330م. واستطاع بذلك أن يفرض على الإمارات السلجوقية المجاورة، الاعتراف الفعلي بحكمه، وبأنه وريث العرش السلجوقي.

    ومما زاد من شهرته، تمكنه من هزيمة الامبراطور البيزنطي، الذي حاول استعادة مدينة إزنيق من العثمانيين، عام 732هـ (1331م). وقد بدأ السلطان أورخان، بعد ذلك، باتباع سياسة متسمة بالحكمة، في التعامل مع البيزنطيين، وتحرص على عدم البدء بالاعتداء، مع محاولة الوصول إلى البحار المفتوحة والمضايق.

    وقد توالت الفتوحات، طيلة حكم السلطان أورخان، الذي يعد أول أمير عثماني تسمى بلقب السلطان. وفي عام 736هـ (1335م)، كوّن جيشاً منظماً، ومدرباً أحسن تدريب. وانضمت بعض الإمارات السلجوقية إلى الدولة العثمانية، التي وصلت حدودها إلى البحر، بعد أن استولت على أسكودار، وهي الضفة الآسيوية من مدينة إستانبول. وفي الوقت نفسه، توسعت الدولة في الجانب الشرقي من البلاد، ففتحت مدينة أنقرة، عام 756هـ (1354م).

    سنّت الدولة، في فترة حكم السلطان أورخان، وبإشارة من الوزير قره خليل جاندارلي، قانوناً يقضي بتشكيل جيش سمي "الإنكشارية"، وبمقتضى هذا القانون يؤخذ بعض أولاد النصارى، ويُعنى بتربيتهم، وتهذيبهم تهذيباً إسلامياً، حتى إذا بلغوا سن التجنيد، أُرسلوا إلى الثكنات العسكرية في العاصمة؛ ليتولوا الدفاع عن أراضي الدولة دفاعاً مستميتاً.

    كما وضعت تنظيمات إدارية ومالية، في عهد السلطان أورخان، أصبحت قاعدة، تركن إليها الدولة في السنوات التالية، مثل النظام الخاص بإقطاع الأراضي الأميرية، وكيفية تقسيمها على المشاركين في الحرب، وتشكيل الوزارة، وغيرها من الأنظمة، التي استقرت قواعد الدولة عليها.
    2. الفتوح العثمانية في أوربا

    كانت الدولة البيزنطية، هي العدو الرئيسي للعثمانيين، وكانت تتحيَّن الفرص للإيقاع بهم. واتحد قيصر روسيا مع أهالي البندقية، الذين كانوا يهاجمون حدود الدولة العثمانية من جهة البحر في أغلب الأحيان. أصدر السلطان أورخان أمره لولده الأمير سليمان، بالاستعداد، والزحف إلى بلاد الرومَلي، وهي الجزء الأوروبي من الدولة البيزنطية. فجهز الجيوش، وتقدم بها، عام 757هـ (1357م)، حتى وصل إلى مضيق الدردنيل، وعبر إلى ساحل الروملي. واستولى على قلعة جناق (جناق قلعة) سنة 758هـ (1357م). وعُدّ ذلك العبور بداية التاريخ البحري للدولة العثمانية. وتوالت فتوحات الأمير سليمان بن أورخان وجنوده في بلاد الروملي، ونجح في إخضاع البلاد القريبة من غاليبولي.

    وعلى الرغم من اهتمام الدول الأوروبية بهذا الفتح العثماني، ومراقبتها لتحركاته عن كثب، ومحاولتها مواجهة هذه القوة الجديدة، التي بلغت قواتها المحتشدة في غاليبولي عشرين ألف مقاتل؛ إلا أن تلك الدول بسبب النزاعات الداخلية بين دول البلقان، انصرفت عن اتخاذ إجراءات مناسبة. وقد اتبعت الدولة العثمانية في الأراضي المفتوحة حديثاً، سياسة التعامل بالحسنى مع الأهالي، ونقلت آلاف المسلمين من الأناضول إلى تلك المناطق.

    اتسمت فترة حكم أورخان بأمرين:

    أولهما: اتساع الفتوحات العثمانية في عهده.

    ثانيهما: تنظيم الحكم في الدولة، بعد اتساع رقعتها. وقد ساعد هذا التنظيم على استقرار الدولة وتوسعها.

    غير أن الوفاة المفاجئة، للأمير سليمان بن أورخان، عام 761هـ (1360م)، بعد أن حقق فتوحات كبيرة في البلقان، أثّرت على والده السلطان أورخان، فتوفي بعده بفترة وجيزة. وقد أدى ذلك إلى توقف حركة الفتوحات، مدّة من الزمن؛ إذ أن الدولة العثمانية فقدت قائداً باسلاً من قوادها، ثم فقدت سلطاناً قديراً في إدارة شؤون بلاده. وكان ذلك إيذاناً باستفادة الدول الأوروبية من هذا الوضع، واستعادة بعض المدن والقلاع التي استولى عليها العثمانيون.
    3. فتح أدرنة

    لما انتقل العثمانيون إلى البلقان، وفتحوا بعض أجزائها، أحسوا بالأهمية الإستراتيجية لمدينة أدرنة. فحاول السلطان مراد الأول، الذي انتقل إليه الحكم العثماني بعد والده ، السلطان أورخان، عام 761هـ (1360م)، الوصول إلى هذه المدينة. وقد تحقق له فتحها، عام 764هـ (1363م)، بعد عدة معارك، مستفيداً من التمزق السلافي في البلقان. غير أن السلطان مراداً لم يكتف بهذا الفتح، فاستولى على مدينتي: فليبة، وكمولجينة، وبعض المدن المجاورة، حتى يقطع خطوط الاتصال بين صرب مقدونيا، وبيزنطة، وبلغاريا. وعَمِل تدبيراً احتياطياً آخر بأن نقل عاصمة الدولة العثمانية من بورصا إلى أدرنة، عام 768هـ (1365م). وسرعان ما شهدت المدينة حركة عمرانية دؤوبة، تمثلت في بناء المساجد الجامعة، والمدارس، وتشييد المؤسسات الاجتماعية، والإدارات الحكومية، والمعاهد العسكرية.

    وقد استهدف السلطان مراد من هذه النقلة:

    أ. استغلال مناعة الاستحكامات الحربية للمدينة، وقربها من مسرح العمليات العسكرية.

    ب. توطيد أقدام العثمانيين في قارة أوروبا.

    ج. جعل المدينة مركزاً يجمع فيه أبناء النصارى لتجنيدهم، وذلك بفضل موقعها الجغرافي، وسط بلاد يدين أهلها بالنصرانية. وبموجب النصيحة، التي أسداها للسلطان كل من: قاضي الجيوش، في الدولة العثمانية، قره خليل جاندارلي، والشيخ (المُلاّ) رستم، فقد تقرر تحصيل 125 آقجة[1]، للدولة، عن كل أسير حرب، يقع في يد الجنود العثمانيين، أو أن يُضم خُمس الأسرى للتجنيد. وقد أُطلق على هذه الضريبة (رسمِ بنجيك)، أي الخُمُس.

    ونظراً إلى اتساع نطاق الفتوحات، فقد أُنشأت، في الدولة، في ذلك العهد، وظيفة (قاضي عسكر)، وهي أعلى مرتبة دينية وعلمية في الدولة العثمانية، وتختص بالنظر في المسائل الشرعية لأفراد الجيش. ويرافق قاضي العسكر السلطان في غزواته. وقد عُين لهذا المنصب لأول مرة قاضي بورصة، قره خليل أفندي جاندارلي.

    وفي الوقت الذي ازداد فيه النفوذ العثماني، وتوسعت رقعة أراضي الدولة، وانضمت الإمارات التركية إلى الدولة العثمانية، الواحدة تلو الأخرى، جهَّز الصرب حملة صليبية جديدة، بقيادة حاكم صربيا، لازار، ضد العثمانيين، شارك فيها كل من أمراء المجر، وبولونيا، ورومانيا، ومولدافيا، وبلغاريا. والتقى السلطان مراد الأول وابناه العدو، في صحراء كوسوفا، عام 792هـ (20 يونيه 1389م). ودارت المعركة حوالي ثماني ساعات، تغلب فيها العثمانيون على خصومهم. وبعد انتهاء المعركة، وبينما كان السلطان يتفقد ميدان القتال، اقترب منه أمير صربي جريح، بحجة أن لديه ما يعرضه عليه، وطعنه بخنجر في بطنه، فمات السلطان مراد الأول على الفور. وانتقلت سدة الحكم إلى ابنه بايزيد، الذي توجه إلى بورصة، ومعه جثمان والده، فدفنه بها.

    أدخل انتصار قوصوه( أو كوسوفا) الساحق البلقان تحت الحكم العثماني الإسلامي، لمدة خمسمائة سنة. وقد بلغت مساحة الدولة العثمانية، عند وفاة السلطان مراد، 500.000 كم2 تقريباً (291.000 كم2 في البلقان، و 208.000 كم2 في الأناضول). وبذلك تضاعفت مساحة الدولة، التي خلفها السلطان أورخان، خمسة أضعاف، خلال 27 سنة.

    وكان من أهم نتائج معركة كوسوفا ما يلي:

    أ. انتشار الإسلام بين الصرب.

    ب. دخول بلاد الصرب تحت السيطرة العثمانية، حتى القرن التاسع عشر الميلادي.
    4. معركة أنقرة مع التتار

    تولى السلطان بايزيد الأول الحكم، بعد استشهاد والده، عام 792هـ (1388م). وكان متحمساً لمواصلة الفتوحات التي بدأها والده، فقضى على آخر إمارة بيزنطية في الأناضول، وهي مدينة آلا شهر. كما اكتسح بلغاريا عام 797هـ (1393م)، مما أدى إلى تكتل الدول الأوروبية المسيحية في وجهه في حملة صليبية، غير أنه استطاع أن يصدها، وأن يخضع البلاد البلقانية للدولة العثمانية، ويوطد أقدام العثمانيين في البلقان. إلاّ أن إغارات القائد التتري تيمورلنك، على أراضي الدولة العثمانية، في تلك الفترة، حوَّلت أنظار السلطان بايزيد إلى الدفاع عن الأناضول، بدلاً من التوسع في أوروبا، فاستعد السلطان لملاقاة تيمورلنك، وجمع رجاله، وتوجه بهم نحو أنقرة، حيث نصب معسكره قريباً منها. ولما استعد الطرفان للقتال، انحاز جنود ولايات آيدين، ومنتشة، وصاروخان، وعددهم خمسون ألفاً، إلى جانب تيمورلنك، لوجود أمرائهم الأصليين، الذين استولى العثمانيون على بلادهم، في معيته؛ فضعفت بذلك قوة العثمانيين، ووقع الخلل في صفوفهم، ولم يبق لهم إلاّ الإنكشارية، وعددهم عشرة آلاف. ولما اشتعلت نيران الحرب، انهزم العثمانيون هزيمة نكراء، ووقع السلطان بايزيد مع ابنه أسيرين، في يد تيمورلنك، فأهانهما إهانة بالغة. وكانت تلك الهزيمة والإهانة، سبباً في تراكم الهموم على السلطان بايزيد، فأصابه مرض توفي به في عام 806هـ (1403م).

    يقول المؤرخ أحمد جودت باشا: كان ذلك القرن هو الدور الأول للدولة العثمانية. فإنها في تلك المدة، أي في ظرف مائة سنة، عظم أمرها، وقويت أركانها، وصارت دولة عظيمة بعد أن كانت إمارة صغيرة.
    5. عهد الفوضى

    عقب وفاة السلطان بايزيد الأول، وانسحاب تيمورلنك بقواته من الأناضول نشب الخلاف بين أبناء بايزيد وتطور إلى حرب أهلية، وسميت تلك الفترة في التاريخ التركي "عهد الفترة" أي الانقطاع. واستمرت هذه الحرب مدة عشر سنوات (806-816هـ/ 1403-1413م)، ولم تنته إلاّ بعد أن وحد الأمير محمد جلبي بن بايزيد أطراف الدولة، واستتب له الحكم، وحمل لقب السلطان محمد الأول.

    وأسدى السلطان محمد الأول، إلى الدولة خدمة جليلة؛ إذ أزال آثار معركة أنقرة، وعمل على تنظيم الدولة، فمهّد الطريق أمام خلفائه، ليتابعوا سياسة التوسع الإقليمي من جديد، سواء في أوروبا أو في غيرها. كما شنّ الغارات المتوالية على بلاد أردل والمجر، وقاد جيوشه فتمكن من الاستيلاء على يركوي، ودوبروجه. وقد أدت تلك الغارات إلى دخول الإقطاعيين، في بلاد البوسنة، تحت الحكم العثماني (823-826هـ/1420-1423م). ثم رجع السلطان محمد الأول إلى الأناضول. وراح يوجه غاراته فيما بعد نحو الشرق؛ بسبب التهديدات التي تتعرض لها الأراضي العثمانية، من جانب الصفويين. فاستطاع الاستيلاء على الأراضي التي تحكمها أسرة جاندار أغلو، وهي أرضروم وأرزنجان، وشَبِن قاراحصار، بعد أن قضى على إمارتهم.

    انتقلت الدولة العثمانية إلى مرحلة جديدة، بعد فترة حكم السلطان محمد الأول، الذي لم يَدُمْ طويلاً؛ حيث قام ابنه السلطان مراد الثاني بأعمال، اتسمت بالحفاظ على توحيد أراضي الدولة، والقضاء على العقبات، التي تثيرها الإمارات التركية في الأناضول، ومن ثم تصفيتها لصالح الدولة العثمانية. والعمل على إيجاد توازن بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية في الأناضول.
    6. فتح إستانبول

    انتقل الحكم العثماني إلى السلطان محمد الفاتح، عام 855هـ (1451م). وكان فتح إستانبول يراود أحلامه، حتى تكون أملاك الدولة متصلة، لا يتخللها عدو مهاجم، وحتى يتسنى له، منذ الأيام الأولى من حكمه، حسم مشكلة القسطنطينية، التي كانت تمثل وكراً للمؤامرات ضد الدولة العثمانية. غير أنه قبل أن يفتحها أراد أن يحصن البوسفور، حتى لا يأتي لها مدد من مملكة طرابزون. وفي الوقت نفسه، كان عليه إتمام عملية الفتح، قبل وصول المساعدات من الغرب وتوحد قوات الدول الصليبية. بدأ السلطان محمد الفاتح بتنفيذ خططه العسكرية، على الرغم من معارضة خليل باشا جاندارلي. واستمر الحصار ثلاثة وخمسين يوماً. تيسر بعدها فتح المدينة عام 857هـ (1453م)، التي أصبحت عاصمة للدولة العثمانية إلى سقوطها في عام 1342هـ (1922م).

    وقد ابتدأ بذلك الفتح العظيم عصر جديد؛ حيث أصبحت الدولة العثمانية دولة عالمية، وكان ذلك الفتح بداية للقيام بحروب طويلة، شنها السلطان محمد الفاتح على بلاد الصرب، والبوسنة، والهرسك، والمورة، وألبانيا، وجمهوريتي جنوا والبندقية، ومملكة نابولي. وقد استولى عليها. على الرغم من فشله في الاستيلاء على بلغراد التي تعد مفتاحاً لأوروبا الوسطى.

    توجه السلطان محمد الفاتح، من جهة أخرى، إلى الأناضول لإزالة خطر إمارة بني قارامان، التي سعت للاجتماع تحت راية أوزون حسن، وذلك حتى لا تتكرر حادثة تيمورلنك للمرة الثانية. وقد تمكن من دفِع ذلك الخطر بالقضاء على البقية الباقية من تلك الإمارة، عام 879هـ (1474م).

    أجرى السلطان محمد الفاتح العديد من الإصلاحات الإدارية، والمالية، والعسكرية، مما جعل من الدولة العثمانية دولة مركزية قوية. ظهرت آثارها في عهد ابنه بايزيد، الذي تولى حكم الدولة بعد وفاة والده، عام 886هـ ( 1481م). إلاّ أن أخاه الأمير جم نازعه العرش، ودارت الحروب بينهما، وبادر جم بالفرار إلى مصر بعد انهزام قواته أمام قوات أخيه، ثم اتصل بفرسان القديس يوحنا في جزيرة رودس عام 885هـ (1480م)، ولجأ إليهم، فأُلقي به في السجن إلى أن بيع للبابا أنوسنت الثامن. فلما مات هذا البابا ترك جم لخلفه إسكندر السادس، فلم يبق على جم طويلاً، بل دس السم له مقابل مبلغ مالي من السلطان بايزيد. الذي كان وجود الأمير جم بيد البابا في أوروبا قد جعله يتريث قليلاً فيما يزمع القيام به من فتوح. إلاّ أن وفاته عام 890هـ (1495م)، أعادت الحماسة إلى الفتوح في سياسة السلطان بايزيد الخارجية.

    ومن جهة أخرى وجه السلطان بايزيد كل همه لإنشاء المباني العامة من مساجد، ومدارس، وعمارات، ودور الضيافة، والتكايا، والزوايا، والخانقاهات، والمستشفيات، والحمامات، والجسور. كما رمم شبكة الطرق، والجسور التي أقامها أسلافه، مستعيناً في ذلك بالعمال والصناع المهرة من اليونان والبلغار؛ فاستفادت الدولة، فيما بعد، من تلك الطرق في الأغراض العسكرية، وعلى وجه الخصوص في نقل الجنود وتسهيل حركتهم من مكان إلى آخر للدفاع عن الدولة.

    نجح بايزيد من جهة ثالثة في صد غارات البولنديين الذين حاولوا غزو مولدافيا، ثم أتم الاستيلاء على إقليم البوسنة، واتخذه قاعدة لشن الهجوم على ممتلكات البندقية في دالماشيا. وعقد صلحاً مع المجر واتفق معهم على هدنة لمدة سبع سنوات. فنعمت البلاد في عهده بفترة من السلم والهدوء.
    ثانياً: توسع الدولة العثمانية وازدهارها
    1. ضم البلاد العربية

    استفحل أمر الدولة الصفوية، بعد عهد السلطان بايزيد الثاني، الذي استخدم اللين مع الشاه إسماعيل الصفوي، على الرغم من نشاط الخير في نشر المذهب الشيعي بين القبائل التركية البدوية، وقتل الكثير من أهل السنة، بعد استيلائه على بغداد. وكان ذلك يحمل في طياته خطراً كبيراً على الدولة العثمانية، التي تزعمت أهل السنة في ذلك الوقت. إذ أن الشاه إسماعيل الصفوي، الذي جعل من التشيع سياسة لدولته ومذهباً لها، وجد له أعواناً كثيرين في الأناضول. وكان ذلك كفيلاً بأن يفتت وحدة الدولة العثمانية في الأناضول، على وجه الخصوص. فأجَّل السلطان سليم الأول فتوحاته، في أوروبا، ردحاً من الزمن، وتوجه بكل ما أوتي من قوة نحو الشرق، لوقف ذلك المد الشيعي، وتأديب المماليك، في مصر والشام، المتحالفين مع الصفويين، والعاجزين عن حماية الأماكن المقدسة. وكانت معركة جالديران، عام 920هـ (1514م)، انتصاراً باهراً للعثمانيين وهزيمة نكراء للصفويين، توغل الجيش العثماني بعدها في إيران حتى وصل إلى تبريز. وقد ثبّت ذلك الانتصار أقدام العثمانيين في الأناضول، وحسنت من صورتهم أمام العالم الإسلامي. غير أن ذلك النصر لم يكن ليكتمل ما لم تتم إزالة التهديدات البرتغالية للبحر الأحمر والأماكن المقدسة، في وقت استغاث فيه أهالي المنطقة بالعثمانيين، إزاء عجز المماليك عن الدفاع عنها، إضافة إلى إيواء المماليك للثائرين على السلاطين العثمانيين، وتحالفهم مع الصفويين ضد العثمانيين.

    توجّه السلطان سليم الثاني إلى سوريا، ووقعت بينه وبين الغوري المملوكي معركة، بالقرب من حلب، عند مرج دابق، عام 922هـ (1516م)، ومني الغوري بالهزيمة، وسقوط قتيلاً، ودخل السلطان سليم الأول مدينة دمشق، وضُمت الأراضي السورية إلى الدولة العثمانية. ثم توجه السلطان سليم إلى القاهرة، وانتصر في معركة الريدانية، بالقرب منها، في عام 923هـ (بدايات عام 1517م). وبذلك بدأ عهد جديد في تاريخ العثمانيين، اكتملت فيه سيطرتهم على العالم العربي، والتي استمرت أربعة قرون. وأعلن بذلك العثمانيون حمايتهم للأماكن المقدسة، وجعل البحر الأحمر بحيرة إسلامية.
    2. مسألة انتقال الخلافة إلى العثمانيين

    هناك من المؤرخين من يرى عدم شرعية انتقال الخلافة إلى العثمانيين، ويستنكر حصول شيء من هذا القبيل، غير أن هناك من الباحثين من يذكر أن الخلافة انتقلت إلى العثمانيين عندما تنازل عنها الخليفة المتوكل العباسي، للسلطان سليم الأول، في احتفال أقيم بهذه المناسبة. وسلَّمه الآثار النبوية الشريفة. ومن ذلك التاريخ صار كل سلطان عثماني أميراً للمؤمنين، وخليفة لرسول رب العالمين اسماً وفعلاً.

    ودعم حصول السلطان سليم الأول على منصب الخلافة مركزه في العالم الإسلامي. وأصبح استخدام العثمانيين لهذا اللقب الديني يعني المسؤولية عن الأماكن المقدسة وعن حماية العالم الإسلامي، ضد أي اعتداء على بقعة من بقاعه. وتعلق سلاطين الدولة العثمانية بلقب الخلافة في تلك العصور، التي تلت عصر السلطان سليم الأول، وتشبثوا بدلالاته الدينية والدنيوية.
    3. أوج القوة والتوسع

    أجرى السلطان سليم الأول بعض الإصلاحات التعليمية، والإدارية، في إستانبول، بعد عودته من مصر، ونظم أمور الجيش. كما أنشأ مرسىً كبيراً في خليج إستانبول، بغية صناعة السفن الحربية الكبيرة ومواجهة السفن البرتغالية والحد من خطرها وأضرارها في العالم العربي. وبفضل الجهود التي بذلت في هذا الصدد، فقد أضحى للعثمانيين أسطول بحري متميز.

    توجه السلطان سليم، عقب تجهيزه الأسطول، إلى أدرنه. وعلى الرغم من عدم تحديد المكان، الذي كان يزمع فتحه، فقد ذكر أنه كان يود القيام بحملة على المجر، وقيل إنه كان يستعد لملاقاة الحملة الصليبية البحرية. ومهما يكن من أمر، فإنه لم يتسن له رؤية ثمار ذلك الأسطول؛ إذ وافته المنية قبل أن يصل إلى أدرنة، في قرية جورلو، وذلك عام 927هـ (1520م).

    لما انتقل الحكم إلى ابنه السلطان سليمان القانوني، كانت الدولة العثمانية قد وصلت إلى أوج قوتها واتساعها؛ حيث قام في بداية حكمه بإجراء الإصلاحات الداخلية، ووضع الأنظمة المقننة، وأظهر الحزم في تنفيذ القوانين، وحماية الحقوق، وإعطاء مصطلح العدالة طابعه المميز. ثم توجَّه، عام 928هـ (1521م)، صوب أوروبا، لاستئناف الفتوحات، فاستولى على بلغراد، وهو في طريقه إلى المجر، وفتح جزيرة رودس، عام 929هـ (1522م)، وغزا المجر بقوة، قوامها مائة ألف مقاتل، عام 933هـ (1526م)، وفتح بودابست ثم المجر، التي ظلت ولاية عثمانية لمدة مائة وأربعين عاماً. ثم زحف السلطان سليمان، في عام 936هـ (1529م)، بجيش، قوامه ربع مليون جندي، إلى فيينا، إلاّ أنها قاومت مقاومة شديدة، وكرر السلطان محاولته، بعد ثلاث سنوات، وصمدن في مقاومتها مرة أخرى، ثم وقع الصلح بين الطرفين في إستانبول، عام 940هـ (1541م). سرعان ما استأنف الحرب من جديد بعد عام واحد، واستطاع السلطان سلميان، خلال تلك الفترة، أن يهزم النمساويين، وأن يضم المجر إلى أملاك الدولة العثمانية نهائياً، وأن يحصل من النمسا على جزية سنوية لمدة خمس سنوات.

    وهكذا، سار السلطان سليمان القانوني من فتح إلى فتح، ومن غرب إلى شرق، وفتح جنوده مدينة بغداد، عام 941هـ (1534م)، ودخل الجيش العثماني مدينة تبريز للمرة الثانية، وجرت اتصالات مع ملك فرنسا، كما فُتح إقليما الجزائر وتونس، عام 942هـ (1535م). وفُتِحت كذلك في هذا العهد عدن وزبيد، عام 945هـ (1538م)، ثم استولى على البصرة، ومسقط، وهرمز، وامتد نفوذ العثمانيين إلى الأحساء، عام 963هـ (1555م)، وتمكن العثمانيون من السيطرة على المواقع الإستراتيجية في كل من الخليج العربي والبحر الأحمر، مما نشط من الحركة التجارية في المنطقة، بعيداً عن أعمال القرصنة، التي كانت تقوم بها السفن البرتغالية، وفي الوقت نفسه وفروا الحماية اللازمة للأماكن الإسلامية المقدسة، وانفتحوا إلى المحيط الهندي.

    واصل العثمانيون جهادهم في غربي البحر المتوسط ضد الصليبيين. وفي خلال سنوات قليلة، كانت أغلبية الموانىء، الممتدة من تونس إلى المغرب، قد ضمت أساطيل إسلامية أثارت الرعب في قلوب الأوروبيين. وكان دخول الأخوين الربانيين: عروج رئيس وخير الدين بارباروس في خدمة السلطان العثماني، قد زاد العثمانيين في البحر الأبيض قوة على قوة. حيث استولى القائد البحري خير الدين بارباروس، على كورون، وليبانتو، وتونس، وأغار على سواحل إيطاليا، وجزيرة صقلية، وتمكن من بسط النفوذ على غربي البحر المتوسط.

    وهكذا، أقام السلطان سليمان القانوني، دولة مترامية الأطراف، امتدت من الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال، وأضاف إلى أملاك الدولة العثمانية العديد من البلاد والأراضي، التي لم يتسن لغيره السيطرة عليها، ولم يصل إلى ذلك سلطان قبله ولا بعده. فقد ألحق الكثير من البلاد بالدولة العثمانية، ومنها المجر، وأردل، وطرابلس الغرب، والجزائر، والعراق، ورودس، ومعظم أنحاء كردستان، وقسم من جورجيا، وجزر بحر إيجة، وبلغراد، وجزيرة جربة (في تونس).
    4. فتح جزيرة قبرص وسيطرة البحرية العثمانية على البحر الأبيض

    افتقدت الدولة العثمانية، في عهود خلفاء السلطان سليمان، سياسته، الرامية إلى التركيز على الفتوحات، سواء في الشرق أو في الغرب. وظهر نوع من الفتور والضعف في أركان الدولة، ولا سيما بعد أن تخلى السلاطين عن الاشتراك بأنفسهم في الحروب. وبقيت المشروعات، التي تقدم بها الوزير الأعظم، صقوللي محمد باشا، حبراً على ورق. وكانت تلك المشروعات تحوي: افتتاح قناة السويس، بغية اتباع سياسة أكثر فعالية في المحيط الهندي؛ ومنع النفوذ الروسي، الذي بدأ يكتسب أهمية تجارية، واقتصادية، وسياسية، بعد استيلائهم على قازان وأستراخان؛ وتوثيق العلاقات مع المسلمين في آسيا الوسطى.

    والحقيقة إن السبب، الذي دفع بالعثمانيين إلى تأخير الشروع في تلك الخطط، هو تركيز جهودهم على فتح جزيرة قبرص. إذ إنها كانت حصناً منيعاً، ساهم في عرقلة التجارة البحرية بين إستانبول ومصر. وكانت قبرص يحتلها أهل البندقية، الذين دأبوا على مهاجمة السفن التجارية وقوافل الحجاج المسلمين. وبعد صدور فتوى شيخ الإسلام، عام 975هـ (1567م)، بضرورة فتح هذه الجزيرة، شرعت الدولة العثمانية بكل ما أوتيت من قوة في فتحها. وتمكنت، خلال عامي 978 ـ 979هـ (1570 ـ 1571م)، من دخولها. وعلى الرغم من هزيمة الأسطول العثماني انهزم في لبانتو (اينة باختي)، أمام أسطول دول الحلف الصليبي، عام 979هـ (20 مايو 1571م). إلاّ أن جهود العثمانيين ومثارتهم لطرد أساطيل الأعداء من مياه مودون، ونافارين، بعد ذلك بسنة واحدة، قد قضى على آما الصليبين، ولا سيما الأسبان، في البحر المتوسط. كما أن اكتمال فتح تونس، عام 982هـ (1574م)، أدى إلى هيمنة البحرية العثمانية على البحر المتوسط.

    كان هذا أقصى ما وصلت إليه الدولة العثمانية من القوة، والنفوذ، والانتشار. ولم يزد عصر القوة هذا عن نصف قرن كثيراً، ولم يشمل سوى عهد السلطان سليم الأول وابنه سليمان القانوني. وجاء عصر الضعف بعدهما مباشرة. وبدأ الخط البياني للخلافة الإسلامية بعدهما في الهبوط باستمرار، وإن كان يتوقف هذا الهبوط، أو يتوازن في بعض المراحل لقوة شخصية بعض الخلفاء أو لهمة حاشيتهم، وخاصة الصدور العظام.
    SeIfElLaH
    SeIfElLaH
    مجلس المدراء
    مجلس المدراء


    الأوسمة : الدولة العثمانية نشأتها وتطورها وانحطاطها 0ea39110
    عدد المساهمات : 4497
    نقاط : 6387
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 47

    الدولة العثمانية نشأتها وتطورها وانحطاطها Empty رد: الدولة العثمانية نشأتها وتطورها وانحطاطها

    مُساهمة من طرف SeIfElLaH الإثنين يناير 05, 2015 11:12 pm

    ثالثاً: تأخَّر الدولة العثمانية وتدهورها

    يعزو كثير من الباحثين بداية انحدار الدولة العثمانية إلى عام 1110هـ (1699م)، عندما اندحرت أمام الأعداء، واضطرت، لأول مرة، إلى توقيع معاهدة كارلوفجا، التي فرض شروطها عدوُّها المنتصر. وخرجت الدولة العثمانية بتلك الهزيمة من عزلتها، وتيقنت يقيناً جازماً من تخلف أجهزتها العسكرية. فبدأت توجُّهاً قوياً إلى الاستفادة من التقدم الأوروبي، فيما عُرف، في تاريخ الدولة العثمانية، بحركات التجديد، كما سأتي تفصيله بعد قليل.

    أرجع بعض الباحثين مقدمات ضعف الدولة العثمانية إلى عهد السلطان سليمان القانوني، بسبب وقوعه تحت تأثير زوجته روكسلانا، التي تآمرت ضد الأمير مصطفى ابن سليمان، ليتولى ابنها سليم الثاني الخلافة بعد أبيه. وكان مصطفى قائداً عظيماً ومحبوباً لدى الضباط، مما أدى إلى حركةة تزمر بين الإنكشارية ضد السلطان، فأخمدها السلطان سليمان. وبذلك قضى على الأمير مصطفى. واعقب ذلك تخلي السلطان عن ممارسة سلطاته، وتسليم مقاليد الأمور إلى زوجته، مما أدى إلى بروز سطوة الحريم، والعجز عن مواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، التي أدت إلى نشوب القلاقل الشعبية في الروملي والأناضول.
    1. عوامل الضعف في الدولة العثمانية

    أصيبت الدولة العثمانية بعدة عوامل ضعف أثرت على مسيرتها وتقدمها. وعلى الرغم من وجود عوامل خارجية ساهمت في ضعف الدولة حتى في عهد القوة والتوسع، إلاّ أنها لم تكن مؤثرة في الدولة بقدر المؤثرات الداخلية. يمكن إيجاز تلك العوامل الداخلية على النحو الآتي:

    أ. البعد عن منهج الإسلام الأصيل وجوهر الإيمان. الذي كان يميز الدولة العثمانية منذ قيامه، عندما كانت العاطفة الإسلامية جياشة وقوية. فلما تبعتها التربية الإسلامية، والتدريب السليم للنظام العسكري الجديد، كانت القوة وكان الفتح وكان التوسع. فلما ضعفت التربية الإسلامية زادت أعمال السلب، والنهب، والفسق، والفجور. واستمر الانحراف، وظهرت حركات العصيان والتمرد، وفقدت الدولة هيبتها.

    وقد تمثل ذلك في:

    (1) الإهمال في العدالة والضبط وحسن السياسة، وسببه عدم تفويض إسناد الأمور إلى أهلها الأكفاء.

    (2) المسامحة في المشاورة والرأي والتدبير، وسببه العجب والكِبر في أهل الحكم، واستنكافهم عن مصاحبة العلماء والحكماء.

    (3) التساهل في التدريب، والضبط والربط، وسوء استعمال آلات الحرب عند محاربة الأعداء، وسببه عدم خوف العسكر من الأمراء

    (4) ثم رأس جميع الأسباب، وغاية ما في الباب، وهو طمع الارتشاء ورغبة النساء.

    ب. الترف الذي أدى إلى الانغماس في حياة الفسق، بحيث أصبح السلاطين يقضون أوقاتهم في الملذات بين الحريم. وانعكس ذلك على ضعف السلاطين وعدم قدرتهم على تسيير أمور الدولة وقيادة الجيش، مما أثر بدوره على أوضاع الدولة.

    ج. سيطرة العقلية العسكرية، التي أدت إلى انتزاع الأمور بالسيف بدلاً من الدراسة، والتخطيط، والمناقشة.

    د. فساد الإدارة: حيث ترك السلاطين أمور الدولة لكبار موظفيهم، الذين انغمسوا في الفساد، فانتشرت الرشوة، والمحسوبية، والاختلاس، وبيع الوظائف، وقام الولاة في الولايات بحركات انفصالية عن كيان الدولة العثمانية.

    هـ. الفساد، الذي استشرى في صفوف الإنكشارية، التي كانت العمود الفقري للدولة في عهد القوة والتوسع.

    و. الامتيازات الأجنبية: التي مُنحت للأجانب في زمن قوة الدولة وازدهارها، ثم أصبحت حجر عثرة أمام الدولة العثمانية في التقدم والارتقاء، وأصبح الأجانب، بتلك الامتيازات، يتدخلون في شؤون الدولة الداخلية، ونجم عن ذلك خروج الرعايا عن أوامر الدولة. إضافة إلى ذلك، هناك الأسباب الخارجية، التي تمثلت في تكالب الدول الصليبية على الدولة العثمانية وتوحدها، في كثير من الأحيان، للقضاء عليها.

    ز. تأخر الدولة عن ركب الحضارة، بسبب عدم تمسكها بأسباب القوة، والتي تمثلت في تخلف أجهزتها العلمية والعسكرية على وجه الخصوص. في الوقت، الذي كانت فيه الدول الغربية تكتشف كل يوم جديداً في حقول المعرفة، والتي عرفت بالثورة الصناعية.
    2. بداية الاضمحلال في الدولة العثمانية

    يتفق المؤرخون على أن عظمة الدولة العثمانية قد انتهت بوفاة السلطان سليمان القانوني عام 974هـ (1566م). حيث فتح الطريق، من بعده، لاستلام السلاطين الضعاف زمام أمور الدولة، وذلك حين خلف لولاية عهده ابنه سليم الثاني، بدلاً من الأمير مصطفى، المتسم بقوة الشخصية، والتدريب الإداري، والعسكري الفائق. يضاف إلى ذلك أن العديد من السلاطين، الذين تولوا الحكم في الدولة في فترة التقهقر تلك، كانوا في سن الطفولة، فأصبحت أقوى دولة بيد الحريم أو آغاوات القصر. وعجَّل ذلك بالدولة إلى الهاوية. ولولا وجود بعض الصدور العظام الأقوياء، في تلك الفترة، لما بقيت الدولة إلى العصور التي تليها.

    وكانت معاهدة كارلوفجا، التي امتدت ستة عشر عاماً، أولى الهزائم العسكرية الكبرى، التي هزت كيان الدولة، وأدت إلى اهتزاز البنية الإدارية، والمالية، والاجتماعية للدولة العثمانية. فقد عقدت تلك المعاهدة بين كل من الدولة العثمانية، والنمسا، وروسيا، والبندقية، وبولونيا، في 24 رجب 1110هـ (26 يناير 1699م)، وتنازلت الدولة العثمانية بموجبها عن 000ر356 كم2 من أراضيها لتلك الدول. وقد وصف المؤرخ الفرنسي "فرنارد جرينارد" هذه المعاهدة بقوله: "إن عام 1699م من أهم الأعوام التاريخية، حيث انتقلت الهيمنة الشرقية إلى أوروبا".

    ثم توالت بعد ذلك الإحن على الدولة، وإن كانت على فترات متباعدة. حيث اضطرت للتنازل لأعدائها، بموجب المعاهدات التي أبرمتها معها، مثل معاهدة كوجوك قاينارجه، التي وقعتها الدولة مع روسيا، في 1188هـ (21 يوليه 1774م) ، عن القرم، وبسارابيا، وقوبان، وغيرها من الأراضي، إضافة إلى حرية الملاحة للسفن الروسية في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، وأن تبنى روسيا كنيسة لها في إستانبول، ويكون لها حق حماية جميع المسيحيين الأرثوذوكس القاطنين في البلاد العثمانية، وأن تدفع الدولة العثمانية خمسة عشر ألف كيس[2] غرامة حربية لروسيا. وكانت تلك أول خطوة لروسيا في إلحاق القرم بأراضيها. كما أنه، من خلال حق حماية الأرثوذوكس، كانت روسيا قد حفظت لنفسها حق التدخل في شؤون الدولة العثمانية الداخلية.

    وعلى الرغم من قيام الدولة، بعد ذلك بمحاولات إصلاح، بعدما تأكدت أنها لا تستطيع مواجهة القوات الدولية، إلاّ أن تلك المحاولات كانت محدودة مؤقتة، ولم تستمر طويلاً. وخاصة المحاولات، التي أجريت في عهد السلطان عبدالحميد الأول. ومما لا شك فيه أن الحروب، التي كانت تنشب بين فترة وأخرى بين العثمانيين من جهة، وبين روسيا من جهة أخرى، كانت تعرقل
    3. حركات التجديد في الدولة العثمانية
    أ. إصلاحات ما قبل عصر السلطان محمود الثاني

    دعت الهزائم المتوالية للدولة العثمانية ببعض السلاطين إلى التفكير في القيام ببعض الإصلاحات، ومحاولة العمل على الحد من ذلك التقهقر. ومن أهم الإصلاحات، التي جرت في الدولة العثمانية، قبل إصلاحات السلطان محمود الثاني (1808-1839م) الجذرية، إصلاحات السلطان عبدالحميد الأول (1773-1789م)، والسلطان سليم الثاني (1789-1807م).

    أجرى السلطان عبدالحميد الأول - الذي يعد أقوى السلاطين العثمانيين في القرن الثامن عشر الميلادي - بعض الإصلاحات. وكان من الطبيعي أن تكون تلك الإصلاحات عسكرية بالدرجة الأولى. ومن ثم استقدم السلطان بعض الضباط الغربيين ليكونوا مستشارين له في الشؤون العسكرية. وعلى رأسهم البارون دو توت الفرنسي (1730-1793م)، فأنشأ وحدة المدفعية، على غرار الدول الغربية، كما أنشأ كلية الهندسة (العسكرية). ووضع بعض الخطط العسكرية في الدفاعات العثمانية. إضافة إلى مصنع للمدافع في حي خاص (كوي).

    في الوقت الذي كان فيه السلطان عبدالحميد منشغلاً بالإصلاحات، والاستفادة من التقنية الغربية، كانت الصراعات الداخلية والأزمات تعرقل مسيرة تلك الإصلاحات؛ فقد رفع علي بك الكبير راية العصيان والتمرد في وجه الدولة، وتعرضت الدولة لثورات داخلية أخرى في البلقان، ومصر، وسوريا، إضافة إلى استيلاء إيران على البصرة عام 1190هـ (1776م)، ووقوف الدول الغربية وروسيا بالمرصاد للدولة العثمانية.

    أما السلطان سليم الثالث، فقد حاول الاستفادة من الهدوء النسبي في زمنه، فقام ببعض الإصلاحات، التي تركزت في تنظيم الجيش، والتخلص من الجيش الإنكشاري، الذي أصبح وراء كل فتنة في الدولة. واتجه نحو تقليد الدول الأوروبية في صناعة السفن، والأسلحة، والمدافع.

    وكانت تلك الإصلاحات ضرورة للدولة العثمانية، فرضتها عليها ظروف العصر، وليس تقليداً أعمى للغربيين؛ إذ إن الدولة باتت مكتوفة الأيدي إزاء أراضيها، التي تفقدها يوماً بعد يوم. ولهذا فإن النظام الجديد، الذي أعلن عنه السلطان سليم الثالث، كان يرمي إلى إلغاء الإنكشارية، التي تعد عبئاً ثقيلاً على الدولة. ولذلك فقد طلب من بعض رجال الدولة إعداد لائحة تفصيلية للإصلاحات، التي ينبغي القيام بها. وعلى الرغم من عدم المساس بالإنكشارية في بداية الأمر، ومحاولة إنشاء نظام جديد للجيش، يتمشى مع الإنكشارية، ثم العمل على إصلاح الجيش الإنكشاري ليتلاءم مع مرور الأيام مع الجيش الجديد، إلا أنهم ثاروا على السلطان، الذي فقد عرشه ثم حياته بسبب شروعه في تلك الإصلاحات.
    ب. إصلاحات السلطان محمود الثاني

    يبدو، من خلال استقراء التاريخ العثماني المعاصر، أن حركة التجديد، التي استهدفت الجيش والأنظمة في الدولة العثمانية بشكل منظم وعملي، ترجع إلى عهد السلطان محمود الثاني (1808-1839م)، عندما أقدم، عام 1241هـ (15 يونيه 1826م)، على إلغاء الجيش الإنكشاري، وأسس محله النظام الجديد، وسماه العساكر المحمدية المنصورة. وبدأ اقتباس الأنظمة من العالم الغربي. ذلك أن السلطان سلياً الثالث (1789-1807م) كان قد حاول التخلص من الإنكشارية، بإحلال جيش منظم محلها على غرار الجيوش الأوروبية، إلا أن تلك المحاولة باءت بالفشل وأودت بحياته كما أودت بحياة كافة أنصار الإصلاح، ولم يستطع إحراز نجاح يذكر، بسبب قوة نفوذ الإنكشارية، التي ما لبثت أن فقدت بالتدريج كل ما كان لها من مزايا، وتحولت إلى آلة فاسدة في كيان الدولة. هذا، على أنه تمكّن من الشروع في إصلاح الأسطول العثماني، وتأسيس وحدات عسكرية حديثة عرفت ب النظام الجديد، والبدء بتخريج الضباط من المدارس العسكرية والبحرية، وإرسال بعثات دبلوماسية في عدد من عواصم الدول الغربية. فأعاد السلطان محمود الثاني الكَرّة، بعد أن اتخذ الاحتياطات التدبيرية اللازمة، فقضى على الجيش الإنكشاري تماماً، حتى لا يبقى لهم كيان فيما بعد. وقبض في الوقت نفسه على شيوخ البكتاشية، التي كانت تعد العقل المدبر لتصرفات الإنكشارية.

    أدرك محمود الثاني أن الإصلاحات، التي أدخلها على الجيش، لا تكفي للمحافظة على كيان السلطنة، فشرع في المرحلة الثانية، التي استهدفت التنظيم الإداري للدولة. فأنشأ عام 1251هـ (1835م) وزارة للخارجية، وأخرى للداخلية، وشكل مجلساً للأشغال العامة عام 1253هـ (1837م)، وأدخل أنظمة الجوازات والحجر الصحي، وافتتح مدارس ابتدائية ورُشدية في العام التالي. كما أخذ، على عاتقه، الأخذ بفكرة التكامل في جميع الميادين الثقافية، والاجتماعية، والسياسية، وتنظيم مؤسسات إدارية وتعليمية، تسير جنباً إلى جنب مع المؤسسات الدينية والتعليمية، التي كانت تحت إشراف المشيخة الإسلامية. مع التقليل من مكانتها، والعمل على فصل بعض المؤسسات من كيانها. كما جرى ذلك في المدارس الابتدائية وهي مدارس الصبيان، التي كانت تابعة للمشيخة الإسلامية.
    ج. التنظيمات العثمانية

    يقصد بهذه الحركة تنظيم شؤون الدولة العثمانية على غرار الدول الأوروبية، وتقريب العالم الإسلامي من العالم الغربي، الذي عاش بعيداً عنه قروناً عديدة، وذلك تحت ضغوط الهزائم العسكرية التي مني بها الجيش العثماني. وقد ساعد ذلك على ترويج الرأي القائل بأن الدولة إذا ما أخذت بأشكال الحكم الأوروبية، سيتلوه تلقائياً قيام دولة قوية وحديثة.

    مرّت حركة التنظيمات بمرحلتين، هما:

    الأولى: التنظيمات العثمانية الخيرية، المعروفة بخط شريف كلخانة (مرسوم كلخانة الشريف، نسبة إلى المحل الذي أعلنت فيه التنظيمات). عندما أعلن السلطان عبدالمجيد (1255-1277هـ/1839-1861م)، في السادس والعشرين من شعبان عام 1255هـ (4 نوفمبر 1839م) التنظيمات، التي تقتضي تغييراً جذرياً في مؤسسات الدولة، وعدم التفرقة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، على أساسٍ من مذاهبهم أو انتمائهم القومي، وحرية ممارسة الشعائر الدينية لكل المذاهب.

    الثانية: حركة الإصلاحات، المعروفة بإصلاحات خطي همايوني (مرسوم السلطان الإصلاحي)، التي قام بالإعلان عنها أيضاً السلطان عبدالمجيد، في الحادي عشر من جمادى الآخرة عام 1272هـ (18 فبراير 1856م). وقد أكد فيها على المبادىء الإصلاحية الواردة في مرسوم كلخانة، القاضي بتأمين رعايا الدولة على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم، وتقرير المساواة في دفع الضرائب، وتمثيل الطوائف غير الإسلامية في المجالس المحلية في القرى والأقاليم، ورفع الجزية عنهم، ومشاركة أبنائهم في المدارس الحكومية، بعدما كانت قاصرة على المسلمين، ومشاركتهم في الجيش والوظائف الحكومية، وإنشاء الكنائس الخاصة بهم، والتعهد بالقضاء على المساوىء الإدارية ومحاربة الرشوة وأسباب الفساد الأخرى، وغيرها من المبادىء والقواعد المستمدة من الأنظمة الأوروبية.

    جاءت هذه المرحلة إثر ما مارسته القوى الخارجية من ضغط على الدولة العثمانية. ولعل ممّا يوضح ذلك ويؤكده اختلاف المرسومين، كما يدل على ذلك ما تضمنه كل منهما، على الرغم من تشابههما في كثير من النقاط؛ فقد جاء مرسوم عام 1856م، مختلفاً عن مرسوم شريف كلخانة عام 1839م. وكانت صيغته أكثر مواءمة للطابع العصري، وأكثر اقتباساً من الغرب، بصورة لم تُعهد من قبل في الوثائق العثمانية. فهو لم يستشهد بآية قرآنية، أو بقوانين الدولة العثمانية وأمجادها. أُلحقت بهذا المرسوم مذكرة تؤكد، من جديد، عدم تطبيق عقوبة الإعدام على المرتدين.

    زادت التنظيمات العثمانية من ترابط الجماعات النصرانية، بسبب ما تضمنته من تنظيم شؤون البطريركيات والأسقفيات، وتكوين المجالس الملية الجسمانية والروحانية. كما أنها منحت الرعايا من النصارى امتيازات لم يحصل المواطنون في الدولة على مثلها. ولعل من يقرأ المرسوم الخاص بذلك يتوهم أن غير المسلمين، من رعايا الدولة، لم يكونوا من قبل آمنين على أرواحهم وأموالهم. ولا صحة لهذا على الإطلاق. إضافة إلى أن ما سمي المرسوم الإصلاحي (1856م) كان مليئاً بتكرار كلمات كالكنيسة، والراهب، والمسيحيين..إلخ.

    ولعل الدافع وراء ذلك كان إرضاء قوى الضغط الخارجي. وهل هناك أكثر إرضاءً لها من منح الأقليات غير المسلمة، في الدولة، امتيازات أكثر من المسلمين.؟ ثم إن الإجراءات المتخذة لتطبيق ما أعلنته حركة التنظيمات من أن "المستوى المعيشي سوف يتحسن"، قد خُصصت للمناطق التي يقطنها النصارى، مثل بلغاريا واليونان وأُهملت تماماً في المناطق الكبرى التي يقطنها المسلمون.

    ولقد وسعت حركة التنظيمات من صلاتها السياسية والثقافية والاجتماعية مع الغرب. وكان أن سارعت الدول الغربية، بتأثير هذا التوجه الجديد، إلى إقامة مؤسساتها التي ترعى مصالحها، وتعمل على تحقيق أهدافها. ومن نماذج ذلك المبادرة إلى التوسع في الهيئات الدبلوماسية والقنصليات، وفتح كثير من المدارس التنصيرية، وإقامة مراكز ومؤسسات، لا هدف لها، إلا خدمة مصالح الدول الأجنبية.
    د. المشروطية

    يقصد بحركة المشروطية، التي اصطلح على تسميتها في العالم العربي بحركة الدستور، وفي الدولة العثمانية بالقانون الأساسي، ما أعلنه السلطان عبدالحميد الثاني (1293-1327هـ/1876-1909م) من الحياة النيابية على الطراز الحديث، وتقييد السلطة المطلقة، التي كان يمارسها سلاطين الدولة، ووضع شروط وحدود لا يتجاوزونها. وقد أطلق على تلك الفترة عهد المشروطية. ومرت بمرحلتين هما:

    الأولى: وفيها افتتح مجلس المبعوثان، في الرابع من ربيع الأول عام 1294هـ (19 مارس 1877م). وأُجريت انتخابات عامة، اشترك فيها سكان الولايات العثمانية ماعدا مصر، واجتمع مجلس النواب، وكان يسمى بمجلس المبعوثان. واستمر في أعماله إلى 14 فبراير 1878م، عندما أصدر السلطان عبدالحميد الثاني قراراً بتعطيل المجلس لأجل غير مسمى.إذ إنه وجد أن وضع الدولة العثمانية في مواجهة الأخطار الخارجية والحروب والثورات، يتطلب تفرغها لها، وجمع السلطات تحت سلطة واحدة وقوية، تستطيع القيام بأعبائها، بعيدة عن النزاعات التي تجري في المجلس، والتي يطالب فيها بعض المندوبين عن أقلياتهم باستقلالها عن الدولة، وآخرين بإعطاء امتيازات لطوائفهم التي يمثلونها.

    الثانية: المرسوم، الذي أصدره السلطان عبدالحميد الثاني، في الثاني من جمادى الأولى 1326هـ(24 يوليه 1908م)، بإعادة مجلس المبعوثان، الذي صدر به القانون الأساسي، عام 1293هـ(1876م)، على أساس دستوري. وذلك تحت ضغط جمعية الاتحاد والترقي، التي كانت تعد العدة للقيام بثورة ضد حكمه. وقد ضم المجلس الجديد 280 نائباً من مختلف الجنسيات وأهل الأديان الأخرى في الدولة العثمانية. وبعد افتتاح المجلس، تسلم زعماء الاتحاد والترقي زمام الأمور في الدولة العثمانية، وتمخض عن الأعمال، التي قامت بها، تنحي السلطان عبدالحميد عن سدة الحكم، وتعرض البلاد للفوضى، سواء في الثقافة والاقتصاد، أو في السياسة والاجتماع.
    4. سياسة الجامعة الإسلامية

    تعرف سياسة الجامعة الإسلامية بأنها: ذلك التيار الفكري والسياسي، الذي أبصر قادته وأنصاره أن هناك عدداً من التحديات، التي تواجه الشعوب الإسلامية، سواء أكانت تلك التحديات آتية من داخل الأوطان الإسلامية، كالتخلف الفكري، والروحي، والانحدار الحضاري، والصراعات الإقليمية والقبلية، أم آتية من الخارج، في شكل المد الاستعماري، الذي زحف من أوروبا على الشرق، وبخاصة في القرن التاسع عشر.

    وهذا التعريف ينطبق على ما كان يدعو إليه السيد جمال الدين الأفغاني. غير أن دعوته التجديدية لم تكن مجرد تجمع سياسي تحت امرة خليفة ما، سواء أكان عثمانياً أم عربياً أو أعجمياً، ضد مد النفوذ الأجنبي في العالم الإسلامي، كما كان يغلب على أفكار السلطان عبدالحميد الثاني في سياسته للجامعة الإسلامية؛ بل كانت دعوة للرجوع إلى الأصالة بجميع مقتضياتها العصرية. ويشير بعض الباحثين إلى أن "السيد جمال الدين" بدأ الدعوة إلى هذه الفكرة، منذ حجه إلى مكة المكرمة، عام 1273هـ (1857م)، وأنشأ فيها جمعية "أم القرى"، التي ضمت أعضاء من مختلف الأقطار الإسلامية. واستمر على هذا المنوال، وهو يحث على فكرته، متنقلاً بين الأقطار والعواصم الإسلامية، حتى استقر به المقام في باريس، فأصدر مجلة "العروة الوثقى" في (14 جمادى الأولى 1301هـ –27 ذو الحجة 1301هـ) الموافق (11 مارس 1884-17 أكتوبر 1884م) التي ركزت على :

    أ. مقاومة الاستعمار الغربي.

    ب. الدعوة إلى الجهاد.

    ج. أسباب تخلف المسلمين.

    د. الوحدة السياسية.

    برزت الدعوة إلى الجامعة الإسلامية، بوصفها فكرة سياسية، في عهد من عهود التاريخ الإسلامي، وكان لها سماتها الدولية وآثارها السياسية الفعالة، التي ترجع إلى السلطان عبدالحميد الثاني، الذي أيقن أن الدولة العثمانية لا يمكن إنقاذها من تسلط الدول الغربية الاستعمارية عليها ومطامعهم فيها، إلا بالرجوع إلى الدين، الذي يأمر بتوحيد المسلمين تحت ظل خليفتهم؛ فعمل على إحياء الجامعة الإسلامية، واسترداد ما كان لها في الماضي من الجلالة والهيبة. وكان من آثار مناداته بهذه الفكرة، من خلال ما لمنصبه من موقع وتأثير لدى المسلمين، أن توجّس الأوروبيون خيفة من ذلك، وأحسوا بخطر الفكرة على ما يخططون له ضد العثمانيين.

    ومن أجل تحقيق سياسة الجامعة الإسلامية، اتصل السلطان عبدالحميد بزعماء العالم الإسلامي والجماعات الإسلامية في الداخل والخارج. وحاول إنشاء علاقات متينة معهم، مستنداً في ذلك على المبادىء الآتية:

    أ. إن الوازع الديني عند المسلمين هو الأساس في معركتهم ضد الاستعمار الغربي.

    ب. إن الوحدة الإسلامية هي الطريق الوحيد لمقاومة الغزو الغربي.

    ج. إدخال إصلاحات إلى الدول الإسلامية في شتى الميادين، وبخاصة الثقافية والسياسية منها.

    د. توطيد الموقف الداخلي في مواجهة المعارضين لحكمه.

    هـ. العمل على الحد من نفوذ الدول الغربية في مستعمراتها.

    وقد نجح السلطان في سعيه نحو ربط المسلمين، الذين كانوا يعيشون تحت نير الاستعمار الغربي (مثل المسلمين الهنود) بإستانبول من الناحية المعنوية، بل نجحت سياسته في الوصول إلى البلاد الأفريقية والتوغل فيها، حتى أصبح اسمه يذكر ويدعى له على المنابر في الخطب. وقد ركز جهوده لتحقيق ثلاثة أهداف، هي:

    أ. الحفاظ على بقاء الدولة العثمانية ودوامها.

    ب. ضمان الوحدة المعنوية للمسلمين.

    ج. الحد من المد الصليبي والاستعماري تجاه العالم الإسلامي. وقد اتخذ السلطان عبدالحميد لضمان الوحدة المعنوية للمسلمين وسائل عدة. منها:

    (1) إنشاء معهد ديني لتخريج الدعاة.

    (2) إنشاء معهد العشائر.

    (3) إنشاء خط حديد الحجاز. وذلك بهدف تحقيق الآتي:

    * تسهيل الحج وجعله في متناول الجميع.

    * تقوية الحكم المركزي والقضاء على الثورات وتوطيد الأمن والاستقرار.


    * تنمية الحياة الزراعية على طول خط السير، والاستفادة من الأراضي القاحلة، ونقل المنتجات الزراعية، من مواقع زراعتها، إلى الأطراف البعيدة.

    كان من أثر حنكة السلطان السياسة أن كان أحد العوامل، التي ساعدت على بقاء الدولة ثلاثاً وثلاثين سنة محفوظة من السقوط، إضافة إلى عدم وقوعها في حرب أو فقدانها لأرض. ومما فعله السلطان أيضاً، في نطاق هذه السياسة، تودده إلى زعماء الأقليات الدينية والقومية، في محاولة منه للحيلولة دون نمو نزعاتها الانفصالية. وبذلك تم له القضاء على جانب كبير من ثوراتها وحركاتها. فعلى الصعيد العربي عين عدداً من مشاهير العرب، ممن كان لهم تأثير على أتباعهم، أمثال خير الدين التونسي، وعزت باشا العابد، ونعوم باشا السورى، ومحمود شوكت باشا في مختلف الوزارات وإدارات الدولة. كما قرر رفع معاشات موظفي الولايات العربية وبخاصة الحجاز. وأمر بتصنيف الإحصاءات المتعلقة بالبلاد العربية في بداية السالنامة (وهي الكتب السنوية التي كانت تصدر من وزارات الدولة وولاياتها والتي كانت تلخص أهم حوادث الدولة العثمانية)، في الوقت الذي كان يبدأ، في عهود أسلافه، بولاية أدرنة.

    وعلى الصعيد الإسلامي الخارجي، أرسل عدداً من الوفود إلى مختلف الشعوب الإسلامية، خارج نطاق الدولة العثمانية، لتقوية أواصر الأخوة الإسلامية، والوقوف ضد مخططات الاستعمار الغربي، وتأكيد الحرص على الولاء للخلافة الإسلامية والارتباط بعاصمتها، وطاعة خليفة المسلمين. وقرب إليه العلماء والمشايخ من مختلف البلاد والجماعات الإسلامية.

    كما أنشأ السلطان، على الصعيد العسكري، فيالق عسكرية ضخمة من الشعوب القاطنة تحت لوائها. وأعدها لصد أي عدوان خارجي على الدولة العثمانية من أي من القوى المعادية. ومن ثم تركت سياسته للجامعة الإسلامية أثراً جيداً في نفوس المسلمين، حتى انعكس ذلك على دعوات الزعماء الوطنيين، والشعراء المحافظين، وعلى الأعلام التي ناصرت تلك السياسة في مختلف الأقطار الإسلامية.

    وعلى الرغم من توجيه بعض الاتهامات إلى السلطان عبدالحميد الثاني بأنه لم يكن مخلصاً للجامعة الإسلامية، وأنه استغل دعوة جمال الدين الأفغاني لتعزيز مركزه وتأييد سلطانه، إلاّ أنه استطاع نشر الدعوة إلى الجامعة الإسلامية في أوسع نطاقها، وإحياء الشعور بالوحدة العامة والتضامن لدى جميع الشعوب الإسلامية، وكشف ما أظهرته الدول الغربية من عداء للمسلمين بأوضح صورة. ولعل مشروع خط حديد الحجاز، الذي تم تنفيذه بأموال المسلمين، خير مثال على نجاح تلك السياسة.
    5. الحرب العالمية الأولى وانقراض الدولة العثمانية

    أمسكت جمعية الاتحاد والترقي بزمام الأمور في الدولة العثمانية، وأطاحت بحكم السلطان عبدالحميد الثاني، الذي كان يتحاشى الحروب بقدر الإمكان، محاولاً تحويل صراع الدول الغربية وروسيا على الدولة إلى صراع فيما بينها. وكان برنامج الاتحاد والترقي في الحكم يتركز على التغريب، وإحلال المؤسسات الغربية محل المؤسسات الإسلامية في الدولة، والتركيز على تتريك الحكم والنظام، متأثرة في كل ذلك بالشعارات الغربية، مما أدى بها إلى التشجيع على القومية التركية. فحصل النفور بين الشعوب الإسلامية المنضوية تحت لواء الخلافة الإسلامية وبين برنامج الحكومة، ولا سيما بعد نشر الأفكار القومية لدى العرب أيضاً.

    وفي خضم ذلك، نشبت الحرب العالمية الأولى، عام 1333هـ (1914م)، التي تحالفت فيها الدولة العثمانية مع ألمانيا والنمسا، ضد بريطانيا وفرنسا وروسيا. على أنه لم يكن لديها أي استعداد لخوض غمار الحرب. وكان النصر، في السنتين الأوليين من الحرب، من نصيب الدولة العثمانية وحليفاتها، غير أن قيام الثورة العربية الكبرى، بزعامة الشريف حسين عام 1335هـ (1916م)، كان أكبر ضربة وجهت للدولة العثمانية والجامعة الإسلامية بوجه خاص. حيث فقدت الدولة مع نهايات الحرب، عام 1338هـ (1918م)، كل أملاكها في الجزيرة العربية، بل في معظم البلاد العربية. ووقعت عدة معاهدات، استهدفت تقسيم أملاك الدولة العثمانية. مثل معاهدة الآستانة عام 1334هـ (1915م)، ومعاهدة لندن عام 1334هـ(1915م)، ومعاهدة سايكس بيكو عام 1335هـ (1916م)، ومعاهدة سان جان دي مورين عام 1336هـ(1917م)، ثم معاهدة سيفر عام 1339هـ (1920م) التي عقدت في مدينة سيفر الفرنسية، وتخلت الدولة العثمانية بموجبها عما تبقى من أراضيها في تراقيا بما في ذلك مدينة أدرنة، وتخلت عن حقوقها في جزيرتي إمروز وتندوس. وقلصت تلك المعاهدة سيادة الدولة العثمانية، فقد حُدد عدد الجيش العثماني بخمسين ألف جندي، يخضعون لإشراف الضباط الأجانب، وحُدد سلاح الجيش والأسطول، وأعيدت الامتيازات الأجنبية، كما شُكِّلت لجنة جديدة للبت في الإشراف على الديون العثمانية، وعلى ميزانية الدولة، وعلى الضرائب، والرسوم الجمركية، وغيرها من الأمور المالية.

    وفي تلك الأثناء، شُكِّلت حكومة في أنقره، بزعامة مصطفى كمال آتاتورك، كانت منفصلة عن حكومة إستانبول. وبدأ النظام الجديد في أنقره، معلناً التمرد على حكومة إستانبول، وجعل من المجلس الوطني الكبير حكومة فعلية، حيث أقر المجلس، عام 1340هـ (1921م)، الدستور الجديد، ورفض كل المعاهدات التي أبرمتها حكومة إستانبول، وفي الوقت نفسه، عقد مصطفى كمال اتفاقاً مع روسيا، اعترفت روسيا بموجبه بالميثاق الوطني الذي أعلنته حكومة أنقره. كما عقد مؤتمر في لندن عام 1340هـ (1921م)، للتخفيف من شروط الصلح، مما أضفى طابعاً شرعياً على حكومة أنقره، في إرجاع القرار الخاص بوضع الأناضول إليها. وقد جرت عدة اتفاقات مع الدول المعنية في الانسحاب من بعض الأراضي التركية، فتنازلت روسيا عن باطوم، وفرنسا عن كيلكيا، وإيطاليا عن أنطاكيا، ونشب القتال مع اليونانيين، وانتصرت القوى الوطنية في معركة سقاريا على اليونانيين عام 1340هـ (1922 م). ورغم أن حكومة إستانبول دعت إلى مؤتمر لوزان إلى جانب حكومة أنقره، إلا أن الأخيرة قامت بإلغاء السلطنة من نظام الدولة العثمانية في 12 صفر 1341هـ (4 نوفمبر 1922م)، حتى لا تلقى القبول لدى المؤتمر، فاستقال الصدر الأعظم توفيق باشا، ولم يعين السلطان محمد السادس غيره مكانه، مما أشار إلى خضوع السلطان لحكومة أنقره. وسافر السلطان إلى بريطانيا لاجئاً، فعينت حكومة أنقرة عبدالمجيد أفندي خليفة في 26 ربيع الأول 1341هـ (16 نوفمبر 1922م)، متجرداً من صفة السلطان. وانتهت حرب الخلاص الوطني، وأُعلنت الجمهورية في 30 ربيع الأول 1341هـ (20 نوفمبر 1922م)، ثم أُلغ يت مؤسسة الخلافة من حياة تركيا في 28 رمضان 1342هـ ( 3 مايو 1924م)، وأُجبر أفراد أسرة آل عثمان على مغادرة تركيا نهائياً.

    وبذلك انطوت أخر صفحة من صفحات تاريخ الدولة العثمانية، ونشأت على أنقاضها الجمهورية التركية، التي اتخذت من العلمانية مبدأ لها في الحياة. وأُلغيت المؤسسات الدينية، وأُقيمت مكانها مؤسسات أخرى، مبنية على مبدأ فصل الدين عن الدولة.




    [1] وحدة من العملة المعدنية.

    [2] الكيسة: اسم للكيس الذي كان يوضع فيه مبلغ مالي معين. وكان كل كيس في عهد السلطان محمد الفاتح يساوي 30 ألف آقجة. وفي أواسط عهد السلطان سليمان القانوني عشرين ألف آقجة. وتغيرت تلك الكمية في بدايات القرن الثامن عشر الميلادي.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 7:03 am