أحوال الناس في استقبال رمضان:
يقول الله عز وجل: }إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى{ صدق الله، فإنه فيما يتعلق بمواسم الخير – وبخاصة شهر رمضان واستقباله واستعداد الناس له – نرى التباين، حسب درجة العبد من الإيمان والصبر واليقين، ومنزلته من اليقظة واغتنام ساعات العمر. وبقدر الإخلال بشيء من ذلك تبتعد مواسم الخير ومتاجر الآخرة عن حصول المقاصد الشرعية منها. فرمضان وليلة الجمعة ويومها – مثلا – يجعلها أهل الغفلة مواسم عبث ولهو.
فشهر رمضان من الناس من يستقبله بالضجر – نسأل الله العافية – على ما سيفقده من الأكل متى ما أراد والشرب متى ما أراد، ومنهم من يستقبله بالسفر والهرب عن بلاد المسلمين، ومنهم من يستقبله بالإكثار من أطعمة يخص بها رمضان، ومنهم من يستقبله بالفرح والاستبشار وحمد الله أن بلغه رمضان، وعقد العزم على أن يعمره بما يزيد حسناته ويقربه إلى ربه. وهؤلاء هم صلة السلف، حيث يؤثر عنهم أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، وثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم.
سبب استثقال بعض النفوس للأعمال الصالحة.
إن المؤمن ذا القلب السليم يقبل على أعمال الخير بقلب منشرح ونفس مستبشرة }قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{ [يونس:58]، ويستقبل المواسم الفاضلة حامدا الله على سعة فضله وعلى أن مد له في العمر حتى أدركها؛ لكن قد يحدث خلاف ذلك الفرح والاستبشار من بعض الناس. فما سببه؟
لعل من أسبابه:
1-تعلق القلب بشهوة أو شبهة، فتعلق النفس بشهوة ما يثقل عليها غالبا العبادة المرتبطة بها. كالتعلق بشهوة المال يثقل عليها عبادة الزكاة والصدقات، والتعلق بشهوة الطعام والشراب يثقل عبادة الصيام، والتعلق بالأهل والأولاد يثقل عبادة الجهاد، وهكذا.
فمحبة الأعمال الصالحة والاستبشار بها فرع عن محبة الله ومرتبط به، قال الله عز وجل: }وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{ [التوبة:124].
واستثقال الأعمال الصالحة والإعراض عنها أثر عن ضعف الإيمان وضعف محبة القلب لله. وإن شئت مصداقاً لهذا؛ فقارن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وجعلت قرة عيني في الصلاة»، وقوله: «أرحنا بها يا بلال»، بقول من يقول بلسان حاله أو مقاله: أرحنا منها.
هذا من آثار تعلق القلب بالشهوات، ومثل هذا؛ بل أخطر منه أثر الشبهات.
2-وهناك سبب آخر قد يوجد في بعض الناس، وهو أن يكون أحدهم قد حمل نفسه أكثر من طاقتها، وألزمها فوق ما تستطيع من الأعمال الصالحة، فينتج عن هذا: إما أن ينقطع عن ذلك العمل الصالح كلية فيتركه. أو أن يستبدل به عملاً مبتدعاً يكون أخف على النفس، أو أن يستمر على ما كان يفعله، لكن بغير إقبال نفس ولا انشراح صدر ولا محبة لهذا العمل الذي كلف نفسه به؛ لذا كان من أهم أسباب الاستقامة: لزوم هدي النبي صلى الله عليه وسلم
وثمة تنبيه مهم وهو أن الذي يحمد من الاستبشار بالطاعات والفرح بها إنما هو ما كان أثراً عن محبة العبد لربه، لا ما كان بسبب أن للنفس حظاً من تلك العبادة.
مثال ذلك: من يحب مجالس الخير ويفرح بها. تلك المجالس التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ»(1) ونحو هذا من الأحاديث، فمن كان يحب تلك المجالس ويحب أهلها؛ لأنها محبوبة إلى سبحانه فهذا هو المفلح الذي تنفعه محبته. أما من يحبها لما يجد فيها من أنس وتسلية، أو لمحبته أهلها حبا عاطفيا أو مزاجيا مجرداً، أو لما يجد فيها من أكل أو شرب أو نحو هذه المقاصد فشتان ما بينه وبين الأول.
لكن لا ينبغي أن يكون مخالطة شيء من حظوظ النفس للعبادة داعيا لترك تلك العبادة بحجة الخوف من عدم قبولها.
فهذا مزلق يحذر منه. وإنما الصواب أن تستكثر من العمل الصالح، وتجاهد نفسك في تكميل الإخلاص لله فيه.
([1]) صححه النووي في رياض الصالحين (باب فضل الحب في الله والحث عليه) الألباني في صحيح الجامع رقم (4207).