منتدى سيف الله للإبداع

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد, يشرفنا أن تقوم بالدخول وذلك بالضغط على زر الدخول إن كنت عضوا بالمنتدى.أو التسجيل إن كنت ترغب بالإطلاع على مواضيع المنتدى والمشاركة في أقسام المنتدى فقط إضغط على زر التسجيل و شكرا لك

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى سيف الله للإبداع

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد, يشرفنا أن تقوم بالدخول وذلك بالضغط على زر الدخول إن كنت عضوا بالمنتدى.أو التسجيل إن كنت ترغب بالإطلاع على مواضيع المنتدى والمشاركة في أقسام المنتدى فقط إضغط على زر التسجيل و شكرا لك

منتدى سيف الله للإبداع

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى سيف الله للإبداع

منتدى سيف الله للإبداع


    الأمراض الخفية والآثار الجلية

    SeIfElLaH
    SeIfElLaH
    مجلس المدراء
    مجلس المدراء


    الأوسمة : الأمراض الخفية والآثار الجلية 0ea39110
    عدد المساهمات : 4497
    نقاط : 6387
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 47

    الأمراض الخفية والآثار الجلية Empty الأمراض الخفية والآثار الجلية

    مُساهمة من طرف SeIfElLaH الأحد يناير 04, 2015 10:30 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم
    المقدمة
    الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الحي القيوم، والصلاة والسلام على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، نبينا محمد وعلى آله وصحبه... أما بعد:
    فالقلب مصدر السعادة والشقاء للإنسان، فإن احتوى على نفس مطمئنة ومؤمنة بلقاء الله وبجنته وناره؛ فصاحبه من السعداء، وإن احتوى على نفس أمارة بالسوء وتدفع للمعاصي والذنوب والفواحش؛ فصاحبه من الأشقياء - عياذًا بالله من ذلك - فإذا صلح القلب صلح سائر الجسد واستبشر صاحبه بالخير والنور، وكان من أهل الخير والسرور، فهو في الدنيا بصير العين والقلب، ذو بصيرة ونظر ثاقب، يراقب الله عَزَّ وَجَلَّ في السر والعلانية، يرجو رحمة الله، ويخشى عذابه، تتوق نفسه للقاء الله عَزَّ وَجَلَّ، ليجد ما أعد الله له من النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، فهو من السعداء في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة، علم حدود الله فوقف عندها ولم يتعداها ويتخطاها إلى ما حرم الله، بل التزم بما أمر الله به ورسولُه r، فهو وقَّاف عند حدود الله ومحارمه، يقوم بأوامر الله، ويجتنب بنواهيه، فهنيئًا لهذا القلب المطمئن هنيئًا له بما أعد الله له من نِعَم لا تعد ولا تحصى، وهذا هو القلب السليم.
    أما القلب الآخر وهو القلب السقيم المريض، فإنه قلب فاسد، وسيُفسد سائر الجسد، فصاحبه ذو قلب مكبوب منكوس تغيرت فيه ملامح الفطرة التي فطر الله النَّاس عليها، فهو يدعو صاحبه إلى فعل الفواحش الظاهرة والباطنة، لا يقف عند حدود الله، عرف محارم الله فارتكبها، واستوعب أوامر الله فتركها وانصرف عنها، استوثق بقَفل الذنوب والمعاصي، وأغلق عليه وأحكم الغطاء، فهذا الجسد الذي احتوى هذا القلب فهو كالبيت الخَرِب، دمار ظاهره وباطنه، فصاحبه لا يعرف معروفًا ولا يُنكر منكرًا، انكبَّ على الشهوات والهوى، أعمى البصر والبصيرة، مطموس الفطرة والخِلْقة، اجترأ صاحبه على فعل كل فاحشة ورذيلة، وارتكاب كل معصية وخطيئة، لا يردعه رادع، ولا يمنعه مانع، فهو لم يطع الخالق سبحانه، بل تعدَّى حدوده، قال تعالى: }وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ{[النساء: 14]، لا يمل ولا يفتُر عن مشاهدة الأفلام الخليعة، وسماع الأغاني الماجنة، لا يملُّ ولا يكل من العكوف على الدشوش وما فيها من هرج ومرج، وما فيها من بُعْد عن الله وأوامره، يفعل الفواحش غير آبه بما أعد الله له من العذاب والسعير في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة.
    فكيف بصاحب هذا القلب إذا أخذته ملائكة العذاب، سود الوجوه أصواتهم كالرعد القاصف، كيف بهذا المسكين عندما يوضع في قبره ليس معه أنيس ولا جليس إلا عمله القبيح، كيف به في وحشة القبور والعذاب يأتيه من كل مكان، فإنا لله وإنا إليه راجعون، كيف بهذا المخلوق إذا تشققت السماء بالغمام وتنزلت الملائكة الكرام، وتطايرت الصحف، فآخذٌ صحيفته باليمين وآخذٌ صحيفته بالشمال أو من وراء ظهره، كيف بهذا المسكين إذا قيل له: }اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا{
    [الإسراء: 14].
    ماذا تفعل يا مسكين إذا ناداك الملائكة للحساب والعتاب؟ إذا نوديت: أين فلان ابن فلان؟ تقدم للحساب، كيف ستُقابل جبار السموات والأرض وكل شيء مُحصى عنده؟ }فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى{[طه: 52]، كيف بك أيها الغافل عندما تنطق وتشهد عليك جوارحك بكل ما فعلته وقلته، يقول تبارك وتعالى: }يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{[النور: 24]، وقال تعالى: }وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{[فصلت: 19-20]، فأين المفر؟ وأين الملجأ؟ وأين المهرب؟ قال تعالى: }فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ{[الذاريات: 50]، ماذا ستقول للخالق سبحانه؟ ماذا ستقول لعالم الخفيَّات؟ قال تعالى: }يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ{[الحاقة: 18]، هذا القلب هو القلب المطموس بصيرته، المريض سريرته.
    قيل: إن لقمان دفع إليه سيده بشاة، وقال: اذبحها وائتني بأطيب ما فيها، فأتاه بالقلب واللسان، ثم بعد أيام أتاه بشاة أخرى وقال له: اذبحها وائتني بأخبث ما فيها، فأتاه بالقلب واللسان، فسأله سيده عن ذلك؟ فقال: ما أطيبهما إذا طابا، وما أخبثهما إذا خبثا.


    أسباب صلاح القلب:
    1- قراءة القرآن بالتدبر والتفكر فيه، وفيما صح عن النبي r.
    2- تقليل الأكل.
    3- قيام الليل وإحياؤه بالعبادة.
    4- الدعاء واغتنام أوقات الإجابة.
    5- مجالسة الصالحين.
    6- الصمت عما لا يعني.
    7- الابتعاد عن أهل الفسق والمعاصي.
    8- أكل الحلال والابتعاد عن أكل الحرام والمشتبه.
    9- اجتناب المنكرات والملاهي.
    10- اغتنام الأوقات بالنافع من الأقوال والأعمال.
    11- الإكثار من الصيام، والتتابع بين الحج والعمرة.
    12- الخلوة بالنفس ومحاسبتها.
    13- العلم بأن الله مطلع على الأقوال والأعمال.
    14- برُّ الوالدين.
    15- زيارة القبور، فإنها تُذكر الآخرة.
    16- الصدقة، وتفقد الفقراء والمساكين ومعرفة أحوالهم.
    17- زيارة المرضى، ومن يُعانون سكرات الموت.
    18- المحافظة على الصلوات جمعة وجماعات.
    19- التفكر في مخلوقات الله تعالى.
    20- النظر في عواقب الظَلَمَة والطغاة والمفسدين الذين قصهم القرآن، أو من نسمع عنهم في هذه الأزمان.
    أسباب مرض القلب:
    1- البعد عن الحق بعد معرفته، قال تعالى: }فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{[الصف: 5].
    2- أكل الحرام، فقد ذكر النبي r: «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمة حرام، ومشربه حرام، ومَلْبَسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك» [مسلم].
    3- فعل المعاصي، فإن المعاصي تؤثر في القلوب، قال تعالى: }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{[المطففين: 14].
    4- استماع المحرم من الكلام مثل الغناء وغيره، فالغناء صوت الشيطان، قال تعالى: }وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ{[الإسراء: 64].
    5- النظر المحرم، ومشاهدة الصور والأفلام الخليعة، والجلوس أمام الدشوش بالساعات الطويلة، لمشاهدة أفلام الرذيلة، والله عَزَّ وَجَلَّ يقول: }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ{[النور: 30-31].
    6- أصدقاء السوء، قال تعالى: }الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ{[الزخرف: 67].
    7- الانجراف في تيار الحياة الغادرة، قال r: «الدنيا ملعونة معلون ما فيها إلا ذكر الله وما ولاه وعالمًا ومتعلمًا» [الترمذي، وقال: حسن صحيح].
    ومن أسباب فساد القلب ومرضه ضد ما ذكرنا في أسباب صلاح القلب سابقًا، فلتراجَع للفائدة.
    أمراض القلوب:
    وللقلوب أمراض وأسقام صاحِبها من سخط الله قريب، وعن رضاه بعيد، تميز بها أراذل النَّاس وجهلاؤهم، حتى امتلأت صدورهم سوادًا وظلمة على عباد الله، لعدم رضاهم بربهم سبحانه، وبما أنعم به على كثير من خلقه ومنع منها الكثير، بحكمته وعلمه الذي وسع كل شيء، فتوقدت صدورهم نارًا وغلَّا وحقدًا على عباد الله غير راضين بقدره وقضائه، ومن هذه الأمراض:
    أولاً: الحسد
    الحسد داء عضال، وهو مرض خطير من أمراض القلوب، والحسد حمل ابن آدم على قتل أخيه، فالحسد يُبعد صاحبه عن التقوى ويُركبه الأهواء، فيضل ويغوى، يضيق صدر الحسود ويتألم ويتفطر إذا رأى نعمة أنعمها الله على أخيه المسلم، فيعاني من شدة البؤس والغيظ، فلا يشكو ما أصابه من حزنصابهمات
    وقلق إلا إلى الشيطان أو إلى نفسه الأمارة بالسوء، أو إلى من هو مثله في الحسد، فالحسود لا يفعل الخير ولا يحبه لإخوانه المسلمين، وغاية ما يتمناه هو زوال نعمة الله على عباده.
    إنه بهذا العمل قد سلك طريق الشيطان - عليه لعنة الله - فما منع الشيطان من السجود لأبينا آدم إلا الكبر والحسد - نعوذ بالله من ذلك - وما حمل قابيل على قتل هابيل إلا الحسد، والحسد من الأمور المحرمة والمنهي عنها في هذا الدين العظيم، إلا ما كان من قول النبي r: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق (أي أنفقه في القربات والطاعات) ورجل أتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويُعلمها» [متفق عليه].
    والحسد هو: تمني زوال النعمة عن صاحبها سواء كانت نعمة دين أو دنيا، والحسد من صفات أهل الشر والزيغ والفساد والإلحاد، والحسد بضاعة من بضائع الشيطان - وبئست البضاعة - بضاعة الشيطان، وا حسرة المشترين ويا ندامتهم، قال تعالى: }وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ{[فاطر: 43]، وقال تعالى: }أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ{[النساء: 54]، وقال تعالى: }وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ{[البقرة: 109].
    أنواع الحسد:
    وللحسد أنواع ومراتب ثلاث، يتفاوت النَّاس ويتدرجون فيها ما بين الحلال والحرام، وهذه المراتب هي:
    1- تمني زوال النعمة عن الغير: وهذه المرتبة من أخطر المراتب وأشدها حرامًا؛ لتحريم الدين لها، ولما في ذلك من تصادم مع قول الله عَزَّ وَجَلَّ، وقول نبيه r.
    2- تمني استصحاب عدم النعمة: لكراهية الحاسد أن يحدث الله لعبدٍ من عباده نعمة يمتن بها سبحانه على عبده، فالحاسد يتمنَّى دوام ما في محسوده من نقص أو عيب كالفقر والجهل، وهذا حرام.
    3- حسد الغبطة: وهو تمني أن تكون له مثل حال المحسود من غير أن لا تزول النعمة عن المحسود، وهذا ليس بحرام، بل ولا يعاب صاحبه؛ لأنه يسعى أن يكون له مثل ما أعطى الله لأخيه.
    أسباب الحسد:
    وللحسد أسباب نابعة من قلب الحاسد بحيث تجعله يمتلئ غيظًا وكمدًا على من يحسده، وقد يوصله ذلك إلى قتل محسوده عياذًا بالله من ذلك، ومن أبرز هذه الأسباب:
    1- عدم الرضا والقناعة بقسمة الله تعالى بين العباد في أمور الدنيا، فتجد هذا الحاسد ساخطًا دائمًا، ولسان حاله يقول: لماذا فلان عنده مال وأنا ما عندي؟ لماذا فلان في مركز مرموق وأنا لا؟ وهكذا.
    2- الحقد والعداوة والبغضاء: فالمبغض لا يحب أن يرى ممن يبغضه نعمة عليه من الله عَزَّ وَجَلَّ، بل على النقيض من ذلك.
    3- العجب: وهو داء خطير يدفع صاحبه إلى الحسد، بل يدفع صاحبه لرد الحق، فالمغرور والمعجب بنفسه لا يحب أن يعلو عليه أحد من الناس.
    4- الاشتراك في عمل واحد: فتجد بعض التجار يحسد صاحبه على إقبال النَّاس عليه وهو لم يأته إلا القليل، وكذلك الحسد الذي يتصف بعض الموظفين الذين يَتَّسِمون بالكسل لزملائهم المتميزين، وهذا لا يجوز؛ لأن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
    وما ظهر مرض الحسد في أمة إلا تفرقت وتناحرت وذهب مجدها وضعف سلطانها وأخذ أفرادها يكيد بعضهم لبعض، وعمَّ فيهم التنافس غير المحمود، وانتشر بينهم التباغض وهنا تكون الحياة في هذا المجتمع جحيمًا لا يطاق.
    أسباب دفع الحسد:
    ويمكن أن يندفع حسد الحاسد وشرَّه عن المحسود بأسباب عشرة، ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب «بدائع الفوائد» وأذكرها ملخصة فيما يلي:
    1- التعوُّذ بالله من شرِّه.
    2- تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه.
    3- الصبر على عدوه وأن لا يقاتله ولا يشكوه ولا يحدِّث نفسه بأذاه.
    4- التوكل على الله، }ومن يتوكل على الله فهو حسبه{، }ومن يتوكل على الله يهد قلبه{.
    5- فراغ القلب من الاشتغال بحاسده أو الفكر فيه وأن يقصد أن يمحوه من باله.
    6- الإقبال على الله والإخلاص له.
    7- تجريد التوبة إلى الله من جميع الذنوب والمعاصي.
    8- الصدقة والإحسان ما أمكنه ذلك.
    9- وهو من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها ولا يُوفَّق له إلا من عَظُم حظهُ عند الله وهو طفء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى وشرًا وبغيًا وحسدًا ازددتَ إليه إحسانًا وله نصيحة وعليه شفقة.
    10- وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب، وهو تجريد التوحيد والترحُّل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم.
    فعلى كل مسلم أن يتقي ربه سبحانه وتعالى، ويغسل قلبه من أدران الحقد والحسد ليسلم في تصوره ويستقيم في سلوكه، ويُحسن التعامل مع الآخرين، وصدق المصطفى r إذ يقول: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» [البخاري ومسلم]. وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [صحيح الجامع]. فعلى صاحب كل شر من حاقد وحاسد وغيرهما أن يعلموا بأن هذه أمراض فتاكة وخطيرة على الفرد والمجتمع.
    فالحاسد لا يضر إلا نفسه بحزنه وقلقه عندما يرى نعم الله على عباده، فعلى المسلم تجنب الحسد؛ لأنه من خُلق الأدنياء وصفة الجهلاء، فإذا رأى المسلم نعمة أنعم الله بها على عباده فعليه أن يسعى لأن يحصل على مثلها، ولا يتمنى زوالها عنهم، فينبغي للمسلم أن يُطهر قلبه، من هذا الداء العُضَال، ويُصلح سريرته، ويحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، ويفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، قال تعالى: }أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{[الزخرف: 32].


    ثانيًا: النميمة
    مرض خطير من أمراض القلوب وأدوائها، وعامة عذاب القبر منها - اللَّهمَّ أعذنا منها.
    والنميمة: هي نقل الكلام بين النَّاس (من شخص إلى آخر) بقصد الإفساد وإيقاع البغضاء والضغينة بين الناس.
    والنمام: هو الذي يتحدث مع القوم فينم عليهم، فيكشف ما يُكْرَه كشفه، سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو الثالث (النَّمَّام)، وسواء أكان الكشف بالعبارة أو بالإشارة أو بغيرهما.
    الدوافع إلى النميمة:
    1- العدواة والبغضاء بين الناس.
    2- مشاركة أصحاب السوء ورفاق الرذيلة حديثهم بالغيبة والنميمة.
    3- حب التحدث في أعراض النَّاس بالنميمة.
    4- إرادة السوء بالمحكي عنه.
    5- حب إثارة العداوة بين الناس.
    والنميمة محرمة بكتاب الله وسنة رسوله r:
    قال تعالى: }هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ{[القلم: 11] والهمَّاز: هو المغتاب.
    وقال تعالى: }مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{[ق: 18].
    وعن حذيفة t قال: قال رسول الله r: «لا يدخل الجنة نمام» [متفق عليه].
    وعن ابن عباس رضي لله عنهما: أن رسول الله r مرَّ بقبرين، فقال: «إنهما ليعذبان، وما يُعذبان في كبير بلى إنه كبير، أمَّا أحدهما فكان يمشي بالنَّميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله» [متفق عليه].
    والنميمة داء عُضال وسِقم بطال، ابتُلي بها بعض النَّاس - أصلحهم الله - وهي من كبائر الذنوب التي تستحق العقوبة.
    SeIfElLaH
    SeIfElLaH
    مجلس المدراء
    مجلس المدراء


    الأوسمة : الأمراض الخفية والآثار الجلية 0ea39110
    عدد المساهمات : 4497
    نقاط : 6387
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 47

    الأمراض الخفية والآثار الجلية Empty رد: الأمراض الخفية والآثار الجلية

    مُساهمة من طرف SeIfElLaH الأحد يناير 04, 2015 10:30 pm

    عقوبة النَّمام:
    في الدنيا: فإذا عُرف من أفسد بين النَّاس فينبغي أن يُتخذ بحقه الجزاء الرَّادع والحازم من قِبَلِ من بيده الأمر.
    وفي القبر: ما ذكرناه في الحديث السابق من عذاب النَّمام، العذاب الذي لا يعلم به إلا الجبار سبحانه وتعالى.
    وفي الآخر: «لا يدخل الجنَّة نمام» [متفق عليه].
    عن أبي هريرة t قال: قال النبي r: «تجد مِن شرار النَّاس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» [البخاري ومسلم والترمذي].
    وروي عن علي t أن رجلاً سعى إليه برجل، فقال له
    علي t: «يا هذا، نحن نسأل عما قلتَ، فإن كنتَ صادقًا مقتناك، وإن كنت كاذبًا عاقبناك، وإن شئتَ أن نُقيلك أقلناك، فقال الرجل: أقلني يا أمير المؤمنين».
    وروي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئًا، فقال له عمر: «إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنتَ كاذبًا فأنت من أهل هذه الآية: }إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا{ [الحجرات: 6]، وإن كنت صادقًا فأنت من أهل هذه الآية: }هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ{ [القلم: 11]، وإن شئت عفونا عنك، فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبدًا».
    وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: «من نمَّ إليك نم عليك».
    ورفع إنسان رقعة إلى الصاحب بن عبَّاد يحثه فيها على أخذ مالِ يتيم، وكان مالاً كثيرًا، فكتب على ظهرها: «النميمة قبيحة، وإن كانت صحيحة، والميت يرحمه الله، واليتيم جبره الله، والمال نمَّاه الله، والساعي (النمام) لعنه الله».
    قال الشاعر:

    تنح عن النميمة واجتنبها




    فإن النمَّ يحبط كل أجر


    يُثير أخو النميمة كلَّ شرٍّ



    ويكشف للخلائق كلَّ سرِّ


    ويقتل نفسه سواه ظلمًا



    وليس النمُّ من أفعال حر
    >

    كيف تتعامل مع النَّمام:
    قال الإمام الذهبي: كل من حُملت إليه نميمة، وقيل له: قال فيك فلان، كذا وكذا لزمه ستة أحوال:
    أولاً: ألا يُصدقه، لأنه نمام فاسق، مردود الخبر.
    ثانيًا: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويُقَبِّح فعله.
    ثالثًا: أن يُبغضه في الله عَزَّ وَجَلَّ، فإنه بَغيض عند اللهِ، والبغض في الله واجب.
    رابعًا: ألا يظن في المنقولِ عنه السوء، لقوله تعالى: }اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ{[الحجرات: 12].
    خامسًا: ألَّا يحمله ما حكي له على التجسس والبحث عن تحقق ذلك مِصداقًا لقوله تعالى: }وَلَا تَجَسَّسُوا{[الحجرات: 12].
    سادسًا: ألا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه، فلا يحكي نميمة.
    فالنمام لا يعرف للشهامة سبيلاً، ولا للمروءة طريقًا، والنميمة من أكبر المصائب، وأشد الرزايا على المجتمعات.
    فكم من أُسَر تفككت، وكم من أخوة تنازعوا وتقاطعوا وتدابروا من أجل النميمة، فمَن أتاك ينم إنسان فلا تستأنس من كلامه، وازجره وأمنعه من ذلك، فمن نقل لك سينقل عنك، فانتبه واحذر واحفظ لسانك من قول الحرام، وأذنك عن سماع الحرام، ويكفي النمام أنه لا يدخل الجنة، بل هو من أهل النيران - نعوذ بالله من النَّار - لأن النميمة بضاعة من بضائع الشيطان البخيسة الثمن، فمن اشترى هذه البضاعة فهو من حزب الشيطان، والله يقول: }أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ{[المجادلة: 19]، والنميمة من الفساد والإفساد بين الناس، والله تعالى يقول: }إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ{[القصص: 77].
    والنميمة صفة من صفات إبليس عدو الإنسان، ومكيدة من مكائده، فينبغي على الإنسان أن يحذر من هذه الصفة السيئة القبيحة الممقوتة.
    فمن استحل النميمة وهو عالم بحرمتها يُحرم الله عليه الجنة، وإن لم يستحلها، فهو تحت المشيئة، ويجب أن يبغض النمام لأن الله يُبغضه.
    ثالثًا: الغيبة
    وهي داء مسموم، وعَرض من عروض التجارة الخاسرة، مع الشيطان.
    والغيبة: هي ذكر الإنسان بما يكره.
    والغيبة تذهب الحسنات، وإذا قلتَ في أخيك كلمة يكرهها فأنت له بها مغتاب، وهو لا يكره كلمة تقال فيه إلا إذا كان فيها عيبًا يريد سِتره عن النَّاس، وهذا العيب تريد أن تكشفه أنت للناس حتى يحتقروه، ويبغضوه، ويحترسوا منه، لئلا يصاحبوه، وإذا أراد مصاهرتهم رفضوه، وإذا تقدم إلى عمل منعوه، لأنك حقرته عندهم فاحتقروه، بل وتريد أن لا يردوا عليه السلام إذا سلم عليهم.
    أخي الكريم: هذا أمر مؤلم للقلب ومؤسف للنفوس، لا يرضاه ذو دين وعقل، فينبغي على المسلم إذا أتاه من يغتاب إنسانًا عنده، رده حتى يتبين له صدقه من عدمه.
    قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ{[الحجرات: 6]. وقال تعالى: }وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ{[الحجرات: 12].
    كم من أُسَرٍ تفككت، وكم من ديار قد خُرِّبت، وكم من بيوت هُدِّمت، وكم من حروب اشْتَعلت، كل ذلك بسبب الغيبة والنميمة - أعاذ الله المسلمين منها - قال r: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت» [متفق عليه].
    قال النووي رحمه الله: «اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه مصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه؛ لأنه قد يجر الكلام المباحث إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يدلها شيء » اهـ.
    فإذا وثق الإنسان من أن كلامه فيه خير تكلم، وإذا شك في مصلحة الكلام فالسكوت من ذهب.
    والغيبة: ذكر الإنسان في غيبته بما يكره من قول أو عمل، قال r: «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله رسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟، قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» [مسلم].
    الفرق بين الغيبة والبهتان والشتم:
    الغيبة: قال الجرجاني: الغيبة: ذكر مساوئ الإنسان في غيبته وهي فيه، وقيل: إن الغيبة: ذكر العيب بظهر الغيب. وقال ابن الأثير: الغيبة: أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء وإن كان فيه. وقال ابن التين: الغيبة: ذكر المرء ما يكرهه بظهر الغيب. وكل هذه التعاريف بمعنى واحد.
    البهتان: ذكر مساوئ لإنسان وهي ليست فيه.
    الشتم: ذكر المساوئ في مواجهة المقول فيه.
    أسباب الغيبة:
    للغيبة أسباب عديدة مبعثها التنقص من المرء المغتاب
    لأسباب منها:

    1- شفاء غيظ المغتاب بذكر مساوئ من يغتابه.
    2- مجاملة الأصدقاء والرِّفاق ومشاركتهم فيما يخوضون فيه من الغيبة.
    3- ظن المغتاب في غيره ظنًا سيِّئًا مدعاة إلى الغيبة.
    4- أن يُبرِّئ المغتاب نفسه من شيء وينسبه إلى غيره أو يذكر غيره بأنه مشارك له.
    5- رفع النفس وتزكيتها بتنقيص الغير.
    6- حسد من يثني عليه النَّاس ويذكرونه بخير.
    7- الاستهزاء والسخرية وتحقير الآخرين.
    وعن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: «لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم النَّاس ويقعون في أعراضِهم» [أحمد وأبو داود بإسناد صحيح].
    وعن المستورد t أن النبي r قال: «من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم...» [أحمد وأبو داود وصححه الألباني].
    وعن أبي هريرة t مرفوعًا: «من أكل لحم أخيه في الدنيا قُرب له يوم القيامة، فيقال له: كله ميتًا كما أكلته حيًّا، فيأكله ويكلح ويصيح» [حسَّن سنده الحافظ ابن حجر في الفتح].
    وعن أبي الدرداء t، عن النبي r قال: «من ذكر امرأ بشيء ليس فيه ليَعيبه به حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاد ما قال فيه» [الترغيب والترهيب، وجود إسناده الطبراني].
    قال عمر بن الخطاب t: « عليكم بذكر الله تعالى فإنه شفاء، وإياكم وذكر النَّاس فإنه داء».
    وعن عمرو بن العاص t، أنه مرَّ على بغل ميت فقال لبعض أصحابه: «لأن يأكل الرجل من هذا حتى يمتلئ بطنه خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم».
    وقال الحسن رحمه الله: «ذكر الغير ثلاثة: الغيبة والبهتان والإفك، وكل في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، فالغيبة أن تقول ما فيه، والبهتان أن تقول ما ليس فيه، والإفك أن تقول ما بلغك».
    وقال أيضًا رحمه الله: «والله للغيبة أسرع في دين الرجل من الأكَلَة في الجسد».
    من أضرار الغيبة:
    1- صاحب الغيبة يعذب في النَّار بأكل النتن القذر.
    2- ينال عقاب الله في قبره.
    3- تذهب أنواع إيمانه وآثار إسلامه.
    4- لا يغفر له حتى يعفو عنه المغتاب.
    5- الغيبة مِعْول هدم وشر مستطير.
    6- تؤذي وتضر وتجلب الخصام والنفور.
    7- مرض اجتماعي يقطع أواصر المحبة والمودة بين المسلمين.
    8- دليل على خِسة المغتاب ودناءة نفسه.
    فأمر الغيبة عظيم وخطرها جسيم، قال المصنف في الأذكار: «فأما الغيبة فهي ذكرك الإنسان بما فيه مما يكرهه سواء كان في بدنه أو دينه أو دنياه، أو نفسه أو خُلُقه، أو خَلْقه أو ماله أو ولده أو والداه أو زوجه أو خادمه أو مملوكه أو عمامته أو ثوبه أو مشيته أو حركته، وبشاشته، وخلاعته، وعبوسه، وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به». اهـ
    وقد شبَّه الله عَزَّ وَجَلَّ المغتاب كمن يأكل لحم إنسان ميت، فالنفوس والطباع السليمة تنفر وتتقزز من أكل لحم الميتة من بهيمة الأنعام، فكيف بجثة إنسان ميت، واعلم كما أن الغيبة محرمة فاستماعها أيضًا محرم، فيجب على من سمع إنسان يتكلم بغيبة أن يحذره من عواقبها وينهاه عنها، فإن لم ينته وجب عليه أن يقوم ويتركه، كذلك ينبغي للمسلم أن يرد ويَذُب عن عِرض أخيه المسلم إذا سمع من يغتابه، قال r: «من رَدَّ عن عِرْض أخيه رَدَّ الله عن وجهه النَّار يوم القيامة» [الترمذي وهو حسن].
    أسباب إباحة الغيبة:
    وتباح الغيبة في ستة أمور، إذا كان الغرض منها صحيحًا وشرعيًّا، وهذه الأسباب هي:
    1- التظلم: فيقول ظلمني فلان بكذا.
    2- الاستعانة على تغيير المنكر بمن يستطيع إزالته ورد العاصي إلى الصواب، فيقول: فلان يعمل كذا وكذا.
    3- الاستفتاء: ظلمني فلان... بكذا وكذا، فهل له ذلك.
    4- تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم: فمن شاوره في إنسان يريد الزواج من بناته مثلاً فعليه إبداء المساوئ التي في ذلك الخاطب بنية النصيحة.
    5- المجاهرة بالمنكر: فهذا يجوز ذكره بما يجاهر به من أجل النصيحة.
    6- التعريف: فمن كان معروفًا عند النَّاس بلقب معين مثل: الأصم، الأعرج... فيجوز تعريفهم بذلك، ويحرم تسميتهم بذلك من جهة التنقص والعيب.
    فيا أخي الكريم: هل سلمت من كل عيب؟ هل عصمك الله من كل نقص؟
    الجواب: لا، إذًا فتش وابحث عن عيوب نفسك أولاً وعالجها، فوالله لو بقيت الدهر كله تبحث وتعالج عيوبك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، إذًَا احذر أعراض المسلمين والتعرض لها بأي سوء، فإن ذلك مما قد يفسد عليك دينك ويوقعك في الخاتمة السيئة، فتدارك نفسك قبل فوات الأوان.
    رابعًا: الرياء
    إن دين الإسلام ليس دين مظاهر وإشهار الأعمال أمام النَّاس من أجل المراءاة بها، فالأعمال إن لم تكن خالصة لله عَزَّ وَجَلَّ فصاحبها ممقوت عند الله وعند الناس، فمن أراد بأي عمل لله أراد به عرضًا من الدنيا فعمله مرفوض عند الله تعالى، فكم من أناس تاجروا واشتروا بضاعة الشيطان الكاسدة الخاسرة تلك البضاعة المزجاة، وكم من أناس تلبسوا بلباس الشيطان وحذوا حذوه، واقتفوا أثره فزلت أقدامهم، فمن ابتغى بأعماله الدنيا وراءى بها أهل الدنيا، أخذ نصيبه في الدنيا، أما في الآخرة فتجيء أعماله كالجبال فيجعلها الله عَزَّ وَجَلَّ هباءً منثورًا، قال تعالى: }وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا{[الفرقان: 23].
    فالرياء داء عُضال ينبغي لكل مسلم أن يحذره، فهو محبط للأعمال - ولا حول ولا قوة إلا بالله - وهو من صفات المنافقين الذين وصفهم الله بقوله: }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا{[النساء: 142]، وقد توعدهم الله بأشد العذاب، قال جل من قائل سبحانه: }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا{[النساء: 145]، فالرياء صفة من صفات المنافقين - أعاذنا الله منها - فهم لا يصلون ولا يصومون ولا يتصدقون ولا يفعلون الخير إلا من أجل أن يحمدهم النَّاس على ذلك الفعل، قال تعالى: }لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{[آل عمران: 188].
    فهؤلاء هم شر الخلق وأسوأ النَّاس فاحذرهم وحذر منهم، فالرياء مبعد عن الجنان، مقرب للنيران.
    عن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله r يقول: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» [مسلم].
    والرياء شرك فصاحبه أشرك مع الله غيره في الأعمال التي لا تكون إلا لله عَزَّ وَجَلَّ.
    فالمرائي يأخذ ثوابه في الدنيا، أما في الآخرة فله العذاب جزاءً وفاقًا، والله لا يظلم مثقال ذرة، وصدق الله إذ يقول: }وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ{[ق: 29]، وقال تعالى: }ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ{[الحج: 10]، وقال عَزَّ وَجَلَّ: }وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{[العنكبوت: 40]، فيوم القيامة يهان المراؤون ويُذلون، لأنهم يُسحبون على وجوههم موضع كرامتهم في الدنيا.
    وذكر في «بهجة الناظرين» قال: فقد سماه رسول الله r «شرك السرائر» كما في حديث محمود بن لبيد t الصحيح قال: خرج النبي r فقال: «يا أيها الناس، إياكم وشرك السرائر، قالوا: يا رسول الله، وما شرك السرائر؟ قال: يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جادًّا لما يرى من نظر النَّاس إليه فذلك شرك السرائر».
    وسماه «الشرك الخفي» كما في حديث أبي سعيد الخدري t عن الحسن قال: قال رسول الله r: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل إليه».
    وسمَّاه: «الشرك الأصغر» كما في الحديث الذي أخرجه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم، قال: قال رسول الله r: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جُزى النَّاس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء»، حينئذ يقلب المرائي كفَّيه ندمًا وحسرة على ما راءى به من أعمال في الدنيا، وكذلك يريه الله أعماله وقد ذهبت هباءً منثورًا.
    فاحذر أخال الإيمان الرياء فإنه شر بلاء، ويذر الأعمال هباء، فمن راءى في الدنيا جعل الله ثوابه في الدنيا يتحدث النَّاس عنه، ويوم القيامة له العذاب الأليم، وسيفضحه الله عَزَّ وجَلَّ على رؤوس الخلائق جزاء لعدم إخلاصه، وقد يُحْرَم من دخول الجنة، فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «من تعلم علمًا مما يُبتغي به وجه الله عَزَّ وَجَلَّ لا يتعلمه إلا لصيب به عَرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» [صحيح أبو داود وغيره]، وعرف الجنة: يعني ريحها.
    فالله الله إخوة الإيمان في الإخلاص في القول والعمل، فالله تبارك وتعالى أمرنا بذلك في سورة البينة، قال تعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ{[البينة: 5].
    عن أبي ذر t قال: قيل لرسول الله r: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده النَّاس عليه؟ قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» [مسلم]، فمن أخلص عمله لله عَزَّ وَجَلَّ فحمده النَّاس عليه فليس هذا من باب الرياء، فالله تعالى يجازيه في الدنيا بشهادة النَّاس له بالخير والثناء عليه بما هو أهل له من عمل الخير ويُجازيه في الآخرة بالجنة، وفي هذا أيضًا دليل على رضا الله ومحبته لهذا العبد، فمن أحبه الله عَزَّ وَجَلَّ وضع له القبول في الأرض.
    فيُسَر العبد بفضل الله تعالى عليه، أما المرائي فإنه يورد نفسه المهالك والمصاعب ليحظى بالقبول، وهيهات هيهات، فإن الله سبحانه يحقره، ويصغره.
    فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عَزَّ وَجَلَّ في السر والعلانية والإخلاص في كل صغيرة وكبيرة من الأعمال والأقوال.
    SeIfElLaH
    SeIfElLaH
    مجلس المدراء
    مجلس المدراء


    الأوسمة : الأمراض الخفية والآثار الجلية 0ea39110
    عدد المساهمات : 4497
    نقاط : 6387
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 47

    الأمراض الخفية والآثار الجلية Empty رد: الأمراض الخفية والآثار الجلية

    مُساهمة من طرف SeIfElLaH الأحد يناير 04, 2015 10:30 pm

    خامسًا: الكِبر والعُجب
    ذلك الداء المحبط للأعمال والذي ابُتلي به بعض النَّاس - هداهم الله - داء العُجب والكِبر داءٌ تفشى واستشرى في كثير من المجتمعات ومن أسبابه:
    1- فضيلة ونعمة فضَّل الله بها ذلك الإنسان، فيعجب ويغتر بها في نفسه فيترفع بها على عباد الله.
    2- عدم معرفة حق الله تعالى عليه من شكر هذه النعم.
    3- عدم الخوف من الله عَزَّ وَجَلَّ.
    4- كذلك من الأسباب، نسي ذلك المتكبر أن هذه النعم لا تدوم إلا بالشكر، قال تعالى: }لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{[إبراهيم: 7]، فمن كُفر النعمة أن لا يعرف حق الله فيها ولا يشكره عليها، فكما أن الله أعطاه هذه النعم فقد يسلبها منه، وليس الله بظالم له، بل ذلك المتكبر هو الظالم لنفسه.
    5- عدم وقر الإيمان في القلب.
    6- عدم تذكر الموت وما أعد الله في القبر للمتكبرين من العذاب.
    7- عدمت تذكر الوقوف بين يدي الجبار المتكبر سبحانه، فمن تكبر على الله أذله الله.
    أنواع الكبر:
    وللكبر أنواع ثلاثة يجب على العاقل الحذر منها وهي:
    1- التكبر على الله عَزَّ وَجَلَّ: وهو أفظع أنواع الكبر وأخبثها على الإطلاق، وما ذاك إلا بسبب الجهل وسوء الأدب مع الله تعالى، وعدم معرفته سبحانه حق معرفته، وأدلة ذلك كثيرة في القرآن الكريم، ومنها:
    تكبر فرعون الطاغية على ربِّ العزة والجلال حيث قال: }أنا ربكم الأعلى{[النازعات: 24].
    وقول النمرود لإبراهيم الخليل عليه السلام: }أنا أحيي وأميت{[البقرة: 258].
    وقول كفار قريش عندما أمروا بالسجود للرحمن: }وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا{[الفرقان: 60].
    2- التكبر على رسل الله عليهم الصلاة والسلام، وهو أمر خطير ومؤدي إلى الهاوية، وآذان بالخسارة لمن فعله، فالله جل وعلا لم يرسل الرسل إلا مبشرين ومنذرين، فمن أطاعهم وتواضع لهم كان حظه جنة المأوى، ومن عصاهم وتكبر عليهم وعاندهم كان له كفل من نار تلظى، وتلك عاقبة الكفرة والمتجبرين والمتكبرين، ولذلك أمثلة في كتاب الله تعالى منها:
    كقول فرعون وحزبه متكبرين على موسى وأخيه هارون عليهما السلام: }أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ{[المؤمنون: 47].
    وكذلك استهزاء الكفار بالنبي r في قولهم: }وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا{[الفرقان: 41]، وقولهم: أيضًا في الاستهزاء بالنبي r: }وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ{[الزخرف: 13].
    3- التكبر على عباد الله تعالى، وحدث عن هذا النوع من الكبر ولا حرج، وهذا واقع ملموس في عصرنا هذا، والشواهد عليه أكثر من أن تحصر.
    فإن الإنسان لا يتكبر على أحد حتى يعجب بنفسه، ويرى لها على غيرها الفضل، فمن العُجب يتولد الكبر، قال تعالى: }تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{[القصص: 38].
    قال ابن كثير في تفسيره: «يُخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين الذين لا يريدون علوًّا في الأرض، أي: ترفعًا على الخلق وتعاظمًا وتجبرًا، ولا فسادًا فيهم، أي: عملاً بالمعاصي».
    وقال ابن سعدي في تفسيره: «الدار الآخرة نجعلها دار وقرارًا للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا، أي: ليس لهم إرادة، فكيف العمل للعلو في الأرض على عباد الله والتكبر عليهم وعلى الحق، فإن كانوا لا إرادة لهم في العلو في الأرض ولا الفساد، لزم من ذلك أن تكون إرادتهم مصروفة إلى الله وقصدهم الدار الآخرة، وحالهم التواضع لعباد الله والانقياد للحق والعمل الصالح، وهؤلاء هم المتقون الذين لهم العاقبة الحسنى، ولهذا قال: }والعاقبة{ أي: حالة الفلاح، والنجاح التي تستقر وتستمر لمن اتقى الله تعالى، وغيرهم المتكبرون وإن حصل لهم بعض الظهور والراحة فإنه لا يطول وقته، ويزول عن قريب، وعلم من الآية الكريمة أن الذين يريدون العلو في الأرض، أو الفساد ليس لهم في الدار الآخرة نصيب، ولا لها منها حظ».
    قال تعالى: }وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا{[الإسراء: 37-38].
    فهذا نهي عن التكبر وأنها صفة سيئة يكتسبها الإنسان ويكتسيها فيبغضه الله تعالى، ثم يبغضه الناس، فهو مهما تكبر وأعجب بنفسه فلن يخرق الأرض ولن يبلغ طولاً مثل الجبال فعلام يتكبر المرء؟!
    فالمتكبر يختال في مشيته ويتبختر في خطاه، ولذلك يستحق غضب الله، كما قال رسول الله r في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري في «الأدب المفرد»: «ما من رجل يتعاظم في نفسه ويختال في مشيته إلا لقي الله تعالى وهو عليه غضبان».
    والمتكبرون يحشرون يوم القيامة في صور الذر يطأهم النَّاس لهوانهم على الله فهم شرار الخلق، فها هو قارون عدو الله أعطاه الله عَزَّ وَجَلَّ من الكنوز والأموال ما شاء الله له ذلك، فما عرف حق الله فيها، فبدل أن يشكر الله على هذه النعمة كفر بها، وتكبر على النَّاس وتبختر واختال وأعجب بنفسه، فبينما عدو الله يختال في مشيته، إذ خسف الله به وبأمواله وبداره الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، فانتبهوا أيها الناس.
    عن عبد الله بن مسعود t، عن النبي r قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنًا؟ قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطرُ الحق وغمط الناس» [مسلم].
    بطر الحق: عدم قبول الحق ورده على قائله.
    وغمط الناس: احتقار الناس.
    هذا هو الجزاء الأوفى لمن كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فجزاؤه أن يُحرم يوم القيامة من دخول الجنة - نعوذ بالله من ذلك - فالمتكبر يرد الحق ولا يقبله، وذلك تكبرًا وتجبرًا وترفع على الناس، فالكبر من الذنوب العظيمة التي تستحق العذاب من الله تعالى في الدنيا والقبر والآخرة.
    أدلة في ذم الكِبر والعُجب:
    وإليك أخي الكريم هذه الأحاديث الصحيحة عن ذم الكبر والعجب كي تتجنبها وتحذر منها.
    1- عن حارثة بن وهب t قال: سمعت رسول الله r يقول: «ألا أخبركم بأهل النَّار؟ كل عتل جواظ مستكبر» [متفق عليه].
    العتل: الغليظ الجافي. الجواظ: الضخم المختال في مشيته.
    2- وعن أبي سعيد الخدري t، عن النبي r قال: «احتجت الجنة والنَّار فقالت النَّار: فيَّ الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: فيَّ ضعفاء النَّاس ومساكينهم، فقضى الله بينهما: أنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وأنك النَّار عذابي أعذب بك من أشاء ولكليكما علي ملؤهها» [مسلم].
    فالكِبر طريق ممهد، ومسلك سهل إلى النَّار، فأين الراغبون في الجنان؟!
    3- وعن أبي هريرة رضيًا لله عنه قال: قال رسول الله r: «قال الله عَزَّ وَجَلَّ: العزُّ إزاري، والكبرياء ردائي، فمن ينازعني عذبته» [مسلم].
    فصفة العزة والكبرياء لله عَزَّ وجَلَّ، فمن نازع الله في صفة من صفاته أدخله النَّار، والله ليس بظالم له، بل ذلك المتكبر هو الظالم لنفسه.
    4- وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «بينما رجل يمشي في حُلَّة تُعجبه نفسه، مُرَجَّل رأسه (أي ممشطه) يختال في مشيته، إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها (يغوض وينزل فيها) إلى يوم القيامة» [متفق عليه]، فهذا عذابه في القبر إلى أن تقوم الساعة.
    فهل بعد كل هذا سيتكبر المتكبرون، ويتجبر المتجبرون أم هل سيختال المختالون، فالحذر الحذر عباد الله من هذه الصفات الشنيعة الدنيئة.
    وما أجمل التواضع لله ولعباد الله، فهو أساس الرفعة والعلو في الدنيا والآخرة، وقد أمر الله عباده بالتواضع ولين الجانب لبعضهم البعض وعدم التكبر أو الترفع فقال جلَّ جَلاله: }وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{[الشعراء: 215]
    وعن عياض بن حمار t قال: قال رسول الله r: «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد» [مسلم].
    وعن أبي هريرة t، أن رسول الله r قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» [مسلم].
    وعن أنس t أنه مر بصبيان فسلم عليهم وقال:كان
    رسول الله
    r يفعله. [متفق عليه].
    فمن النَّاس اليوم من لا يسلم على الأطفال ولا يداعبهم ولا يلاطفهم، فالنَّاس فيهم مابين متكبر وجاهل بهذا الفعل النبوي الكريم.
    أنواع التواضع:
    1- ومن أنواع التواضع: التواضع مع نِعَم الله عَزَّ وَجَلَّ، فبالشكر تدوم النعم، فعن أنس t، أن رسول الله r كان إذا أكل طعامًا لعق أصابعه الثلاث، قال: وقال: «إذا سقطت لقمة أحدكم فليُمط عنها الأذى، وليأكلها ولا يدعها للشيطان» وأمر أن تُسلت القصعة، قال: «فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة» [مسلم].
    2- ومن صور التواضع وأنواعه: ما رواه أبو هريرة t عن النبي r قال: «ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم» قال: أصحابه: وأنت؟ فقال: «نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة» [البخاري].
    3- وحال الدعوة إلى الوليمة اليوم حال تسخط منها النفوس، ويخاف منها الإصابة بجائحة، تبديل هذه النعم إلى نقم، وتحول الغنى إلى فقر، فالوليمة اليوم لا يدعى إليها إلا الأغنياء والرؤساء ومن لديهم المصالح المشتركة، أما الفقراء والمساكين فلا يجزأن يدعو إليها، وهذا والله من الجهل المركب لدى كثير من الناس، فبئس طعام الوليمة يدعى إليه الأغنياء ويترك الفقراء، بل هل ينصر النَّاس ويرزقون إلا بضعفائهم وفقرائهم، كما جاء ذلك عن النبي r، ومما يجعل العقول منذهلة مستغربة مستنكرة أن البعض لا يرضى بالدعوة إلا إذا كان فيها أصناف الطعام وألوانه، وأشكاله وأطايبه، فإن لم يكن ذلك موجودًا ما أعار تلك الدعوة اهتمامًا، ولا أقام لها وزنًا ولا قدرًا، وهذا من ضعف اليقين وقلة الدين، والتكبر والغرور على نِعَم الله وعباد الله، فأين أولئك من قول النبي r: «لو دعيت إلى كراع أو ذِراع لأجبت، ولو أهدي إليَّ ذِراع أو كراع لقبلت» [البخاري].
    فانظر إلى المعلم الأول صلوات ربي وسلامه عليه، كيف يسطر لأمته هذا الأدب الرائع مع نِعَم الله وعدم ازدرائها أو احتقارها، وكيف يعلم الأمة الأدب في إجابة الدعوة، وصدق الله إذ يقول: }وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ{[النحل: 112].
    هذا هو التواضع لله ولعباد الله ولنعم الله، ما اتصف بها عبد من عباد الرحمن إلا زاده الله بها رفعة وعزًّا في الدنيا والآخرة.
    سادسًا: الكذب
    داء عظيم وخطير، ابتُلِي به البعض، داء تفاقم وتعاظم في هذا الزمان، فنسأل الله السلام والأمان، وهو مرض أشبه بالميكروب المستوطن في البيئة الإنسانية، فقلما يخلو منه إنسان، ندر أن تتنظف منه بيئة، ويصعب عليك أن تجد طائفة من طوائف البشر تنزهت عن الكذب وتبرأت منه.
    وما من حق ضائع، ولا فقير جائع، ولا ظلم باطش، ولا اعتداء جائر، إلا وله ثوب من الكذب يتلفلف به.
    قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ{
    [غافر: 28]
    ، وقال تعالى: }وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ{[الزمر: 60]، وقال عَزَّ وَجَلَّ: }إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ{[النحل: 105].
    وعن سَمُرة بن جُندب t قال: قال النبي r: «إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما.. فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بِكَلُّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه ليشرشر شدقه إلى قفاه، ومِنْخَره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثلما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى. قال: قلت سبحان الله، ما هذان؟ قالا لي:انطلق انطلق... قال: قلت لهما: فإني قد رأيت الليلة عجبًا، فما هذا الذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنا سنخبرك: وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق... » [البخاري ومسلم].
    وعن أبي أمامة t قال: قال رسول الله r: «أنا زعيم ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترك المِرَاء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خُلُقه» [الصحيحة وهو حسن].
    وقال r: «ويل للذي يُحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له» [أبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي].
    وعلى النقيض من الكذب امتدح الله جل وعلا أهل الصدق، وحث العباد على هذه الصفة الحميدة التي هي من خصال الفطرة، ومن صفات أهل هذا الدين الحنيف دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره من الأديان، فقال جل من قائل سبحانه: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ{[التوبة: 119]، وقال تعالى: }وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا{[مريم: 54]، ولقد حث النبي r أمته على الصدق، وبَيَّن لهم أن الصدق من أسباب النجاة عند الله، وأنه من الأسباب التي يسعد العبد بها عند لقاء ربه سبحانه؛ لأنه من أسباب دخول الجنة، فعن ابن مسعود t قال: قال رسول الله r: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة...» [البخاري ومسلم].
    SeIfElLaH
    SeIfElLaH
    مجلس المدراء
    مجلس المدراء


    الأوسمة : الأمراض الخفية والآثار الجلية 0ea39110
    عدد المساهمات : 4497
    نقاط : 6387
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 47

    الأمراض الخفية والآثار الجلية Empty رد: الأمراض الخفية والآثار الجلية

    مُساهمة من طرف SeIfElLaH الأحد يناير 04, 2015 10:31 pm

    أسباب الكذب:
    وللكذب أسباب تنم عن جهل أصحابها، وقلة حيلة مستعمليها لبعدهم عن الله تعالى وتماديهم في الغي والضلال ومن أسبابه:
    1- ضعف الوازع الديني لدى أولئك الكذابين.
    2- جهل أولئك الكذابين بعواقب الكذب الوخيمة.
    3- الهوى والشهوات.
    4- التقليد الأعمى من البعض.
    5- إيذاء النَّاس وإلحاق الضرر بهم.
    6- الحصول على غرض دنيوي.
    7- الخوف من أمر ما.
    قال عمر بن الخطاب t: «لأن يضعني الصدق وقلما يضع، أحبَّ إليَّ من أن يرفعني الكذب، وقلما يفعل».
    وقال الإمام أحمد رحمه الله: «الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل».
    مضار الكذب:
    1- الكذب وسيلة لدمار صاحبه.
    2- الكذب يؤدي بصاحبه إلى النَّار.
    3- الكذب سراب يقرب البعيد ويبعد القريب.
    4- الكذب يذهب المروءة والحياء.
    5- الكاذب مهان ذليل لخسة ما يقول.
    6- الأمم التي كذَّبت الرسل لاقت مصيرها من الدمار والهلاك.
    7- يورث فساد الدين والدنيا.
    8- دليل على خسة النفس ودناءتها.
    9- احتقار النَّاس للكذاب وبعدهم عنه.
    10- يمقت نفسه بنفسه ويحتقرها.
    وقد نسي أولئك الكذابون أن هناك عذاب وعقاب أخروي لهم.
    الكذب مرض تفشى وانتشر في كثير من المجتمعات، وهو صفة من صفات أهل النفاق الذين هم أهل النَّار، قال تعالى: }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا{[النساء: 145]، وقال تعالى: }ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ{[آل عمران: 61]، فمن لعنه الله تعالى فقد طرده وأبعده من رحمته وذلك هو الخسران المبين، فلا تستسهل الكذب وتنسى عواقبه، فعواقبه وخيمة، والكذب داء عُضال من تميز وعرف به كَرِهَه النَّاس وأبغضوه، ونبذوه واعتزلوه، ولو صدق بعد ذلك فغالب أمره الكذب، فهو غير صدوق وغير موثوق بكلامه، وإذا تكلم وقال لم يرع له أحدًا سمعه، ولم يعره اهتمامه، فالكذَّاب عالة وحملاً ثقيلاً على أهله وعشيرته ومجتمعه، يمقته الصغير والكبير وإذا قدم للشهادة يرفضه القضاة إذا عرف لديهم بالكذب، يعيش وحيدًا غريبًا، ينفرد منه الناس، لا يرغب في صحبته وصداقته الآخرون، فهو منبوذ ومكروه.
    فالأمر خطير وعظيم، والعاقبة وخيمة، فينبغي للمسلم أن يحذر هذه الصفة الشنيعة والفظيعة التي قد تنقله من دائرة المسلمين إلى المنافقين، فالمسلم إذا قال صدق.
    عن ابن مسعود t، عن النبي r قال: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النَّار، وإن الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا» [متفق عليه].
    فالواجب علينا جميعًا تحري الصدق والابتعاد عن الكذب حتى ولو كان الإنسان مازحًا، فتجد أن كثيرًا من الآباء والأمهات قد يَعِد أولاده بهدية أو غيرها ثم لا يفي بهذا الوعد، فهذا لا ينبغي، بل كن قدوة حسنة لأبنائك فهم يقلدونك في كل ما تفعل وتقول، فلا يخرج من فيك إلا أطيب الكلام وأحسنه، واصدق في كل ما تقول، كذلك المعلمين والمعلمات من وعد طلابه وتلاميذه بأمر فليوف بهذا الأمر، لأنه في مكان ينظر إليه جميع التلاميذ بأنه القدوة والأسوة الحسنة لهم.
    عن عبد الله بن عمرو بن العاص t، أن النبي r قال: «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» [متفق عليه].
    يقول النووي رحمه الله تعالى: «اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرمًا فيجز في بعض الأحوال...» إلى أن قال: «واستدل العلماء على جواز الكذب بحديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت
    رسول الله
    r يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين النَّاس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا» [متفق عليه]، وزاد مسلم في رواية: «قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخِّص في شيء مما يقول النَّاس إلا في ثلاث: تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها».
    فمن كذب في الأمور الثلاثة فهذا ليس من الكذب المذموم، فالكذب المذموم هو الذي تحصل منه مضرة، وأشد الكذب عقوبة الكذب على الله تعالى، وعلى رسوله r، ومن أشد الكذب أيضًا اليمين الكاذبة عمدًا، وهي: أن يحلف ويغلظ في الحلف، والأيمان من أجل عرض من أعراض الدنيا وهو كاذب، قال r: «من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان» [متفق عليه]، وقال عليه الصلاة والسلام: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النَّار وحرم عليه الجنة» فقال رجل: وإن كن شيئًا يسيرًا يا رسول الله، قال: «وإن كان قضيبًا من أراك» [مسلم]، فانظر عاقبة الكذب من أجل أمر حقير من أمور الدنيا، فقد أوجب الله له النَّار يوم القيامة وحرم عليه الجنة.
    فليتنبه لذلك أصحابه العقول وأولوا الألباب، فالله الله أيها المسلمون، اتقوا الكذب واحذروا عاقبته، وعليكم بما عند الله تعالى وتنافسوا من أجل ذلك النعيم الذي لا يحول لا يزول.
    سابعًا التجسس
    التجسس: هو البحث عن عورات المسلمين وتتبعها من أجل مُعايبتهم.
    وقال ابن الأثير: التجسس: التفتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر.
    وقال الكفوي: التجسس: هو السؤال عن العورات من غيره.
    وقيل: إن التجسس، هو أن تتبع عيب أخيك فتطلع على سرِّه وهو محرم بالكتاب والسنة، لأن تتبع عيوب النَّاس مؤذٍ لصاحبه؛ لأنه يريد إخفاء هذا العيب عن النَّاس وسِتره عنهم، قال تعالى: }وَلَا تَجَسَّسُوا{[الحجرات: 12]، وقال r: «لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تناجشوا، وكونوا عباد الله إخوانًا» [متفق عليه] من حديث أبي هريرة t.
    ففي الآية والحديث النهي عن التجسس وتتبع عورات المسلمين، فبعض من النَّاس تجده لا هم له إلا معرفة ما يدور بين النَّاس وما يحدث داخل بيوتهم، وهذا هو ديدنه في هذه الحياة تتبع العورات وكلام النَّاس في كل مجلس، وفي كل مجتمع فهو يتطلع إلى معرفة ما يدور من كلام وحوار بين أي شخصين، هذا من التطفل، وقلة العقل، وضعف الوازع الديني.
    عن أبي برزة الأسلمي t قال: قال رسول الله r: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن تبع الله عورته يفضحه في بيته» [أبو داود، وقال الألباني: حسن صحيح].
    قال عبد الله بن مسعود t: إنا قد نُهينا عن التجسس.
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: }وَلَا تَجَسَّسُوا{[الحجرات: 12] قال: نهى الله المؤمن أن يتبع عورات أخيه المؤمن.
    وقال الأوزاعي رحمه الله: التجسس: البحث عن الشيء، والتحسس: الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون، أو يتسمع على أبوابهم.
    وقال مجاهد رحمه الله في قوله: }وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ{[التوبة: 47]، أي: وفيكم مخبرون لهم يؤدون إليهم ما يسمعون منكم وهم الجواسيس.
    أضرار التجسس:
    وللتجسس مضار عديدة نذكر منها:
    1- دليل ضعف الإيمان وفساد الخلق.
    2- دليل دناءة النفس وخستها.
    3- يوغر الصدور ويورث الفجور.
    4- يورد صاحبه موارد الهلاك.
    5-يؤدي إلى فساد الحياة وكشف العورات.
    6- يستحق صاحبه غضب الله ورسوله والمؤمنين.
    7- يعيش صاحبه بمعزل عن النَّاس لحذرهم منه.
    8- من أسباب سوء الخاتمة والعياذ بالله.
    9- يورد الكراهية والبغضاء والشحناء بين الناس.
    فمن تتبع عورات النَّاس تتبع الله عورته حتى يفضحه، ثم سيتتبع النَّاس عورته حتى يوردوه المهالك، ويفضحوه ولو في عقر داره - فكما تدين تدان - فاتق الله يا من بَليت نفسك وأهلكتها بتجسسك، وتتبعك وتقفيك لعورات النَّاس وكلامهم وأفعالهم، اتق الله الذي يراك أينما كنت، واتق الله الذي يسمع ويرى، فالتجسس صفة قبيحة، ومرض من أمراض القلوب، وداء عُضال ينبغي على المسلم تركه والابتعاد عنه، وذلك بأن لا يفتش عن عورات المسلمين، ولا يتتبعها، بل ينبغي ترك المسلم على حاله، ويستعمل التغافل عن زلاته وأخطائه التي إذا فتش وبحث عنها ظهر منها ما لا ينبغي، فاتق الله أخي الكريم ودع الخلق للخالق سبحانه، طهر قلبك وجوارحك من هذه الصفة الذميمة والبضاعة المزجاة والرخيصة.
    ثامنًا: الشك وسوء الظن
    داء خطير ومرض آخر من أمراض القلوب، ابتلي به البعض من الناس، فما أن تقول له كلمة أو تعمل عملاً إلا وبدأ الشك يساوره، وسوء الظن بداخله فيما قتل وعملت - فلا حول ولا قوة إلا بالله -، وكان ينبغي عليه أن يتأكد ويمحص الأمر حتى يرى ما الدافع لذلك القول والفعل، بل كان من الواجب عليه أن يُحسن الظن بإخوانه المسلمين، فلا يُسيء الظن إلا إذا تبين له ذلك، فبعض النَّاس ما إن يُنقل له أن فلانًا من النَّاس قال كذا وكذا حتى يسيء الظن ويشك في ذلك القول، والله تعالى يقول: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ{[الحجرات: 6].
    يقول ابن سعدي في تفسير هذه الآية: «وهذه أيضًا من الآداب التي ينبغي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بنبإ - أي: خبر - أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجردًا، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا، ووقوعًا في الإثم، فإن خبره إذا جُعل بمنزلة خبر الصادق العدل، حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق بسبب ذلك الخبر ما يكون سببًا للندامة، بل الواجب عند سماع خبر الفاسق التثبت والتبين».
    وقال
    r: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث» [البخاري، ومسلم]، أراد الشك يعرض لك في الشيء فتحققه وتحكم به، وقيل: أراد إياكم وسوء الظن.
    فأحسن الظن بالناس، يحسن النَّاس الظن بك، فينبغي لمن سمع قولاً مثلاً فلم يستطع تفسيره أو تحليله، ينبغي عليه ألا يُسيء الظن بل يذهب إلى القائل ويقول: يا أخي لقد قلت ذلك القول فماذا تقصد به، حتى يتبين الأمر.
    مساوئ سوء الظن:
    فسوء الظن قد يجر إلى عواقب وخيمة ومساوئ عديدة منها:
    1- العداوة والبغضاء والشحناء بين الناس.
    2- قد يُجر الإنسان إلى ما هو أشد منه من غيبة أو نميمة أو كذب من أجل الإضرار بالآخرين.
    3- المقاطعة والكراهية.
    وعَدَّ الإمام ابن حجر سوء الظن بالمسلم من الكبائر الباطنة، وذكر أنه الكبيرة الحادية والثلاثون، وقال: وهذه الكبائر مما يجب على المكلف معرفتها ليعالج زوالها، لأن من كان في قلبه مرض منها لم يلق الله بقلب سليم، وهذه الكبائر يُذم العبد عليها أعظم مما يذم على الزنا والسرقة وشرب الخمر ونحوها من كبائر ذنوب البدن، وذلك لعظم مفسدتها، وسوء أثرها ودوامه.
    أقسام سوء الظن:
    وسوء الظن ينقسم إلى قسمين كلاهما من الكبائر وهما:
    1- سوء الظن بالله: وهو أبلغ في الذنب من اليأس والقنوط (وكلاهما كبيرة) وذلك لأنه يأس وقنوط وزيادة، لتجويزه على الله تعالى أشياء لا تليق بكرمه وجوده.
    2- سوء الظن بالمسلمين: وهو أيضًا كبيرة من كبائر الذنوب، وذلك أن من حكم بشر على غيره بمجرد الظن حمله الشيطان على احتقاره، وعدم القيام بحقوقه والتواني في إكرامه، بل وإطالة اللسان في عرضه، وكل هذه مهلكات موبقات، وكل من رأيته سيِّئ الظن بالنَّاس طالبًا لإظهار معايبهم فاعلم أن ذلك لخبث باطنه وسوء طويَّته، فإن المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنه، والمنافق يطلب العيوب لخبث باطنه.
    والظن مذموم في كثير من الأمور، قال تعالى: }وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا{[يونس: 36].
    وعن سعيد بن المسيب قال: كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله r: أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًّا وأنت تجد لها في الخير محملاً.
    يقول الشاعر:

    فلا تظنن بربك ظن سوء



    فإن الله أولى بالجميل


    ولا تظنن بنفسك قط خيرًا



    فكيف بظالم جان خجول


    ولا ظنَّ بنفسك السوء تجدها



    كذلك خيرها كالمستحيل


    وما بك من تقًى فيها وخير



    فتلك مواهب الرب الجليل


    وليس لها ولا منها ولكن



    من الرحمن فاشكر للدليل
    SeIfElLaH
    SeIfElLaH
    مجلس المدراء
    مجلس المدراء


    الأوسمة : الأمراض الخفية والآثار الجلية 0ea39110
    عدد المساهمات : 4497
    نقاط : 6387
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 47

    الأمراض الخفية والآثار الجلية Empty رد: الأمراض الخفية والآثار الجلية

    مُساهمة من طرف SeIfElLaH الأحد يناير 04, 2015 10:32 pm

    مضار سوء الظن:
    ومن مضار سوء الظن:
    1- يؤدي إلى غضب الله وسخطه.
    2- دليل على فساد النية وسوء الطوية.
    3- خلق من أخلاق المنافقين.
    4- يولد الشحناء والبغضاء بين الناس.
    5- مفتاح للعواقب الوخيمة والأعمال السيئة.
    6- يورث الذل والهوان على الله ثم على الناس.
    7- دليل ضعف الإيمان.
    8- دليل على عدم الثقة بالنفس.
    مضار الشك:
    وللشك مضار ومخاطر نذكر منها:
    1- الشك يضعف الإيمان بالله عَزَّ وَجَلَّ وبالملائكة والكتاب والنبيين وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
    2- يدخل الوسواس على القلب فلا يجعله يثبت على يقين.
    3- الريب والشك والوسواس آفات نفسية تجعل الثقة مهزوزة بين أفراد المجتمع.
    4- المصاب بداء الشك مريض في نفسه لا يستطيع أن يَثبت في حال من الأحوال.
    5- الشك في الله شرك أكبر.
    6- الشك سمة من ضعف الإنسان وقوة الشيطان عليه.
    7- الشكوك في الرعية تفسدها.
    8- الاستكانة للشك تجلب التهم.
    9- الشك ينتج إساءة الظن بأقرب الناس.
    فاتق الله أخي الكريم: وأحسن الظن بالناس، ولا ترتاب ولا يساورك الشك فيهم لتحبهم ويحبونك، وتألفهم ويألفونك، فيدوم الود والإخاء والصفاء، والألفة بين النَّاس والوفاء، وإياك وسوء الظن أو الشك فإنهما يوجبان التقاطع والتدابر والتنافر والفرقة والبعد عن الناس، فالله تبارك وتعالى يعرض عن المتخاصمين حتى يصطلحا، فمن حق المسلم على أخيه المسلم إذا لقيه أن يسلم عليه، فبسوء الظن لا يمكن أن يحصل ذلك، وهذا ليس من أخلاق المسلم، بل الواجب على المسلم التحلي بالأخلاق الفاضلة الحسنة حتى يرضي ربه سبحانه.


    تاسعًا: الغفلة
    أخطر أمراض القلوب وأضرها على الإنسان؛ لأنه سبب رئيس لسوء الخاتمة - نعوذ بالله من ذلك - فصاحب القلب الغافل لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، لا يعرف لحدود الله طريقًا، لا يعرف لله أمرًا ولا نهيًا، قريبًا من الحرام، بعيدًا عن الحلال، يعيش على هذه البسيطة ولكن لا يعرف لماذا يعيش، فهو مثل البهائم، يأكل ويشرب وينام، أما العبادة فلا مكان لها في قلبه، قال تعالى: }أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا{[الفرقان: 44]، لا يدري ما الغاية السامية التي خلق من أجلها، والله يقول: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{[الذاريات: 56].
    انقلبت المفاهيم لدى هذا الغافل وحسب أنه سيخلد في هذه الدنيا، وما دار بِخَلده في يوم من الأيام أنه سيكون جثة لا حراك فيها، ثم يقاسي ما يقاسي في قبره مما أعد الله لهذا الصِنف من القلوب، فله رِجْلان لكنهما ما مشتا يومًا إلى بيت من بيوت الله عَزَّ وَجَلَّ، ما عرفت رجلاه إلا السفر للخارج لممارسة الحرام، ومعاقرة الخمور والمخدرات، وله يدان لكنهما ما عرفتا كيف تتصفح كتاب الله تعالى، بل عكفتا على تصفح المجلات الخليعة وتحريك القنوات الفضائية، وأما العينان والأذنان فسخرهما لرؤية وسماع الحرام، أما سماع القرآن والخطب والمحاضرات فلا نصيب لها عند ذلك المسكين، وستشهد عليه كل هذه الجوارح يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، يوم لا ينفع آه آه، ولا تنفع الأصوات والويلات، وهيهات هيهات أن ينفع ذلك، يقول تعالى: }يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{[النور: 24]، وقال تعالى: }وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ{[الأعراف: 179].
    فمن كان هذا مصيره، فعدمه أفضل من وجوده، فانتبه واحذر سخط الله وعقابه، فالغافل ظلم نفسه ظلمًا كبيرًا، وأشد الظلم أن يظلم الإنسان نفسه، فالله تبارك وتعالى يملي للظالم ويمهله ولكنه سبحانه لا يهمله، فإذا أخذه لم يفلته، قال تعالى: }وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ{[هو: 102]، ويقول الله عَزَّ وَجَلَّ في ذم أهل الغفلة والغواية: }سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ{[الأعراف: 146]، وقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{[يونس: 7، 8]، وقال تعالى: }لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ{[ق: 22].
    أسباب الغفلة:
    وللغفلة أسباب عديدة منها:
    1- البعد عن منهج الله تعالى.
    2- عدم تقبل ما جاء به النبي r.
    3- التجرؤ على ارتكاب المعاصي والمحرمات بلا خوف ولا حياء من الله جل وعلا.
    4- كراهية أهل الخير والصلاح.
    5- هجر بيوت الله تعالى جمعة وجماعات.
    6- الانهماك والانكباب على ملذات الحياة الدنيا الزائفة الفانية.
    7- عدم تذكر الموت وغصصه والقبر ووحشته.
    8- الإقبال على الملهيات وكل ما يبعد عن الطاعات.
    9- الانخراط في سلك المدمنين.
    10- الانجراف وراء أهل الفسق ودعاة السوء والرذيلة.
    11- عدم تذكر ما أعد الله للمتقين الصابرين عن محارم الله من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار في تلك الدار الباقية التي لا تفنى ولا تزول، وما أعد الله للمتجرئين على ارتكاب ما حرم الله ورسوله من العذاب الأخروي في نار وقودها النَّاس والحجارة.
    12- هجر كتاب الله وسنة نبيه r.
    13- تفرح الشيطان وتسخط الرحمن.
    14- تنزل الهم والغم على القلب وتبعد عنه الفرح والسرور.
    15- مدعاة للوسوسة والشكوك.
    16- تورث العداوة والبغضاء وتذهب الحياء والوقار بين الناس.
    17- تبلد الذهن وتسد أبواب المعرفة.
    وليعلم العاصي الغافل أن الصبر عن الشهوات أسهل من ألم عقوبتها، فالمعاصي توجب في قلب صاحبها ألمًا وعقوبة، وحسرة وندامة، وتسلب النعم، وتجلب الهم والغم، وتشمت بصاحبها الأعداء، وتُحدث عيبًا يبقى صفة لا تزول؛ لأن العمال تورث الصفات والأخلاق وأعظم من ذلك كله فالمعاصي توجب غضب الرب سبحانه وتعالى.
    أهمية السلام والمصافحة وفضلهما:
    لا يخفى عليك أخي الكريم أهمية السلام، وأنه من سمات أهل هذا الدين الإسلامي الحنيف، ولقد حث النبي r على السلام والمصافحة، لإزالة ما يعلق في النفوس من البغضاء والكراهية بين الناس، وكلنا يعرف فضل السلام والمصافحة في تسوية النفوس وإزالة الخلاف الواقع بين الناس، وما يعود به من مردود إيجابي على الفرد والمجتمع، ولقد روى أبو هريرة t قال: قال رسول الله r: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» [صحيح، انظر «الإرواء» 771].
    وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله r: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا» [صحيح ابن ماجه 3003].
    فكم من أناس وقعت بينهم الشحناء والضغينة ثم يفضل السلام وأهميته عادت النفوس بيضاء نقية خالية من شوائب الأمراض النفسية، بل وتسقط الخطايا بالسلام، قال المصطفى r: «إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه، وأخذ بيده وصافحه، تناثرت خطاياهما كما تناثر ورق الشجر» [السلسلة الصحيحة 526].
    ولقد جاء الحث من الشارع الكريم برد التحية بأحسن منها لو حياك من لم تعرفه من الناس، فما بالك بمن تعرفه، قال الله تعالى: }وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا{[النساء: 86].
    وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رجلاً سأل رسول الله r: أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» [متفق عليه]، وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة، أو جدار، أو حجر، ثم لقيه فليسلم عليه» [رواه أبو داود بإسناد صحيح، وهو في السلسلة الصحيحة.
    ثم ليحذر المؤمنون من عدم السلام على بعضهم مهما حصل بينهم من عدم الوفاق واختلاف وجهات النظر، فكل ذلك لا يفسد للود قضية، فالمؤمنون إخوة، وذلك سبب لعدم رفع الأعمال إلى الله ما دامت القلوب في جفاء وبغضاء، بل قد يكون ذلك سبب في إحباط العمل والعياذ بالله.
    قال r: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» [متفق عليه]، وقال r: «تعرض الأعمال في كل اثنين وخمسين، فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول:اتركوا هذين حتى يصطلحا» [رواه مسلم]،
    وقال
    r: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث، فمات دخل النَّار» [رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم]. وقال r: «من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه» [رواه أبو داود بإسناد صحيح] ومعنى ذلك: أن من هجر أخاه سنة فكأنما قتله عدوانًا وظلمًا؛ لأن السلام من حق المسلم على أخيه المسلم، وأن ذلك الهجران بسبب الشيطان الذي ما يفتر أن يفرق بين المسلمين حتى تتفرق صفوفهم وتتبعثر كلمتهم، فلقد قال r: «إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم» [رواه مسلم].
    فيجب على المسلم أن يعفو ويصفح عن زلات إخوانه وأقرانه، وأن يلتمس لهم العذر ما وجد لذلك مخرجًا ومدفعًا، فكل النَّاس صاحب خطأ، وليس منهم المعصوم من الخطأ والزلل إلا النبي r، فلنعف ولنتصافح ولنذهب عنا البغضاء والشحناء، ويلتمس كل منا لصاحبه العذر والعفو والمغفرة حتى تكون إخوانًا متحابين ويوم القيامة على منابر من نور، ففضل الله عظيم.


    الخاتمة
    ينبغي على المسلم الحق أن يتجنب هذه الصفات القبيحة والمحرمة شرعًا، والمنهي عنها، حتى يصبح مطمئن القلب، صافي المزاج، بعيدًا عن الأهواء والوساوس والهواجس، ينبغي على المؤمن الحق أن يترك بضائع الشيطان؛ لأنها بضائع خاسرة كاسدة، ولا يتعامل بها إلا أصحاب القلوب المريضة التعيسة، أصحاب القلوب الخربة المنكوسة.
    قال تعالى: }إنما المؤمنون إخوة{[الحجرات: 10]، فالله الله أيها الإخوة أوصيكم بإخوانكم المسلمين، أحسنوا إليهم ولينوا بأيديهم، وأحبوا لهم ما تحبونه لأنفسكم، فالمؤمنون إخوة، ذبوا عنهم وردوا عن أعارضهم، وكونوا عباد الله إخوانًا، فمن الظلم عباد الله أن يضر المسلم أخاه المسلم بحسد أو غيبة أو نميمة أو كذب أو سوء ظن أو كبر أو غير ذلكم ما قد يضر بالمسلم.
    والظلم عباد الله من الأمور المحرمة والتي قد تصيب صاحبها بأضرار في الدنيا والآخرة، فالله عَزَّ وَجَلَّ حرم الظلم على نفسه وجعله بين النَّاس محرمًا فكيف أنت أيها المسكين تظلم عباد الله بتك الأمور المحرمة، أنسيت أن لذلك المظلوم دعوة مستجابة لو دعا بها عليك ثم استجيبت لخسرت الخسران المبين، فإنه لا شفاء لأمراض القلوب إلا بالدواء الذي أنزله الله في كتابه وسنة نبيه r، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ{[يونس: 57]، وقال تعالى: }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{، وقال تعالى: }قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ{[فصلت: 44].
    فأقبلوا على كتاب الله وسنة رسوله لتداووا قلوبكم ففيهما الشفاء والرحمة، وفيهما الدواء والمودة، وفيهما النور والهداية، وفيهما الروح والحياة، وفيهما العصمة من الشيطان ووساوسه، وليأخذ كل منا بنفسه فيبعدها عن مواطن الفتن ويقطع عنها وسائل الشر، وكذلك أبعدوا أولادكم وبيوتكم عن وسائل الشر ودواعي الفساد إن كنتم تريدون الشفاء لقلوبكم والخير لمجتمعكم وأكثروا من هذا الدعاء الذي كان يدعو به النبي r: «يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك».
    اللَّهمَّ طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، اللَّهمَّ طهر مجتمعات المسلمين من كل فاحشة ورذيلة، اللَّهمَّ ألف بين قلوب المسلمين وأصلح ذات بينهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 4:13 pm