حادثة مفاعل تشيرنوبل (أسبابها-نتائجها)
لمس كل من قرأ هذا الخطاب التماس وتوسل حكومات جمهوريات الاتحاد السوفيتي إلى دول العالم أجمع لدعمها، ومد يد المساعدة إليها، والتعاون معها في مجابهة الآثار الضخمة التي خلفتها هذه الكارثة، والتي مازالت تعاني منها حتى بعد مضي سنين كثيرة على وقوع الحادثة، كان الخطاب بمثابة اعتراف مر وقاس من قادة الاتحاد السوفيتي بأن هذه الكارثة قد خرجت من هيمنتهم ولا يستطيعون السيطرة عليها، أو مواجهتها بأنفسهم، حيث كان المسئولون يحاولون لأكثر من خمس سنوات إقناع العالم بأن هذه الحادثة بسيطة وعابرة، ولا تشكل خطورة على شعوب العالم، ولذلك يمكن تجاهلها وغض النظر عنها، واعتبارها حادثة محلية محدودة الأبعاد، وبقيت حكومة الاتحاد السوفيتي طوال هذه الفترة وهي تتبنى هذه السياسة وتلتزم الصمت والسكوت، حتى أنها أخفت الكثير من الحقائق والمعلومات المتعلقة بهذه الحادثة، ولو تبد رغبة صريحة في كشف الحقائق، وإظهار الأسرار إلى المجتمع الدولي.
الجدير بالذكر أن الحادثة نفسها لم تعلن عنها السلطات الرسمية السوفيتية إلا بعد أن اكتشفت أجهزة مراقبة الإشعاع الآلية في السويد وجود نسبة مرتفعة من الإشعاع في مدينة فورس مارك ((Forsmark عندما صاحت أجراس الإنذار في المحطة النووية لتوليد الطاقة في مدينة فورس مارك الواقعة شمالي ستوكهولم بالسويد، صباح يوم الاثنين 28 إبريل 1986م أي بعد يومين من الحادثة معلنة ازدياد درجة الإشعاع في المنطقة عن الأيام السابقة، وتبين بعد البحث والتحقيق أن الإشعاع قادم من جنوب شرقي المنطقة حيث جمهورية أوكرانيا، وعندها طلبت الحكومة السويدية من سفيرها في موسكو الاتصال رسمياً بالسلطات السوفيتية للتعرف على مصدر الإشعاع.
في بداية الأمر لم تستجب موسكو لطلب السفير إلا بعد اتصالات متعددة وملحة أجبرت موسكو إلى نقل خبر الحادثة من خلال نشرة أخبار التاسعة مساءً من يوم الاثنين 28 إبريل 1986م، لقد كشف خطاب الزعماء السوفييت عن حجم الكارثة واتساع دائرة تأثيراتها السلبية، وأظهر بأن كارثة تشرنوبيل قد دخلت في قضايا جديدة ومعقدة في مجال الطب والاقتصاد والبيئة والمجال الأخلاقي والاجتماعي والنفسي، وأن هذه القضايا لها تأثيرات سلبية على التنمية البشرية، كما أكد الخطاب أن المواطن السوفيتي قد عانى بشدة من الإشعاعات الناجمة من انفجار المفاعل النووي وانعكس ذلك مباشرة على صحته وصحة بيئته وكلف نحو 25 بليون روبل، وبين الخطاب أيضاً أن آثار هذه الكارثة تعدت الحدود الجغرافية للاتحاد السوفيتي وشملت معظم الكرة الأرضية وبخاصة الجزء الشمالي منها، ولذلك يناشد الخطاب جميع دول العالم إلى العمل الجماعي المشترك لمواجهة هذه الكارثة التاريخية والتعلم من دروسها، فالإشعاعات تخللت عروق جسم بيئة الكرة الأرضية وهي تجري فيها الآن كجريان الدم في جسم الإنسان،لذلك سنحاول التعرف على تفاصيل هذه الكارثة وأسبابها وتأثير التلوث الإشعاعي الناتج عنها....
محطة تشرنوبيل
تفاصيل الكارثة
أثناء إجراء التجربة في الوحدة الرابعة حدث عطل في دائرة التبريد الخاصة بالمفاعل الرابع ( الوقود :160 طن من اليورانيوم238 المخصب ، المهدئ : 500 طن من الجرافيت ، التبريد : بالماء العادي ), لقد نتج عن هذا العطل ارتفاع درجة حرارة قلب المفاعل إلى حوالي 4000 درجة مئوية مما تسبب في انصهار قلب المفاعل، ولذلك السبب حدث انفجار هائل في مبنى المفاعل رقم (4) تلاه بثوان انفجار آخر، وتسبب الانفجاران في تدمير سقف المفاعل وقذفا قطعاً من مبنى المفاعل الإسمنتية خارجه، كما تطايرت مواد الجرافيت مع قطع أخرى من المفاعل في الهواء.
ترك ذلك الانفجار ثقباً في بناء المفاعل معرضاً نواته(قلبه) للهواء الخارجي، ونشبت النيران في الجرافيت المحيط بنواة المفاعل وارتفع الدخان المتصاعد من المفاعل حوالي كيلومتر واحد في الهواء حاملاً معه وقود اليورانيوم بالإضافة إلى بقية المواد الإنشطارية التي خرجت من نواة المفاعل والغازات العادية الأخرى، وقد سقطت الأجزاء الثقيلة الناتجة عن الانفجار قريباً من موقع المفاعل، في حين أن الجزيئات الخفيفة طارت مع السحابة الإشعاعية شمال شرق المفاعل لتلوث كل ما تحط عليه، أما الأجزاء الأكثر خفة فقد ارتفعت في الهواء كيلومتراً واحداً بسبب حرارة الانفجار ثم اتجهت إلى الشمال الشرقي من موقع المفاعل. حملت الرياح السحابة المشعة إلى كثير من دول أوروبا، فقد وصلت آثار الإشعاع إلى أجواء فنلندا والسويد بعد يومين من الحادث أي في 28/4/1986م - وهذا الذي أدى إلى إعلان خبر الكارثة – ووصلت أيضاً إلى ألمانيا وفرنسا في 29/4 ، كما وصلت أيضاً إلى وسط أوروبا وشمال إيطاليا وتركيا، كما تم اكتشاف وجود البنتونيوم 239 في أجواء السويد، والبلوتونيوم 239 في أجواء كل من ألمانيا وإيطاليا وفنلندا، كما تم التعرف في السحابة المشعة على كثير من النظائر المشعة (مثل اليود131، واليود132، والتليريوم132، والروثنيوم103، والسيزيوم134، والباريوم140، كما تم اكتشاف الإسترانشيوم90 وهو نظير ذو أثر خطير).
مواجهة الكارثة
أولى الخطوات التي اتخذتها السلطات المسئولة هي تم التنبيه على سكان المناطق الملوثة بعدم الخروج من المنازل وإغلاق النوافذ والأبواب، واتخذت الإجراءات الوقائية مثل تناول مادة اليود لمن تعرض الأطفال لمرض سرطان الغدة الدرقية، وأصبحت المنطقة التي قطرها 10 كيلومترات منطقة محظورة وأغلقت الطرق المؤدية إليها.
التلوث الناتج عن الكارثة
أثار الكارثة المباشرة على الإنسان وبيئته لا تخفى على أي إنسان, بل لا يمكن إخفاؤها لأنها كانت واضحة وملموسة ومؤثرة على الكثير داخل وخارج الإتحاد السوفيتي ويمكن توضيحها كالتالي:
أ- الإنسان
لقد أثر الحادث في المقام الأول على سكان أوكرانيا حيث قدر عدد المصابين بسرطان الغدة الدرقية نتيجة للتسرب الإشعاعي في تلك الدولة ب3.4 مليون حالة, كما أصيب عدد كبير بمرض الإشعاع الذي ينتج عنه سقوط الشعر والتسلخات الجلدية, وكان مئات المصابين بجرعات إشعاعية شديدة أجريت لهم عملية زرع نخاع, وتعرض البعض لجرعات إشعاعية سببت إصابة الغدد الجنسية وهي تؤدي إلى خلل في الجينات الوراثية.
ويعتقد خبراء التلوث أن القاطنين في منطقة الحادث سيعانون من خطر الإشعاعات خلال الثلاثين عاماً القادمة وستظهر الآثار المبكرة على المقيمين قرب منطقة المفاعل النووي بسبب تأثير الإشعاعات على خلايا الدماغ والكلية والكبد والتأثير على الجهازين التناسلي والمناعي.
كما يعتقد خبراء حماية البيئة في بريطانيا وألمانيا الغربية أن الناس سيعانون من زيادة في الإصابة بالسرطان قد تصل إلى حوالي عشرة آلاف حالة لمدة عشرين عاماً في نطاق 260ميلاً من منطقة الحادث.
كما أن لهذه الحادثة تأثيرات نفسية كبيرة وحادة على المجتمع حيث سببت العديد من المشاكل النفسية إما نتيجة لترك المواطنين منازلهم أو إصابتهم بالأمراض الناتجة عن الإشعاع.
ب-المياه
تلوثت المياه بالإشعاعات نتيجة لهذا الحادث, وهناك تخوف من أن يكون نهر الدنيبر أهم مجرى مائي في ولاية أوكرانيا قد تلوث بالإشعاع, وأيضاً تلوثت المياه الجوفية في منطقة المفاعل نتيجة خروج العناصر المشعة من أسفل المفاعل وتسربها إليها.
جـ- التربة والنباتات
لقد تأثرت التربة الزراعية بهذا الحادث إلى حد كبير, لأن نحو مليوني هكتار من الأراضي الزراعية المجاورة للمفاعل في أوكرانيا وبيلاروسيا أصبحت ملوثة بالإشعاع نتيجة تساقط السحابة المشعة مع الأمطار فوق هذه الأراضي, وقد وجد أن السيزيوم –137 في تربة المنطقة يبلغ 4000 بكريل لكل متر مربع, وقد قطعت أشجار كثير من الغابات وقد حرقت خوفاً من انتقال الإشعاعات, وحذرت الحكومة من تناول الخضروات الملوثة بالإشعاعات وتم جرف وإزالة سطح التربة الملوثة بعمق 10 سم حتى لا تنبت فروعات ملوثة.
وتسببت السحابة المشعة الناتجة عن الحادث والتي انتشرت فوق أوروبا في تلوث المزارع ومختلف المحاصيل وامتنع الناس عن تناول كثير من الأطعمة والخضر, وتم إعدام الخضروات والفواكه التي تبين أنها ملوثة.
د- الحيوانات
تأثرت الحيوانات بالتلوث الإشعاعي مباشرة لتلوث المياه والتربة والنباتات, ولقد نشرت مجلة " موسكونيوز" في عددها الصادر في شهر فبراير عام 1989م تقرير عما حدث في إحدى المزارع الحكومية التي تبعد 50 كيلومتر من تشرنوبيل وقد بين هذا التقرير أنه في عام 1987م ولدت 64 بقرة وخنازير مشوهة فمنها بقر بدون رأس وبعضها بدون أرجل وبعضها بدون أعين, وفي عام 1988 أصيب 76 بقرة بتشوهات.
هـ- الآثار الاقتصادية
وضع حادث تشرنوبيل العالم لأول مرة أمام نموذج مصغر لعملية تلوث إشعاعي عابر للحدود، وفيما لو تفاقمت الظروف إلى درجة فقدان السيطرة على الموقف فإن المحطة تتحول عندئذ إلى قنبلة موقوتة هائلة التدمير، ولذا فإن هذا الحادث كان نموذجاً مصغراً للغاية لما يمكن أن ينشأ عن حرب نووية من دمار للمنشآت وتلويث للبيئة وقتل للأرواح وإشاعة للمرض والتشوهات الخلقية والتي تستمر إلى عدة عقود أو قرون.
حادثة تشرنوبيل لم ولن ينتهي تأثيرها في وقت قريب، فهل تكون الأخيرة في عصر بلغ عدد المفاعلات النووية فيه أكثر من 400 مفاعل نووي في أنحاء المعمورة
لمس كل من قرأ هذا الخطاب التماس وتوسل حكومات جمهوريات الاتحاد السوفيتي إلى دول العالم أجمع لدعمها، ومد يد المساعدة إليها، والتعاون معها في مجابهة الآثار الضخمة التي خلفتها هذه الكارثة، والتي مازالت تعاني منها حتى بعد مضي سنين كثيرة على وقوع الحادثة، كان الخطاب بمثابة اعتراف مر وقاس من قادة الاتحاد السوفيتي بأن هذه الكارثة قد خرجت من هيمنتهم ولا يستطيعون السيطرة عليها، أو مواجهتها بأنفسهم، حيث كان المسئولون يحاولون لأكثر من خمس سنوات إقناع العالم بأن هذه الحادثة بسيطة وعابرة، ولا تشكل خطورة على شعوب العالم، ولذلك يمكن تجاهلها وغض النظر عنها، واعتبارها حادثة محلية محدودة الأبعاد، وبقيت حكومة الاتحاد السوفيتي طوال هذه الفترة وهي تتبنى هذه السياسة وتلتزم الصمت والسكوت، حتى أنها أخفت الكثير من الحقائق والمعلومات المتعلقة بهذه الحادثة، ولو تبد رغبة صريحة في كشف الحقائق، وإظهار الأسرار إلى المجتمع الدولي.
الجدير بالذكر أن الحادثة نفسها لم تعلن عنها السلطات الرسمية السوفيتية إلا بعد أن اكتشفت أجهزة مراقبة الإشعاع الآلية في السويد وجود نسبة مرتفعة من الإشعاع في مدينة فورس مارك ((Forsmark عندما صاحت أجراس الإنذار في المحطة النووية لتوليد الطاقة في مدينة فورس مارك الواقعة شمالي ستوكهولم بالسويد، صباح يوم الاثنين 28 إبريل 1986م أي بعد يومين من الحادثة معلنة ازدياد درجة الإشعاع في المنطقة عن الأيام السابقة، وتبين بعد البحث والتحقيق أن الإشعاع قادم من جنوب شرقي المنطقة حيث جمهورية أوكرانيا، وعندها طلبت الحكومة السويدية من سفيرها في موسكو الاتصال رسمياً بالسلطات السوفيتية للتعرف على مصدر الإشعاع.
في بداية الأمر لم تستجب موسكو لطلب السفير إلا بعد اتصالات متعددة وملحة أجبرت موسكو إلى نقل خبر الحادثة من خلال نشرة أخبار التاسعة مساءً من يوم الاثنين 28 إبريل 1986م، لقد كشف خطاب الزعماء السوفييت عن حجم الكارثة واتساع دائرة تأثيراتها السلبية، وأظهر بأن كارثة تشرنوبيل قد دخلت في قضايا جديدة ومعقدة في مجال الطب والاقتصاد والبيئة والمجال الأخلاقي والاجتماعي والنفسي، وأن هذه القضايا لها تأثيرات سلبية على التنمية البشرية، كما أكد الخطاب أن المواطن السوفيتي قد عانى بشدة من الإشعاعات الناجمة من انفجار المفاعل النووي وانعكس ذلك مباشرة على صحته وصحة بيئته وكلف نحو 25 بليون روبل، وبين الخطاب أيضاً أن آثار هذه الكارثة تعدت الحدود الجغرافية للاتحاد السوفيتي وشملت معظم الكرة الأرضية وبخاصة الجزء الشمالي منها، ولذلك يناشد الخطاب جميع دول العالم إلى العمل الجماعي المشترك لمواجهة هذه الكارثة التاريخية والتعلم من دروسها، فالإشعاعات تخللت عروق جسم بيئة الكرة الأرضية وهي تجري فيها الآن كجريان الدم في جسم الإنسان،لذلك سنحاول التعرف على تفاصيل هذه الكارثة وأسبابها وتأثير التلوث الإشعاعي الناتج عنها....
محطة تشرنوبيل
تفاصيل الكارثة
أثناء إجراء التجربة في الوحدة الرابعة حدث عطل في دائرة التبريد الخاصة بالمفاعل الرابع ( الوقود :160 طن من اليورانيوم238 المخصب ، المهدئ : 500 طن من الجرافيت ، التبريد : بالماء العادي ), لقد نتج عن هذا العطل ارتفاع درجة حرارة قلب المفاعل إلى حوالي 4000 درجة مئوية مما تسبب في انصهار قلب المفاعل، ولذلك السبب حدث انفجار هائل في مبنى المفاعل رقم (4) تلاه بثوان انفجار آخر، وتسبب الانفجاران في تدمير سقف المفاعل وقذفا قطعاً من مبنى المفاعل الإسمنتية خارجه، كما تطايرت مواد الجرافيت مع قطع أخرى من المفاعل في الهواء.
ترك ذلك الانفجار ثقباً في بناء المفاعل معرضاً نواته(قلبه) للهواء الخارجي، ونشبت النيران في الجرافيت المحيط بنواة المفاعل وارتفع الدخان المتصاعد من المفاعل حوالي كيلومتر واحد في الهواء حاملاً معه وقود اليورانيوم بالإضافة إلى بقية المواد الإنشطارية التي خرجت من نواة المفاعل والغازات العادية الأخرى، وقد سقطت الأجزاء الثقيلة الناتجة عن الانفجار قريباً من موقع المفاعل، في حين أن الجزيئات الخفيفة طارت مع السحابة الإشعاعية شمال شرق المفاعل لتلوث كل ما تحط عليه، أما الأجزاء الأكثر خفة فقد ارتفعت في الهواء كيلومتراً واحداً بسبب حرارة الانفجار ثم اتجهت إلى الشمال الشرقي من موقع المفاعل. حملت الرياح السحابة المشعة إلى كثير من دول أوروبا، فقد وصلت آثار الإشعاع إلى أجواء فنلندا والسويد بعد يومين من الحادث أي في 28/4/1986م - وهذا الذي أدى إلى إعلان خبر الكارثة – ووصلت أيضاً إلى ألمانيا وفرنسا في 29/4 ، كما وصلت أيضاً إلى وسط أوروبا وشمال إيطاليا وتركيا، كما تم اكتشاف وجود البنتونيوم 239 في أجواء السويد، والبلوتونيوم 239 في أجواء كل من ألمانيا وإيطاليا وفنلندا، كما تم التعرف في السحابة المشعة على كثير من النظائر المشعة (مثل اليود131، واليود132، والتليريوم132، والروثنيوم103، والسيزيوم134، والباريوم140، كما تم اكتشاف الإسترانشيوم90 وهو نظير ذو أثر خطير).
مواجهة الكارثة
أولى الخطوات التي اتخذتها السلطات المسئولة هي تم التنبيه على سكان المناطق الملوثة بعدم الخروج من المنازل وإغلاق النوافذ والأبواب، واتخذت الإجراءات الوقائية مثل تناول مادة اليود لمن تعرض الأطفال لمرض سرطان الغدة الدرقية، وأصبحت المنطقة التي قطرها 10 كيلومترات منطقة محظورة وأغلقت الطرق المؤدية إليها.
التلوث الناتج عن الكارثة
أثار الكارثة المباشرة على الإنسان وبيئته لا تخفى على أي إنسان, بل لا يمكن إخفاؤها لأنها كانت واضحة وملموسة ومؤثرة على الكثير داخل وخارج الإتحاد السوفيتي ويمكن توضيحها كالتالي:
أ- الإنسان
لقد أثر الحادث في المقام الأول على سكان أوكرانيا حيث قدر عدد المصابين بسرطان الغدة الدرقية نتيجة للتسرب الإشعاعي في تلك الدولة ب3.4 مليون حالة, كما أصيب عدد كبير بمرض الإشعاع الذي ينتج عنه سقوط الشعر والتسلخات الجلدية, وكان مئات المصابين بجرعات إشعاعية شديدة أجريت لهم عملية زرع نخاع, وتعرض البعض لجرعات إشعاعية سببت إصابة الغدد الجنسية وهي تؤدي إلى خلل في الجينات الوراثية.
ويعتقد خبراء التلوث أن القاطنين في منطقة الحادث سيعانون من خطر الإشعاعات خلال الثلاثين عاماً القادمة وستظهر الآثار المبكرة على المقيمين قرب منطقة المفاعل النووي بسبب تأثير الإشعاعات على خلايا الدماغ والكلية والكبد والتأثير على الجهازين التناسلي والمناعي.
كما يعتقد خبراء حماية البيئة في بريطانيا وألمانيا الغربية أن الناس سيعانون من زيادة في الإصابة بالسرطان قد تصل إلى حوالي عشرة آلاف حالة لمدة عشرين عاماً في نطاق 260ميلاً من منطقة الحادث.
كما أن لهذه الحادثة تأثيرات نفسية كبيرة وحادة على المجتمع حيث سببت العديد من المشاكل النفسية إما نتيجة لترك المواطنين منازلهم أو إصابتهم بالأمراض الناتجة عن الإشعاع.
ب-المياه
تلوثت المياه بالإشعاعات نتيجة لهذا الحادث, وهناك تخوف من أن يكون نهر الدنيبر أهم مجرى مائي في ولاية أوكرانيا قد تلوث بالإشعاع, وأيضاً تلوثت المياه الجوفية في منطقة المفاعل نتيجة خروج العناصر المشعة من أسفل المفاعل وتسربها إليها.
جـ- التربة والنباتات
لقد تأثرت التربة الزراعية بهذا الحادث إلى حد كبير, لأن نحو مليوني هكتار من الأراضي الزراعية المجاورة للمفاعل في أوكرانيا وبيلاروسيا أصبحت ملوثة بالإشعاع نتيجة تساقط السحابة المشعة مع الأمطار فوق هذه الأراضي, وقد وجد أن السيزيوم –137 في تربة المنطقة يبلغ 4000 بكريل لكل متر مربع, وقد قطعت أشجار كثير من الغابات وقد حرقت خوفاً من انتقال الإشعاعات, وحذرت الحكومة من تناول الخضروات الملوثة بالإشعاعات وتم جرف وإزالة سطح التربة الملوثة بعمق 10 سم حتى لا تنبت فروعات ملوثة.
وتسببت السحابة المشعة الناتجة عن الحادث والتي انتشرت فوق أوروبا في تلوث المزارع ومختلف المحاصيل وامتنع الناس عن تناول كثير من الأطعمة والخضر, وتم إعدام الخضروات والفواكه التي تبين أنها ملوثة.
د- الحيوانات
تأثرت الحيوانات بالتلوث الإشعاعي مباشرة لتلوث المياه والتربة والنباتات, ولقد نشرت مجلة " موسكونيوز" في عددها الصادر في شهر فبراير عام 1989م تقرير عما حدث في إحدى المزارع الحكومية التي تبعد 50 كيلومتر من تشرنوبيل وقد بين هذا التقرير أنه في عام 1987م ولدت 64 بقرة وخنازير مشوهة فمنها بقر بدون رأس وبعضها بدون أرجل وبعضها بدون أعين, وفي عام 1988 أصيب 76 بقرة بتشوهات.
هـ- الآثار الاقتصادية
وضع حادث تشرنوبيل العالم لأول مرة أمام نموذج مصغر لعملية تلوث إشعاعي عابر للحدود، وفيما لو تفاقمت الظروف إلى درجة فقدان السيطرة على الموقف فإن المحطة تتحول عندئذ إلى قنبلة موقوتة هائلة التدمير، ولذا فإن هذا الحادث كان نموذجاً مصغراً للغاية لما يمكن أن ينشأ عن حرب نووية من دمار للمنشآت وتلويث للبيئة وقتل للأرواح وإشاعة للمرض والتشوهات الخلقية والتي تستمر إلى عدة عقود أو قرون.
حادثة تشرنوبيل لم ولن ينتهي تأثيرها في وقت قريب، فهل تكون الأخيرة في عصر بلغ عدد المفاعلات النووية فيه أكثر من 400 مفاعل نووي في أنحاء المعمورة