ثقافة الحب والتسامح
أمير بن محمد المدري
إمام وخطيب مسجد الإيمان – اليمن
من أعظم نِعَمِ الله تعالى على العبد المسلم أن يجعل صدره سليماً من الشحناء والبغضاء ،
نقياً من الغلِّ والحسد ، صافياً من الغدر والخيانة ، معافىً من الضغينة والحقد ،
لا يطوي في قلبه إلا المحبَّة والإشفاق على المسلمين .
قد يجد المرء من بعض إخوانه أذىً أو يصيبه منهم مكروه ، وربما يسرف بعض
إخوانه في جرحه أو الحط من قدره ، بل قد يصل الأمر والعياذ بالله إلى أن يفتري
أحد إخوانه عليه الكذب ويتهمه بالسوء .. ومع ذلك كله تراه يدعو الله عز وجل
بقلب صادق أن يتوب على إخوانه ، ويتجاوز عنهم ، ويهديهم سبيل الرشاد ،
ولا يجد في نفسه سبيلاً إلى الانتقام أو الانتصار للنفس . وبقدر إدبارهم عنه
وأذاهم له ، يكون إقباله عليهم وإحسانه إليهم ، يهتدي دائماً بقول الله تعالى :
[ وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ
كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ]
( فصلت : 34-35 )
سلامة الصدر:
راحة لصاحبها، وصلاح بال، وصفاء ذهن، وطمأنينة قلب، وعافية نفسية،
وبرء من آلام وأوجاع ومعاناة الغل والحقد والحسد، ومن سائر أدواء مرض الصدر وآفاته.
أما أصحاب النفوس الضعيفة الهزيلة التي تحمل بين جنباتها ثقافة الكراهية لكل من يخالفها
أو ليس على مذهبها ،ويقعون في أعراض إخوانهم بل وتعدوا إلى خير الخلق بعد الأنبياء
وهم الصحابة والدعاة إلى الله ، ويشتغلون بإشاعة السوء والنميمة، ولا يقيمون
وزناً لكبير ولا صغير ، ولا يخافون الله تعالى في لحوم عباده .
سلامة الصدر :
حال عزيزة نادرة، وهي ـ وإن كانت تُكتسب وتستفاد، ولها أسباب توصلك إليها
ـ إلا أنها هبة من الله يمنحها من يشاء من عباده: إما بمحض فضل منه ورحمة،
وإما لاجتهاد العبد في إصلاح قلبه، وسلامة صدره، فيكافئه الله ـ بفضله أيضاً ـ
من جنس ما عمل، وبنية ما قصد؛ ولذلك كان دعاء المؤمنين ـ تضرعاً إلى الله ـ:
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا
رَبَّنَا إنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10] .
سلامة الصدر
هي أقصر الطرق إلى الجنة، وأقلها كلفة بدنية، واجتهاداً مادياً،
وإن كانت كُلَفُ البدن من أعظم دعائم تلك السلامة، بل هي شرايين حياتها وإمدادها،
إلا أن مجاهَدات النفس هي أصل حياتها.
لا تجد سليم الصدر إلا ودوداً بإخوانه، ذليلاً عليهم، رؤوفاً رحيماً بهم وبعموم المؤمنين،
يستر زلاتهم ،محباً لهم ما يحبه لنفسه، طالباً لما فيه صلاحهم، حريصاً على ما منه نفعهم.
سليم الصدر:
لا يضمر إلا الخير والصلاح، ولا يطوي فؤاده إلا على نية حسنة، ولا يسعى إلا إلى مقصد نبيل،
ومن كان كذلك فهو أبعد الناس عن المخادعة والمصانعة، وأشدهم تنزهاً عن المجاملات
الصفراء، وأعظمهم تورعاً عن المآرب الخاصة.
سليم الصدر:
نقي السريرة، صادق صدوق، لا نفاق فيه ولا تلوُّن، ولا سراديب لأفعاله ومعاملاته،
ولا مراوغات أو تغريرات في عهوده ووعوده.
فلنعش معاً بهذه الثقافة ،ثقافة الحب والتسامح ولنغسل قلوبنا من أدران الحسد والبغضاء .
أمير بن محمد المدري
[/size]