تراجم السلاطين العثمانيين
تمهيد
نشأت الدولة العثمانية إمارة صغيرة عام 699هـ (1299م)، وتوسعت مع مرور الأيام توسعاً مضطرداً، شمل ثلاث قارات، وأصبحت من الدول القوية، صاحبة النفوذ الكبير والكلمة المسموعة في العالم. وهي أطول الدول الإسلامية حكماً في التاريخ. إذ استمر حكمها إلى عام 1342هـ (1924م)، عندما ألغيت الخلافة الإسلامية، وتقوَّضت الدولة العثمانية، وقامت على أنقاضها الجمهورية التركية. ومن ثم فإن حكم الدولة العثمانية استمر سبعة قرون، تعاقب على الحكم فيها ستة وثلاثون حاكماً من أسرة آل عثمان، بعضهم بلقب أمير، وبعضهم بلقب خليفة، ومعظمهم بلقب سلطان.
وفيما يلي ترجمة موجزة لسلاطين الدولة العثمانية:
1. عثمان بن أرطغرل
ولد الأمير عثمان بن أرطغرل عام 656هـ (1258م) في بلدة سوغود Sogud أو عثمانجق Osmancik. وهو رأس أسرة آل عثمان ومؤسس الدولة العثمانية.
خلف والده في قيادة عشيرته. ولبث مصاحباً للسلطان السلجوقي علاء الدين كيكوبات. وقد ساعده في فتح مدن منيعة وقلاع حصينة. فلما قُتل السلطان السلجوقي وسقطت الدولة السلجوقية على أيدي التتار، هرع الناس يلتفون حول المير عثمان غازي، وبايعوه حاكماً عليهم، وذلك عام 699هـ (1299م)، فاتخذ مدينة قره حصار مركزاً لدولته. ثم حصَّن مدينة يني شهير وجعلها عاصمة إمارته. حكم بين الناس بالقسط والعدل، وأنصف المظلوم، وأعطي كل ذي حق حقه. حتى ذاع صيته، وعلا شأنها. ولا سيما بعدما تزوج بنت الشيخ أده بالي Edebali.
أُعجب به السلطان السلجوقي مسعود، لِما حقّقه من انتصارات متتالية على البيزنطيين في الحروب التي وقعت بينهم. فخاطبه السلطان بعثمان شاه، وأرسل إليه علماً أبيض وتاج الملك. ولما واصل جهاده في فتح القلاع والحصون البيزنطية الواحدة تلو الأخرى، واشتدت وطأته على البيزنطيين فعزموا على قتله، فدبروا له مكيدة، غير أن القائد البيزنطي كوسه ميخال "Kose Mihal"، أسر إليه بالأخبار، فاحتاط للأمر، واعد العدة الكافية، وبادر القوات البيزنطية بهجوم مباغت أحبط مكيدتهم، وحقق النصر عليهم. وبعد أن أصبحت الدولة العثمانية مستقلة استقلالاً تاماً، توسعت جبهات القتال مع البيزنطيين. وكان الهدف الأسمى، الذي يسعى الأمير عثمان لتحقيقه، هو فتح مدينة بورصا واتخاذها عاصمة للدولة العثمانية. وظل هذا هدفاً يطمح إليه الأمير عثمان حتى آخر حياته؛ فقد أمر، وهو على فراش الموت، ولده أورخان بفرض الحصار عليها، والاستماتة في فتحها. وقد نجح أورخان في ذلك، وطارت أنباء الفتح إلى الأمير عثمان وهو يجود بأنفاسه الأخيرة. ونُقل جثمانه إلى مدينة بورصا ودفن بها. في عام 726هـ (1324م)، بعد أن عاش سبعين عاماً، قضى منها 27 عاماً على عرش السلطنة.
كان ـ رحمه الله ـ شديد البأس، سديد الرأي، عالي الهمة، كريم الأخلاق، أبيّ النفس. له من الأولاد سبعة، هم: أورخان بك، وعلاء الدين بك، وجوبان بك، وحامد بك، وفاطمة خاتون، وبازارلي بك، وملك بك.
2. أورخان غازي بن عثمان
ولد السلطان أورخان بن عثمان عام 680هـ (1288م). خلف والده على عرش الإمارة وعمره ستة وثلاثون عاماً.
كان قائداً عسكرياً متميزاً. قلَّده والده قيادة الجيش في عدة غزوات ومعارك. جلس على كرسي السلطنة عام 726هـ (1324م). اعتمد على أعوان أقوياء لوضع القوانين وسن الأنظمة. أبرزهم أخوه الأمير علاء الدين، الذي نصبه وزيراً له. ومنهم، كذلك، علاء الدين ابن الحاج كمال الدين، وقره خليل جاندارلي، الذين نظموا أمور البلاد، ووضعوا القوانين والتشريعات التي سارت عليها الدولة فيما بعد. في عهده سُك أول مسكوك عثماني. ونظمت أمور الجيش النظامي، ونُقلت عاصمة الدولة العثمانية من يني شهير إلى بورصا في عهده.
وفي الوقت الذي كانت الأمور التنظيمية للدولة تجري على قدم وساق، كان السلطان أورخان ينتقل من فتح إلى آخر، ومن معركة إلى أخرى. حتى اتسعت الدولة العثمانية، ووصلت إلى شواطىء مرمرة. وزحف السلطان أورخان بجيش جرار، قوامه عشرون ألف مقاتل، إلى بلاد اليونان، فهزم رجالها وانتزع منهم إزميد وأزنيق، وامتلك قره سي وبرغمه، ثم حاصر سمندرة وإيدوس واستولى عليهما بعد ذلك.
وقد وكل السلطان أورخان ابنه الأمير سليمان بفتح بلدان أوروبا عن طريق جنق قلعة، فاستولى على كليبولي والمناطق المجاورة لها. غير أنه توفي بعد ذلك بقليل في عام 761هـ (1360م) بعد أن سقط عن ظهر جواده. فحزن عليه والده حزناً شديداً، أصابه بمرض الموت؛ فتوفي على إثره بشهرين. ودفن بجانب الجامع الذي بناه في مدينة بورصا.
دامت فترة حكمه خمسة وثلاثين عاماً، نظم، خلالها، شؤون الرعية، وفتح المدن والقلاع، وضمها إلى دولته الفتية.كان ذكياً محنكاً حاذقاً يهتم بتنظيم أحوال الناس والبلاد. خلف سبهة أولاد، هم: سليمان باشا وقد توفي في حياة أبيه، ومراد بك، وإبراهيم بك، وفاطمة سلطان، وخليل بك، وسلطان بك، وقاسم بك.
3. مراد الأول ابن أورخان غازي
ولد عام 726هـ (1325م). جلس على كرسي السلطنة عقب وفاة والده، عام 761هـ (1360م)، وكان عمره أربعة وثلاثين عاماً. لقبه المؤرخون العثمانيون بـ خداونكار، أي الحاكم أو الأمير.
بدأ جهاده بالاستيلاء على مدينة أنقره. ثم انتقل إلى أوروبا لمواصلة الفتوحات العثمانية في قارة أوروبا، ونجح في فتح كثير من البقاع، وضمها إلى حوزة الدولة العثمانية. حيث تحقق في عهده فتح أدرنه، وفليبة، وبلاد بلغاريا حتى جبال البلقان. فانتقلت عاصمة الدولة العثمانية إلى أدرنة. وقد بثت هذه الانتصارات الرعب في قلوب الأوربيين، الذين ما فتئوا أن جمعوا، بتشجيع من البابا، ستين ألف مقاتل من الصربيين والمجريين والشيك، وزحفوا إلى العاصمة العثمانية الجديدة أدرنة. غير أن القائد العثماني حاجي إلبك Ilbeg فاجأهم بهجوم مباغت، على رأس عشرة آلاف مقاتل، فأعمل فيهم السيف وقضى عليهم. وتعد هذه أول حملة صليبية على العثمانيين في التاريخ.
قاد السلطان مراد 37 موقعة عسكرية في الروملي والأناضول، وانتصر فيها جميعاً. كان جسوراً، رابط الجأش، مقداماً. فاق جميع معاصريه من الحكام ورجال الدولة في العالم. نجح في تأمين مصالح الدولة العثمانية، وحقق لها أعظم التطورات المذهلة في تاريخها كله. نال احترام الروم، بل ربما نال محبتهم.
عاش السلطان مراد خمساً وستين سنة، وتوفي عام 791هـ أو 792هـ (1388م) بعد أن قضى أكثر من ثلاثين سنة في سدة الحكم.
4. بايزيد ابن مراد خان
ولد عام 761هـ (1360م) ، وجلس على عرش السلطنة بعد وفاة والده في كوسوفا، عام 792هـ (1360م)، وله من العمر تسعة وعشرون عاماً. تربى في قصر والده بمدينة بورصا، وتلقَّى حظاً جيداً من التعليم على يد علماء عصره. كان يمتاز بسرعة المبادرة والذكاء. وقد لقب بالبرق، نظراً لخفته وتحركه السريع. وعمل والياً على مدينة كوتاهيا.
ولما جلس على عرش السلطنة، جهز جيشاً كثيفاً زحف به إلى الصرب، فاستولى على مدينة أزبورنا وودين، وكان مصمماً على الاستيلاء على مدينة سكوب. غير أن ملك الصرب، ستيفن بن لازار حين تملكه الفزع من ذلك، عرض على السلطان بايزيد أن يزوجه أخته تقرباً منه وتودداً، وتعهد له بدفع جزية كبيرة سنوياً، وعدد من العساكر. وانتقل من أوروبا إلى الأناضول، بسرعة البرق، لما رأى أن الإمارات التركية المتبقية فيها على وشك الانهيار، فضم توقات، وسيواس، وقيصري، وقسطموني إلى الأراضي العثمانية. وفي الوقت الذي كان فيه قسم من جيشه يحاصر القسطنطينية، كان القسم الآخر يتقدم في البلقان.
أخضع كثيراً من الأمراء الأوربيين وأجبرهم على دفع الجزية للدولة العثمانية، وتوسعت الدولة في عهده توسعاً كبيراً. وانتصر على الحملة الصليبية الجديدة وقوامها 150 ألف شخص في معركة نيكبولي عام 798هـ (1396م). وحاصر القسطنطينية عدة مرات، إلا أنه لم يتمكن من فتحها. وبعد جملة من الانتصارات الباهرة، وبينما كان السلطان بايزيد يستمتع بوقته في بورصا، إذ وفد إليه رسول من تيمورلنك يعلن عليه الحرب، فلم يكن من السلطان إلا أن جمع جيوشه وتقدم بهم إلى ساحة القتال في سهل أنقره. وتقابل الجيشان في 19 ذي الحجة عام 803هـ (20 يوليه 1402م). وهُزمت القوات العثمانية ووقع السلطان بايزيد، وعدة من أولاده وبعض قواده، أسرى في يد تيمورلنك. وتوفي السلطان بايزيد بعد تلك المعركة بثمانية أشهر (8 مارس 1403م). فنقل جثمانه إلى بورصا فدفن بها.
كان له من الأولاد أحد عشر، هم: محمد جلبي، وأرطغرل، وسليمان، وموسى جلبي، وقاسم جلبي، ومصطفى جلبي، وعيسى جلبي، وهندو خاتون، وفاطمة خاتون، وباشا ملَك، وأخرى لم يعرف اسمها.
5. محمد جلبي ابن بايزيد الأول
ولد محمد جلبي بن بايزيد الأول في عام 781هـ (1387م). ولما بلغ أشده خاض ميادين الوغى تحت إشراف والده.
تربى في بورصا، ودرس على بعض علماء عصره، مثل الشيخ بايزيد، والشيخ محمد الجزري. ولما نال قسطاً مقبولاً من العلوم والمعارف أرسله والده إلى آماسيا والياً، بغية التدرب على شؤون الحكم والإدارة.
رافق والده في معركة أنقره التي جرت مع تيمورلنك. ولما انهزمت فيها القوات العثمانية ووقع والده في أسر تيمورلنك، استطاع أن يفر إلى آماسيا، ثم وقع النزع بينه وبين إخوته بعد وفاة والده، في الصراع على الحكم. وقد استمر هذا النزاع إحدى عشرة سنة، حاول خلالها التمكن من عرش السلطنة من جهة، وحارب الإمارات المجاروة من جهة ثانية، وأرسل بعض قواته لمقاومة ملك المجر، الذي تدخل في شؤون الأفلاق (جزء من المجر اليوم) من جهة ثالثة. وقد استطاع القضاء على بعض حركات التمرد التي نشبت في الأناضول. ونجح أخيراً في الانفراد بالسلطة منتصراً على إخوته.
حاول إصلاح ما فسد من أوضاع البلاد العثمانية بسبب هجوم تيمورلنك. ونجح في استعادة معظم الأراضي، التي تركها والده، والتي سبق أن احتلها تيمورلنك. وعقد الصلح مع ملوك الإفرنح. وأخضع بلاد الصرب، وفتح مدينة إزمير، وضرب الجزية على بلاد الأفلاق (المجر)، وحارب إمارة البندقية لأول مرة في تاريخ الدولة العثمانية. وهو أول من شكل العساكر البحرية للدولة.
أصيب بالدوسنتاريا الحادة، فأرسل لابنه مراد الذي كان والياً على آماسيا بالعودة إليه سريعاً، بغية استلام مقاليد الحكم، فقد كان يشعر أن أجله قريب. ولم يلبث مدة طويلة حتى توفي عام 824هـ (1421م). وأخفى رجال الدولة موته عن الجند، حتى لا يحدث التمرد في صفوفهم. وبعد مرور أربعين يوماً ووصول ابنه مراد، أُذيع النبأ، فنقل جثمانه إلى بورصا، ودفن بجوار الجامع الأخضر. وكان له من العمر اثنان وثلاثون عاماً.
كان سياسياً محنكاً وإدارياً جيداً. وكان يحب بناءالمساجد الجامعة، ويميل إلى رجال العلم والمشايخ. ويعد المؤسس الثاني للدولة العثمانية بسبب نجاحه في إخراجها من المحنة التي تعرضت لها. له من الأولاد أحد عشر، هم: مراد، ومصطفى، وأحمد، ويوسف، وقاسم، وسلجوق، وخديجة، وعائشة، وحفصة، واثنتان أخريان.
6. مراد خان الثاني ابن محمد جلبي
ولد مراد خان ابن محمد جلبي عام 806هـ (1403م). جلس على كرسي السلطنة عام 824هـ (1421م)، وكان عمره آنذاك ثمانية عشر عاماً. وقد تكالب عليه الأعداء، وتوقعوا عدم مقدرته على الصمود في وجههم، نظراً لصغر سنه. ولكنه خيبَّ ظنونهم، فعلى الرغم من كونه في ريعان الشباب؛ إلاّ أنه كان يمتاز بالنشاط، والكفاية العسكرية، والاستقامة الخلقية.
وبعد جلوسه على العرش أرسل يخبر كلاً من ملك المجر، وملك اليونان، وأمير منتشة، والكرماني. فهنأه أمير الكرماني وسيسموند، وطلب إليه الأخير أن يهادنه خمس سنوات. ثم طلب ملك القسطنطينية إتمام المعاهدة التي سبق وأبرمها مع والده، أن يرسل إليه أخويه على سبيل الرهن وضماناً للوفاء بالمعاهدة. أما إذا أبى فإنه سيطلق سراح مصطفى بن السلطان بايزيد اللاجئ إليه في سلانيك، ويؤيده ويدعمه ضد أخيه، ويطلب له العون والمدد من دول الأفرنج؛ فأغلظ السلطان له الجواب، ولم يخش له وعيداً ولا تهديداً. ولما أن سمع الجواب استشاط غيظاً، وأطلق سبيل مصطفى، ومده بقوة حربية. قابلها السلطان مراد بقوة قوامها ثلاثون ألف مقاتل. واستمر نشوب العديد من المعارك، وانتهت الأزمة بين الطرفين بمقتل مصطفى جلبي على يد بعض أعوانه أثناء فراره إلى الأفلاق، بعد هزيمة قواته.
ثم زحف السلطان مراد الثاني إلى القسطنطينية في عام 1421م، وحاصرها. غير أنه لم يستطع فتحها بسبب منعة أسوارها. فتحول عنها إلى آسيا الصغرى. وفتح العديد من المدن. وانتقل إلى أوروبا حيث عقد الصلح مع أهل الصرب والأفلاق، وشن عدداً من الغارات على بلاد ألبانيا والبلغار، إلاّ أنه تعسر عليه فتحها، وانكسرت عساكره، فعقد هدنة معهم لمدة عشرين عاماً. ثم تنازل عن الحكم لولده محمد البالغ من العمر أربعة عشر عاماً.
أما ملوك الأعداء فلما علموا بتنازله لولده أخلفوا وعودهم، وانطلق قوم من الأفلاق فأحرقوا 24 مركباً من المراكب العثمانية، واستولوا على جملة قلاع ومدن. ولما استفحل أمرهم، أسرع أركان الدولة في استدعاء السلطان مراد، لإنقاذ البلاد من الوقوع في أيدي الأعداء، فلبى طلبهم، وسار لقتال ملك المجر بأربعين ألف مقاتل، فقضى عليهم. ولما هدأت الأحوال رجع السلطان مراد إلى مانيسا متعبداً. غير أن الإنكشارية في هذه المرة قامت بإحداث الشغب في المدينة، مستخفة بولده الأمير محمد الثاني. فلما حضر أرسل ولده إلى مانيسا، وكبح جماح الإنكشارية، ثم توجه مع ستين ألف مقاتل إلى بلاد الموره وألبانيا، فأخضعها.
توفي عام 855 هـ (3 شباط 1451م). بعد أن عاش ثمانية وأربعين عاماً. دام حكمه للبلاد تسعاً وعشرين سنة وثمانية أشهر. كان سلطاناً متديناً، يحب العلم وأهله. ولا ينقطع عن مجالس الذكر. وكان يقرض الشعر. وقد اتسمت فترة حكمه بالعدل، ورعاية الفقراء والمساكين. بنى كثيراً من المساجد الجامعة ومدارس العلم. وقد أوصى بالحكم لابنه محمد. وكان له من الأولاد اثنا عشر، هم: أحمد، وعلاء الدين، وأورخان، وحسن، ومحمد (الفاتح)، وأحمد الصغير، وفاطمة وخمس بنات أخريات لم تعلم أسماؤهن.
7. محمد الثاني (الفاتح) ابن مراد الثاني
ولد محمد بن مراد الثاني عام 833هـ (1430م) في مدينة أدرنة. وحَظِي، منذ نعومة أظافره، برعاية خاصة من والدته "هما خاتون" المعروفة بالتدين. كما نال اهتماماً خاصاً من والده الذي كان يود أن ينشأ الابن أحسن تنشئة. وبقي في القصر القديم بمدينة أدرنة فترة من الوقت، ثم أرسل إلى بورصا، وتلقى مبادئ العلوم والتربية إلى أن بلغ العاشرة، حيث عين أميراً على سنجق مانيسا، اتباعاً للعادة الجارية في الدولة مع أمراء آل عثمان، للتدرب على الشؤون الإدارية والعسكرية. صحبته حاشية تضم عدداً من الضباط والعلماء. على رأسهم الشيخ ملا كوراني، الذي أحسن تربية محمد الفاتح وتعليمه. فقد تعلم في مدة وجيزة اللغة العربية والفارسية، إلى جانب بعض العلوم الإسلامية. كما تدرب من جهة أخرى على ركوب الخيل وفنون الفروسية، واتخذ لنفسه ـ كما هي عادة أمراء آل عثمان ـ صنع المدافع.
اعتلى عرش السلطنة، بعد وفاة والده عام 855هـ (1451م). وكان يفكر في مدينة القسطنطينية (إستانبول) منذ الصغر. وما أن انتقل إليه الحكم حتى تفرغ لفتحها بكل ما أوتي من قوة وجهد. فشرع في بناء القلاع على شاطئ المدينة لقطع الإمدادات التي قد تصل إلى البيزنطيين، وإعداد جميع ما يلزم من مهمات الحرب، ولا سيما إعداد المدافع الكبيرة التي لم تشاهد من قبل. وفرض الحصار على المدينة، في أوائل شهر إبريل 1453م (857هـ)، بقوة قوامها نحو مائة وخمسين ألف جندي. واستمر ذلك الحصار ثلاثة وخمسين يوماً، أبلى فيها المسلمون بلاءً حسناً، وخلدوا بذلك ذكرهم في التاريخ، حيث تمكنوا من فتح المدينة، في يوم الثلاثاء 20 جمادى الأولى 857هـ (29 مايو 1453م). فأصبحت إستانبول ولأول مرة في تاريخ الإسلام، بحوزة المسلمين. وصار هذا الفتح العظيم نقطة تحول في تاريخ العالم؛ حيث اتخذ هذا التاريخ بداية للعصر الحديث.
اهتم السلطان محمد الفاتح بإعادة بناء المدينة، وتشييد الجوامع، وأول جامع قام بتشييده جامع أبي أيوب الأنصاري، الذي ما إن انتهى من بنائه حتى قلده شيخ الإسلام سيفاً بيده. ومن ذلك الوقت جرت العادة أن السلطان، الذي يجلس على عرش الملك، يذهب إلى ذاك الجامع ويُقَلَّد السيف.
لم يكتف السلطان محمد الفاتح بفتح إستانبول؛ وإنما زحفت جيوشه إلى بلاد البلقان، وفرض الحصار على قلعة بلغراد، غير أنه لم يتيسر له فتحها، وجُرح في المعارك التي جرت أثناء ذلك، فعاد إلى أدرنة، ثم توجه إلى فتح مدينة أتنا بعد مضي فترة من الوقت، ففتحها، ثم فتح بعض البلاد الواقعة على البحر الأسود مثل طرابزون وسينوب، كما فتح بعض البلاد البلقانية مثل البوسنة، والأفلاق والبغدان. وعلى الرغم من فرضه الحصار على جزيرة رودس لثلاثة أشهر عام 885هـ (1480م)، إلا أنه لم يتمكن من فتحها. وفي الوقت الذي كان فيه الفاتح يستعد لفتح جزيرة قبرص، والتصدي لقتال شاه إيران، إلا أن المرض العضال الذي ألمّ به لم يمهله، بل أودى بحياته، دون أن يتمكن من تحقيق الهدفين المذكورين. وذلك في عام 886هـ (3 مايو 1481م) في بلدة كبزة، فدفن بجانب الجامع الذي بناه في إستانبول.
كانت مدة حكمه إحدى وثلاثين سنة، وعاش ثلاثة وخمسين عاماً. عرف بسجايا أخلاقية حميدة، منها جديته في العمل، واستقامته، وسماحته وعدله ومروءته. ويكفيه فخراً أنه نال الوصف النبوي الكريم "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش" (أخرجه الإمام أحمد في مسنده). وكان يحب العلم والعلماء ويكرمهم ويعرف لهم قدرهم أنشأ العديد من المدارس، وعلى رأسها مدارس "صحن ثمان" التي تعد جامعة، انضوى تحتها مختلف التخصصات العلمية. كما أنشأ مدرسة أندرون داخل قصر طوب قابي لتنشئة كبار رجالات الدولة. وقد امتاز بدبلوماسية واعية، وطموحاتٍ عالية، وشجاعة نادرة، وتعمق في دراسة الجغرافيا والتاريخ والعلوم العسكرية. وكان يتحدث العربية والفارسية واليونانية إضافة إلى اللغة التركية.
كان له ستة من الأولاد، هم: مصطفى، وبايزيد، وجم، وجوهر، وبنتان لم يعرف اسماهما.
8. بايزيد الثاني ابن محمد الفاتح
ولد بايزيد بن محمد الفاتح عام 851هـ (1452م).
اعتلي عرش السلطنة، في عام 886هـ (21 مايو 1481م). وقد نازعه أخوه جم العرش، فنشبت بينهما عدة معارك، انتهت بفوز بايزيد، وهروب أخيه إلى مصر ثم إلى جزيرة رودس ومنها إلى فرنسا. وقد توفي في الطريق (1495م)، وقيل تُوفِّي مسموماً.
وعلى الرغم من أن ذلك النزاع قد استغرق من السلطان الجديد (بايزيد) جل وقته، مما أوقف حركة الفتوحات فترة من الوقت؛ إلا أن بايزيد استأنف تلك الحركة، فتم في عهده فتح الهرسك، وأبرمت معاهدة مع المجر، وفتحت قلعة كيليا ثم قلعة آق كرمان، وزحف على بولونيا، وضبط بلاد الألبان. غير أنه لم ينج من توجيه الانتقادات إليه من جانب المؤرخين؛ إذ أنه استلم دولة قوية، وميزانية كبيرة للغاية، ولكم ما أنجزه من فتوحات فلا يرقى إلى مستوى يليق بابن الفاتح. ولعل السبب في ذلك، كما يشير إليه بعض المؤرخين، أن السلطان بايزيد لم يكن رجل دولة، بل كان رجلاً زاهداً في الدنيا، ومحباً للعلم والتقوى.
كان بايزيد سلطاناً وديعاً، وإن كان رامياً ماهراً، نشأ محباً للأدب، متفقهاً في العلوم الشرعية، شغوفاً بعلم الفلك. واستعان بالعديد من الخبراء في تحسين شبكة الطرق والجسور التي أقامها أسلافه للأغراض العسكرية، واشتهر هو بمنشآته المعمارية. وعلى رأسها المسجد الذي بناه في إستانبول بين عامي 903-909هـ (1497 و 1503م).
سلم زمام أمور السلطنة لابنه سليم عام 918هـ (1512م)، ثم توفي بعد ذلك بيومين، وهو في الطريق متوجهاً إلى مدينة ديمتوقة، فنقل جثمانه إلى إستانبول، ودفن بجوار مسجده. عاش سبعة وستين عاماً، وأقام في مدة ملكه جملة مدارس ومساجد جامعة. وكان يرسل إلى الكعبة المعظمة كل سنة مبلغاً وافراً من المال . وكان له من الأولاد أربهة عشر، هم: قورقود، وعيني شاه سلطان، وعبدالله، وأحمد، وشهنشاه، وشاه سلطان، وعالم سلطان، وسليم، ومحمود، وخديجة سلطان، وفاطمة سلطان، ومحمد، وسلجوق، وهما سلطان.
9. سليم بن بايزيد الأول
ولد سليم الأول ابن بايزيد في مدينة آماسيا عام 875هـ (1470م). ولقي اهتماماً ورعاية كبيرة من والدته كل بهار خاتون، بناءً على الرواية التي تقول: إن أحد الدروايش أخبرها يوم ولادته أنه سوف يصبح سلطاناً على الدولة العثمانية، مما حدا ذلك بأمه على تنشئته على وجه يليق بالسلاطين.
تربى الأمير سليم على يد المشاهير من علماء عصره، أمثال: ملا محيي الدين أفندي، ومصلح الدين مصطفى أفندي طاش كوبريلي، وملا حليمي أفندي. واهتم بالتاريخ والأدب والخط أكثر من غيرها. وتعلم العربية والفارسية، إلى جانب التدريب على الفنون العسكرية والفروسية والرماية. ولما كبر قليلاً عين أميراً على سنجق طرابزون, وتفوق على إخوانه في العلوم والمعارف.
اهتم بشؤون الدولة منذ وقت مبكر. وكان يقارن بين عهد جده السلطان محمد الفاتح وبين عهد والده، الذي لم يرق إلى مستوى جده، بل كان يشعر بمكامن الخطر تحيط بالدولة من الصفويين، وخطر انتشار المذهب الشيعي في أنحاء الأناضول، وموقف والده المسالم المهادن من كل ذلك. فلما أخذ الحكم من والده عام 918هـ، نازعه عليه إخوانه، فقضى عليهم في الحروب التي وقعت بينهم، وتفرغ بذلك للحرب مع الشاه إسماعيل الصفوي، الذي استطاع تكوين دولة كبيرة في مدة وجيزة، ونجح في إدخال قانصو الغوري، سلطان مصر، في حلفه ضد العثمانيين. لقيه في سهل جالدران عام 920هـ (1514م) وهزمه شر هزيمة، وانتقلت بذلك أرضروم، ودياربكر، ومرعش، وغيرها، من المدن المهمة في شرق الأناضول، إلى الإدارة العثمانية.
كان السلطان سليم يود تكوين دولة كبيرة في آسيا، فتوجه إلى مصر. وكانت الأراضي السورية وفلسطين، في ذلك الوقت، تحت الحكم المملوكي المصري. والتقى في مرج دابق، بالقرب من حلب، السلطان الغوري، عام 922هـ (1516م)، فتغلب عليه، ثم سار إلى فلسطين فضمها إلى ملكه، وتوجه بعد ذلك إلى القاهرة، وبعد معركة حامية قضى على الدولة المملوكية ودخلت بذلك مصر تحت الحكم العثماني. وبذلك انتقل الحرمان الشريفان التابعان إدارياً لمصر إلى الدولة العثمانية. ولقب، في هذه الفترة، بخادم الحرمين الشريفين.
وبعد عودته من مصر أعد أسطولاً ضخماً، بقصد استئناف الفتوحات، التي كانت تراود أحلامه. غير أنه توفي قبل أن يكمل تلك الاستعدادات، وذلك في مدينة جورلو عام 926هـ (1520م). عاش أربعة وخمسين عاماً، قضى منها ثمان سنوات على عرش السلطنة. وعلى الرغم من قصر مدة حكمه إلا أنه أحرز نجاحاً باهراً فيما أقدم عليه من خطط لتوسيع أراضي الدولة العثمانية .
كان صارماً في الأمور التي تخص الدولة. وكان يتابع الأمور بنفسه. وكان خبيراً في اختيار الرجال، ووضعهم في الأماكن المناسبة. كان يحب العلم والعلماء. ونظم أشعاره باللغة الفارسية. وكان له من الأولاد خمسة، هم: فاطمة، وشاه سلطان، وخديجة، وحفيظة، وسليمان.
10. سليمان بن سليم الأول
ولد سليمان ابن السلطان سليم الأول في عام 900هـ (27 نيسان 1495م) في مدينة طرابزون. وبقي فيها سبع سنوات، ثم أرسل إلى إستانبول لدى جده بايزيد الثاني، بغية إكمال تحصيله العلمي. فخصص لتدريسه خير الدين خضر أفندي، حيث أخذ عنه علوم الدين والتاريخ والآداب. واختير له معلم لتعليمه صناعة الذهب، على عادة الأمراء العثمانيين في تعلم مهنة معينة. وقد أتقن تعلم تلك المهنة، ولما تولى زمام أمور الدولة فيما بعد أبح حامياً للمهنيين.
اعتلى عرش السلطنة عام 926هـ (1520م)، وكان آنذاك في السادسة والعشرين من عمره. ولما أقدم المجر على قتل مبعوث السلطان الموكل بأخذ الجزية منهم، بعد توليه الحكم بسنة واحدة، أعد العدة وهاجمهم، فاستولى على قلعة بلغراد عام 927هـ (1521م)، وبذلك فتح الطريق إلى قلب أوروبا. ثم استولى، بعد سنة واحدة، على جزيرة رودس، وبعض الجزر القريبة منها. كما شنّ هجوماً آخر على المجر، وانتصر في معركة موهاج الحاسمة، وتوغل في داخل أوروبا حتى فرض حصاره على مدينة فيينا عام 935هـ (1529م)، إلا أن فتحها لم يتيسر له. وتوجّه في عام 1534م، إلى شرق الأناضول ففتح مدن وان، وقارس، وبغداد، والموصل، وتوغل عدة مرات إلى داخل تبريز وقضى بذلك على الاعتداءات، التي كان الصفويون يقومون بها على أراضي الدولة العثمانية. كما زحف إلى نخجوان عام 1553م. وكانت آخر معركة شارك فيها السلطان سليمان هي معركة زكتوار. وقد توفي أثناء حصار قلعة زكتوار، بعد إصابته بمرض، فنُقِل جثمانه إلى إستانبول، ودفن بجانب الجامع الذي بني باسمه، وذلك في عام 974هـ (1566م)، عن عمر يناهز اثنين وسبعين عاماً.
عرف السلطان سليمان بفتوحاته العظيمة في التاريخ العثماني؛ فقد توسعت أراضي الدولة العثمانية شرقاً وغرباَ وشمالاً وجنوباً. ووصلت الدولة، في عهده، إلى أوج قواتها، وأصبحت الدولة العثمانية في عهده أقوى دولة في العالم. وقد ألحقت بممالك الدولة في عهده المجر، وأردل، وطرابلس الغرب، والجزائر، والعراق، ورودس، وشرق الأناضول من وان إلى أردهان، وقسم من أراضي جورجيا، وجزر بحر إيجة، وبلغراد، وجربة.
عرف السلطان سليمان ببراعته العسكرية، وإدارته المتميزة، وتصديقه على القوانين، التي أعدها له شيخ الإسلام أبو السعود أفندي. أطلق المؤرخون الغربيون لقب العظيم على السلطان سليمان تشريفاً له وتعظيماً، في حين وصفه العثمانيون بلقب القانوني، نظراً لوضع القوانين التي تنظم شؤون الدولة.
شيد الكثير من المساجد الجامعة الكبيرة، والجسور، والخانقاهات، والمدارس الشرعية، ولا سيما مدراس السليمانية، التي كانت تدرس فيها مختلف التخصصات العلمية. وبرز في عهده العديد من العلماء والشعراء والأدباء. وكان السلطان سليمان شاعراً وأديبا.
وكان له من الأولاد عشراً، هم: عبدالله ، ومراد، ومحمود، ومصطفى، ومحمد، وسليم، وبايزيد، وجهانكير، ومهرماه، وراضية، التي توفيت في سن صغيرة.
11. سليم الثاني ابن سليمان القانوني
ولد سليم ابن السلطان سليمان القانوني عام 930هـ (28 مايو 1524م) في إستانبول. وقد أطلق عليه سليم الأشقر، نظراً لشُقْرة بشرته. نال تعليماً جيداً، مثل غيره من الأمراء في عهده، على يد كل من جعفر أفندي، وحليمي أفندي، وعطاء الله أفندي. وعمل والياً على كوتاهيا ومانيسا.
جلس على عرش السلطنة عام 974هـ (1566م). وكان عمره أربعاً وأربعين عاماً. وعلى الرغم من عدم اهتمامه بشؤون الدولة، فقد ترك أمورها للصدر الأعظم صرقولي باشا، إلاّ أنه تحقق في عهده العديد من الانتصارات، على أيدي القواد الذين أرسلهم لإخماد بعض الثورات، مثل أوزدمير أغلو عثمان باشا، وحملته على اليمن عام (1567م)، وفتح قبرص عام 978هـ (1570م) بقيادة لالا مصطفى باشا، وإلحاق تونس بالدولة العثمانية عام 982 هـ (1574م). غير أن الهزيمة، التي مُنِي بها الجيش العثماني عام 978هـ (1571م)، المعروفة بـ لوفانتو (لبانتو)، كانت أكبر هزائم ذلك العهد.
من أهم أعماله: مضاعفته لمخصصات الحرمين الشريفين، وبناؤه لمسجد جامع سمي باسمه في أدرنة، وإصلاحه لجامع آياصوفيا من آثار الزلزال. تم في عهده الصلح مع النمسا، وجددت المعاهدة مع فرنسا، كما قضت الدولة على التمرد، الذي قام به ابن عليان في البصرة.
وجه إليه المؤرخون بعض الانتقادات، منها أنه لم يشترك في أي حرب خاضتها الدولة العثمانية، وأنه لم يكن يخرج من القصر؛ الأمر الذي لم يتعود عليه جنود الدولة. ويعزو هؤلاء المؤرخ تماسك الدولة في عهده إلى كونه ورث العرش من والده، وهي أقوى دولة في العالم، ومن خلال الأنظمة التي وضعها والده، إضافة إلى وجود الصدر الأعظم صوقوللي محمد باشا على رأس الدولة، وهو من أساطين الحكم في الدولة العثمانية.
وهو أول سلطان عثماني توفي في إستانبول، وذلك عام 982هـ (1574م). عاش اثنين وخمسين عاماً، قضى منها على عرش السلطنة ثماني سنوات. كان كريماً محباً للخير وأهل العلم. وكان له من الأولاد عشراً، هم: أسماء خان، وعثمان، وجوهر سلطان، وشاه سلطان، ومصطفى، ومراد، وسليمان، وجهاكير، ومحمد، وعبدالله.
12. مراد خان الثالث ابن السلطان سليم
ولد مراد الثالث ابن السلطان سليم الثاني في مانيسا عام 953هـ (4 تموز 1546م). نال تعليماً جيداً على يد بعض العلماء، ومن أشهرهم سعد الدين أفندي، وإبراهيم أفندي. وقد أخذ منهم العلوم السائدة في عهده. غير أن اهتمامه الكبير كان بالأدب. كتب أربعة دواوين، اثنان منها باللغة التركية، وأحدها باللغة الفارسية وآخرها باللغة العربية، مما يدل على إتقانه للغتين العربية والفارسية على نحو متميز، يمكنه من نظم الشعر بهما.
ولما بلغ مراد الثالث سن الخامسة عشرة، عين والياً على مانيسا، فتعلم فيها الأمور الإدارية. وجلس على عرش الملك عام 982هـ (1574م). وكان عمره تسعة عشر عاماً. جدد العهود مع دول الإفرنج. ووقعت في عهده بعض المعارك مع المجر، فاستولى على بعض قلاعها، وضمها إلى ولاية البوسنة. وأخضع بعض المناطق في شمال المغرب العربي مثل الجزائر والمغرب للدولة العثمانية عام 984هـ. كما وقعت في عهده بعض المعارك مع الإيرانيين، وفتح بعض المناطق من جورجيا مثل تفليس وذلك عام 986هـ (1578م). ومنح بعض الامتيازات الأجنبية لفرنسا. ولما استأنف الإيرانيون الحرب ضد الدولة العثمانية، تصدت لها القوات العثمانية، وهزمتها، وانتزعت منها ولايتي شروان وداغستان. كما وقعت في عهده حرب طاحنة مع النمسا،استمرت ثلاث عشرة سنة. غير أنه لم يسجل تقدم يذكر في هذا الصدد.
من أهم الأعمال، التي أنجزت في عهده، القضاء على النفوذ البرتغالي في المغرب، وضم بعض المناطق إلى الدولة. ويذكر أن السلطان مراداً الثالث أكثر السلاطين العثمانيين جرياً وراء النساء. إذ أنه لما توفي عام 1003هـ (1595م) إثر مرض فجائي، كان له من الأولاد مائة وثلاثة عشر. أهمهم: سليم، وبايزيد، ومصطفى، وقرقود، وعبدالرحمن، وعبدالله، ومحمد، وعلي، وإسحاق، ومراد، وعمر، وعلاء الدين.. إلخ.
13. محمد الثالث ابن السلطان مراد الثالث
ولد محمد خان الثالث ابن السلطان مراد الثالث في مانيسا عام 974هـ (1566م). نال تعليماً جيداً على يد المؤرخ سعد الدين أفندي. وكان مولعاً بالشعر مثل أجداده. واستخدم لقب "عدلي" في أشعاره".
تولى الملك في عام 1003هـ (1595م) بعد وفاة والده باثني عشر يوماً. وحال جلوسه أصلح الأحوال المختلفة في داخل السلطنة، وعزل بعض رجال الدولة، ونصب مكانهم من وجد فيهم الإخلاص والأهلية. نشب في عهده العديد من المعارك مع الأفلاق وبغداد ثم مع المجر والنمسا. واستولى على مدينة بوخارست. غير أن جيوش الدولة انهزمت في يركوكي. وبناءً على ذلك فقد ذكر سعد الدين أفندي للسلطان محمد أن الأسباب، التي تكمن وراء الهزائم العسكرية لجنود الدولة العلية، عدم مشاركة السلطان للحرب بنفسه. فاقتنع بذلك وطفق يشن المعارك بنفسه، فاستولى على قلعة أكري، وانتصر في موقعة "خاج أوه" عام 1004هـ (1596م). غير أن سرعة عودته إلى إستانبول حال دون الحصول على نتائج ملموسة من ذلك الانتصار. ووقعت في عهده التمردات المعروفة في التاريخ العثماني بـ"التمرد الجلالي". كما أن شاه إيران أخل بالمعاهدة المبرمة بينه وبين الدولة العثمانية، وأعلن الحرب عليها عام 1011هـ (1603م). ولكن المنية وافته قبل أن يطفئ نار الحرب بينه وبين إيران توفي، وذلك عام 1012هـ (1603م). ودفن بجانب مسجد آياصوفيا. وكان عمره آنذاك ثمانية وثلاثين عاماً. وقد حكم الدولة العثمانية ثماني سنوات.
ويعد السلطان محمد الثالث آخر السلاطين العثمانيين، الذين خرجوا إلى السناجق لقضاء فترة معينة من التدريب على الشؤون الإدارية. كان طبيب القلب، وكثير التأثر بالغير. وكان له من الأولاد ستة، هم: محمود، وأحمد، وسليم، ومصطفى، وسليمان، وجهانكير.
14. أحمد ابن السلطان محمد الثالث
ولد أحمد الأول ابن السلطان محمد الثالث في مانيسا عام 998هـ (1590م). درس على يد معلم سلطان ومصطفى أفندي من علماء ذلك العصر. ومع صغر سنه كان يبهر أساتذته بذكائه. وقد بدأ نظم الشعر في سن صغيرة نسبياً. واستخدم في الشعر اسم "بختي".
جلس أحمد الأول على عرش السلطنة عام 1012هـ (1590م) وكان عمره آنذاك أربعة عشر عاماً. جرت في عهده عدة حروب مع الفرس ومع النمسا، إلى أن أبرمت معاهدة مع ملك النمسا لمدة عشرين سنة، وذلك عام 1015هـ (1609م)، كما عقدت معاهدة مماثلة مع الفرس عام 1021هـ (1612م)، فقدت الدولة العثمانية بموجبها كل ما ضمه السلطان سليمان القانوني إلى أراضي الدولة، وكان ذلك بداية تراجع للدولة العثمانية. وقعت في هذا العهد بعض الاضطرابات الداخلية من الإنكشارية، وأمراء بعض المناطق. فتم إخمادها. وجددت الدولة في عهده أيضاً امتيازات مع فرنسا وإنجلترا، وحصلت هولندا على مثلها. كما جددت الاتفاقية مع بولونيا، بحيث تمنع الدولة تتار القرم من التعدي على أراضي الدولة العثمانية.
أصيب السلطان أحمد في عام 1026هـ (1617م) بحمّى خبيثة أودت بحياته. كانت مدة ملكه أربع عشرة سنة. ولما توفي كان عمره ثمانية وعشرين عاماً. وكان معروفاً بتدينه وصلاحه؛ وقد منع الخمر منعاً باتاً على أراضي الدولة العثمانية. كما قضى على نفوذ الحريم على السلطان. وخالف أسلافه من السلاطين في قتل إخوانه، خوفاً من الصراع على الحكم. وقد أوصى بالحكم لأخيه مصطفى قبل موته. وأكبر الآثار العمرانية، التي قام بتشييدها هو الجامع الذي سمي باسمه، وقد استمر العمل فيه سبع سنوات متواصلة. كما أنشأ بعض المدارس. وكان له من الأولاد عشرة، هم: بايزيد، وسليمان، وقاسم، ومراد، وعثمان، وعائشة، ومحمد، وفاطمة، وإبراهيم، وعاتكة.
15. مصطفى الأول ابن السلطان محمد الثالث
ولد مصطفى ابن السلطان محمد الثالث في عام 991هـ (1591م).
قضى أربع عشرة سنة من عمره محجوزاً بين الجواري والحريم، خوفاً من تدخله في شؤون الدولة. ولهذا السبب فإنه لم يعرف شيئاً من أمور الحكم والإدارة عندما آل إليه عرش السلطنة عام 1026هـ (1617م). ونظراً لتدهور وضعه العقلي، فقد عزل من منصبه بعد ثلاثة أشهر من توليه الحكم. ثم رقي سدة الحكم للمرة الثانية في عام 1030هـ (1622م)، بعد مقتل ابن أخيه عثمان، إلا أنه لم يستطع إخماد التمردات الداخلية، التي فرّغ لأجلها خزينة الدولة. ولهذا فقد اجتمع أركان الدولة في قصر الصدر الأعظم علي باشا، وقرروا تنحية السلطان مصطفى عن الحكم وحبسه، وتنصيب الأمير مراد. فأُزيح السلطان مصطفى عن الحكم عام 1031هـ (01623م). وقضى بقية حياته محبوساً في إحدى مقصورات القصر حتى عام 1048هـ (1638م)، حيث توفي فيها، ودفن بالقرب من جامع آياصوفيا.
تمهيد
نشأت الدولة العثمانية إمارة صغيرة عام 699هـ (1299م)، وتوسعت مع مرور الأيام توسعاً مضطرداً، شمل ثلاث قارات، وأصبحت من الدول القوية، صاحبة النفوذ الكبير والكلمة المسموعة في العالم. وهي أطول الدول الإسلامية حكماً في التاريخ. إذ استمر حكمها إلى عام 1342هـ (1924م)، عندما ألغيت الخلافة الإسلامية، وتقوَّضت الدولة العثمانية، وقامت على أنقاضها الجمهورية التركية. ومن ثم فإن حكم الدولة العثمانية استمر سبعة قرون، تعاقب على الحكم فيها ستة وثلاثون حاكماً من أسرة آل عثمان، بعضهم بلقب أمير، وبعضهم بلقب خليفة، ومعظمهم بلقب سلطان.
وفيما يلي ترجمة موجزة لسلاطين الدولة العثمانية:
1. عثمان بن أرطغرل
ولد الأمير عثمان بن أرطغرل عام 656هـ (1258م) في بلدة سوغود Sogud أو عثمانجق Osmancik. وهو رأس أسرة آل عثمان ومؤسس الدولة العثمانية.
خلف والده في قيادة عشيرته. ولبث مصاحباً للسلطان السلجوقي علاء الدين كيكوبات. وقد ساعده في فتح مدن منيعة وقلاع حصينة. فلما قُتل السلطان السلجوقي وسقطت الدولة السلجوقية على أيدي التتار، هرع الناس يلتفون حول المير عثمان غازي، وبايعوه حاكماً عليهم، وذلك عام 699هـ (1299م)، فاتخذ مدينة قره حصار مركزاً لدولته. ثم حصَّن مدينة يني شهير وجعلها عاصمة إمارته. حكم بين الناس بالقسط والعدل، وأنصف المظلوم، وأعطي كل ذي حق حقه. حتى ذاع صيته، وعلا شأنها. ولا سيما بعدما تزوج بنت الشيخ أده بالي Edebali.
أُعجب به السلطان السلجوقي مسعود، لِما حقّقه من انتصارات متتالية على البيزنطيين في الحروب التي وقعت بينهم. فخاطبه السلطان بعثمان شاه، وأرسل إليه علماً أبيض وتاج الملك. ولما واصل جهاده في فتح القلاع والحصون البيزنطية الواحدة تلو الأخرى، واشتدت وطأته على البيزنطيين فعزموا على قتله، فدبروا له مكيدة، غير أن القائد البيزنطي كوسه ميخال "Kose Mihal"، أسر إليه بالأخبار، فاحتاط للأمر، واعد العدة الكافية، وبادر القوات البيزنطية بهجوم مباغت أحبط مكيدتهم، وحقق النصر عليهم. وبعد أن أصبحت الدولة العثمانية مستقلة استقلالاً تاماً، توسعت جبهات القتال مع البيزنطيين. وكان الهدف الأسمى، الذي يسعى الأمير عثمان لتحقيقه، هو فتح مدينة بورصا واتخاذها عاصمة للدولة العثمانية. وظل هذا هدفاً يطمح إليه الأمير عثمان حتى آخر حياته؛ فقد أمر، وهو على فراش الموت، ولده أورخان بفرض الحصار عليها، والاستماتة في فتحها. وقد نجح أورخان في ذلك، وطارت أنباء الفتح إلى الأمير عثمان وهو يجود بأنفاسه الأخيرة. ونُقل جثمانه إلى مدينة بورصا ودفن بها. في عام 726هـ (1324م)، بعد أن عاش سبعين عاماً، قضى منها 27 عاماً على عرش السلطنة.
كان ـ رحمه الله ـ شديد البأس، سديد الرأي، عالي الهمة، كريم الأخلاق، أبيّ النفس. له من الأولاد سبعة، هم: أورخان بك، وعلاء الدين بك، وجوبان بك، وحامد بك، وفاطمة خاتون، وبازارلي بك، وملك بك.
2. أورخان غازي بن عثمان
ولد السلطان أورخان بن عثمان عام 680هـ (1288م). خلف والده على عرش الإمارة وعمره ستة وثلاثون عاماً.
كان قائداً عسكرياً متميزاً. قلَّده والده قيادة الجيش في عدة غزوات ومعارك. جلس على كرسي السلطنة عام 726هـ (1324م). اعتمد على أعوان أقوياء لوضع القوانين وسن الأنظمة. أبرزهم أخوه الأمير علاء الدين، الذي نصبه وزيراً له. ومنهم، كذلك، علاء الدين ابن الحاج كمال الدين، وقره خليل جاندارلي، الذين نظموا أمور البلاد، ووضعوا القوانين والتشريعات التي سارت عليها الدولة فيما بعد. في عهده سُك أول مسكوك عثماني. ونظمت أمور الجيش النظامي، ونُقلت عاصمة الدولة العثمانية من يني شهير إلى بورصا في عهده.
وفي الوقت الذي كانت الأمور التنظيمية للدولة تجري على قدم وساق، كان السلطان أورخان ينتقل من فتح إلى آخر، ومن معركة إلى أخرى. حتى اتسعت الدولة العثمانية، ووصلت إلى شواطىء مرمرة. وزحف السلطان أورخان بجيش جرار، قوامه عشرون ألف مقاتل، إلى بلاد اليونان، فهزم رجالها وانتزع منهم إزميد وأزنيق، وامتلك قره سي وبرغمه، ثم حاصر سمندرة وإيدوس واستولى عليهما بعد ذلك.
وقد وكل السلطان أورخان ابنه الأمير سليمان بفتح بلدان أوروبا عن طريق جنق قلعة، فاستولى على كليبولي والمناطق المجاورة لها. غير أنه توفي بعد ذلك بقليل في عام 761هـ (1360م) بعد أن سقط عن ظهر جواده. فحزن عليه والده حزناً شديداً، أصابه بمرض الموت؛ فتوفي على إثره بشهرين. ودفن بجانب الجامع الذي بناه في مدينة بورصا.
دامت فترة حكمه خمسة وثلاثين عاماً، نظم، خلالها، شؤون الرعية، وفتح المدن والقلاع، وضمها إلى دولته الفتية.كان ذكياً محنكاً حاذقاً يهتم بتنظيم أحوال الناس والبلاد. خلف سبهة أولاد، هم: سليمان باشا وقد توفي في حياة أبيه، ومراد بك، وإبراهيم بك، وفاطمة سلطان، وخليل بك، وسلطان بك، وقاسم بك.
3. مراد الأول ابن أورخان غازي
ولد عام 726هـ (1325م). جلس على كرسي السلطنة عقب وفاة والده، عام 761هـ (1360م)، وكان عمره أربعة وثلاثين عاماً. لقبه المؤرخون العثمانيون بـ خداونكار، أي الحاكم أو الأمير.
بدأ جهاده بالاستيلاء على مدينة أنقره. ثم انتقل إلى أوروبا لمواصلة الفتوحات العثمانية في قارة أوروبا، ونجح في فتح كثير من البقاع، وضمها إلى حوزة الدولة العثمانية. حيث تحقق في عهده فتح أدرنه، وفليبة، وبلاد بلغاريا حتى جبال البلقان. فانتقلت عاصمة الدولة العثمانية إلى أدرنة. وقد بثت هذه الانتصارات الرعب في قلوب الأوربيين، الذين ما فتئوا أن جمعوا، بتشجيع من البابا، ستين ألف مقاتل من الصربيين والمجريين والشيك، وزحفوا إلى العاصمة العثمانية الجديدة أدرنة. غير أن القائد العثماني حاجي إلبك Ilbeg فاجأهم بهجوم مباغت، على رأس عشرة آلاف مقاتل، فأعمل فيهم السيف وقضى عليهم. وتعد هذه أول حملة صليبية على العثمانيين في التاريخ.
قاد السلطان مراد 37 موقعة عسكرية في الروملي والأناضول، وانتصر فيها جميعاً. كان جسوراً، رابط الجأش، مقداماً. فاق جميع معاصريه من الحكام ورجال الدولة في العالم. نجح في تأمين مصالح الدولة العثمانية، وحقق لها أعظم التطورات المذهلة في تاريخها كله. نال احترام الروم، بل ربما نال محبتهم.
عاش السلطان مراد خمساً وستين سنة، وتوفي عام 791هـ أو 792هـ (1388م) بعد أن قضى أكثر من ثلاثين سنة في سدة الحكم.
4. بايزيد ابن مراد خان
ولد عام 761هـ (1360م) ، وجلس على عرش السلطنة بعد وفاة والده في كوسوفا، عام 792هـ (1360م)، وله من العمر تسعة وعشرون عاماً. تربى في قصر والده بمدينة بورصا، وتلقَّى حظاً جيداً من التعليم على يد علماء عصره. كان يمتاز بسرعة المبادرة والذكاء. وقد لقب بالبرق، نظراً لخفته وتحركه السريع. وعمل والياً على مدينة كوتاهيا.
ولما جلس على عرش السلطنة، جهز جيشاً كثيفاً زحف به إلى الصرب، فاستولى على مدينة أزبورنا وودين، وكان مصمماً على الاستيلاء على مدينة سكوب. غير أن ملك الصرب، ستيفن بن لازار حين تملكه الفزع من ذلك، عرض على السلطان بايزيد أن يزوجه أخته تقرباً منه وتودداً، وتعهد له بدفع جزية كبيرة سنوياً، وعدد من العساكر. وانتقل من أوروبا إلى الأناضول، بسرعة البرق، لما رأى أن الإمارات التركية المتبقية فيها على وشك الانهيار، فضم توقات، وسيواس، وقيصري، وقسطموني إلى الأراضي العثمانية. وفي الوقت الذي كان فيه قسم من جيشه يحاصر القسطنطينية، كان القسم الآخر يتقدم في البلقان.
أخضع كثيراً من الأمراء الأوربيين وأجبرهم على دفع الجزية للدولة العثمانية، وتوسعت الدولة في عهده توسعاً كبيراً. وانتصر على الحملة الصليبية الجديدة وقوامها 150 ألف شخص في معركة نيكبولي عام 798هـ (1396م). وحاصر القسطنطينية عدة مرات، إلا أنه لم يتمكن من فتحها. وبعد جملة من الانتصارات الباهرة، وبينما كان السلطان بايزيد يستمتع بوقته في بورصا، إذ وفد إليه رسول من تيمورلنك يعلن عليه الحرب، فلم يكن من السلطان إلا أن جمع جيوشه وتقدم بهم إلى ساحة القتال في سهل أنقره. وتقابل الجيشان في 19 ذي الحجة عام 803هـ (20 يوليه 1402م). وهُزمت القوات العثمانية ووقع السلطان بايزيد، وعدة من أولاده وبعض قواده، أسرى في يد تيمورلنك. وتوفي السلطان بايزيد بعد تلك المعركة بثمانية أشهر (8 مارس 1403م). فنقل جثمانه إلى بورصا فدفن بها.
كان له من الأولاد أحد عشر، هم: محمد جلبي، وأرطغرل، وسليمان، وموسى جلبي، وقاسم جلبي، ومصطفى جلبي، وعيسى جلبي، وهندو خاتون، وفاطمة خاتون، وباشا ملَك، وأخرى لم يعرف اسمها.
5. محمد جلبي ابن بايزيد الأول
ولد محمد جلبي بن بايزيد الأول في عام 781هـ (1387م). ولما بلغ أشده خاض ميادين الوغى تحت إشراف والده.
تربى في بورصا، ودرس على بعض علماء عصره، مثل الشيخ بايزيد، والشيخ محمد الجزري. ولما نال قسطاً مقبولاً من العلوم والمعارف أرسله والده إلى آماسيا والياً، بغية التدرب على شؤون الحكم والإدارة.
رافق والده في معركة أنقره التي جرت مع تيمورلنك. ولما انهزمت فيها القوات العثمانية ووقع والده في أسر تيمورلنك، استطاع أن يفر إلى آماسيا، ثم وقع النزع بينه وبين إخوته بعد وفاة والده، في الصراع على الحكم. وقد استمر هذا النزاع إحدى عشرة سنة، حاول خلالها التمكن من عرش السلطنة من جهة، وحارب الإمارات المجاروة من جهة ثانية، وأرسل بعض قواته لمقاومة ملك المجر، الذي تدخل في شؤون الأفلاق (جزء من المجر اليوم) من جهة ثالثة. وقد استطاع القضاء على بعض حركات التمرد التي نشبت في الأناضول. ونجح أخيراً في الانفراد بالسلطة منتصراً على إخوته.
حاول إصلاح ما فسد من أوضاع البلاد العثمانية بسبب هجوم تيمورلنك. ونجح في استعادة معظم الأراضي، التي تركها والده، والتي سبق أن احتلها تيمورلنك. وعقد الصلح مع ملوك الإفرنح. وأخضع بلاد الصرب، وفتح مدينة إزمير، وضرب الجزية على بلاد الأفلاق (المجر)، وحارب إمارة البندقية لأول مرة في تاريخ الدولة العثمانية. وهو أول من شكل العساكر البحرية للدولة.
أصيب بالدوسنتاريا الحادة، فأرسل لابنه مراد الذي كان والياً على آماسيا بالعودة إليه سريعاً، بغية استلام مقاليد الحكم، فقد كان يشعر أن أجله قريب. ولم يلبث مدة طويلة حتى توفي عام 824هـ (1421م). وأخفى رجال الدولة موته عن الجند، حتى لا يحدث التمرد في صفوفهم. وبعد مرور أربعين يوماً ووصول ابنه مراد، أُذيع النبأ، فنقل جثمانه إلى بورصا، ودفن بجوار الجامع الأخضر. وكان له من العمر اثنان وثلاثون عاماً.
كان سياسياً محنكاً وإدارياً جيداً. وكان يحب بناءالمساجد الجامعة، ويميل إلى رجال العلم والمشايخ. ويعد المؤسس الثاني للدولة العثمانية بسبب نجاحه في إخراجها من المحنة التي تعرضت لها. له من الأولاد أحد عشر، هم: مراد، ومصطفى، وأحمد، ويوسف، وقاسم، وسلجوق، وخديجة، وعائشة، وحفصة، واثنتان أخريان.
6. مراد خان الثاني ابن محمد جلبي
ولد مراد خان ابن محمد جلبي عام 806هـ (1403م). جلس على كرسي السلطنة عام 824هـ (1421م)، وكان عمره آنذاك ثمانية عشر عاماً. وقد تكالب عليه الأعداء، وتوقعوا عدم مقدرته على الصمود في وجههم، نظراً لصغر سنه. ولكنه خيبَّ ظنونهم، فعلى الرغم من كونه في ريعان الشباب؛ إلاّ أنه كان يمتاز بالنشاط، والكفاية العسكرية، والاستقامة الخلقية.
وبعد جلوسه على العرش أرسل يخبر كلاً من ملك المجر، وملك اليونان، وأمير منتشة، والكرماني. فهنأه أمير الكرماني وسيسموند، وطلب إليه الأخير أن يهادنه خمس سنوات. ثم طلب ملك القسطنطينية إتمام المعاهدة التي سبق وأبرمها مع والده، أن يرسل إليه أخويه على سبيل الرهن وضماناً للوفاء بالمعاهدة. أما إذا أبى فإنه سيطلق سراح مصطفى بن السلطان بايزيد اللاجئ إليه في سلانيك، ويؤيده ويدعمه ضد أخيه، ويطلب له العون والمدد من دول الأفرنج؛ فأغلظ السلطان له الجواب، ولم يخش له وعيداً ولا تهديداً. ولما أن سمع الجواب استشاط غيظاً، وأطلق سبيل مصطفى، ومده بقوة حربية. قابلها السلطان مراد بقوة قوامها ثلاثون ألف مقاتل. واستمر نشوب العديد من المعارك، وانتهت الأزمة بين الطرفين بمقتل مصطفى جلبي على يد بعض أعوانه أثناء فراره إلى الأفلاق، بعد هزيمة قواته.
ثم زحف السلطان مراد الثاني إلى القسطنطينية في عام 1421م، وحاصرها. غير أنه لم يستطع فتحها بسبب منعة أسوارها. فتحول عنها إلى آسيا الصغرى. وفتح العديد من المدن. وانتقل إلى أوروبا حيث عقد الصلح مع أهل الصرب والأفلاق، وشن عدداً من الغارات على بلاد ألبانيا والبلغار، إلاّ أنه تعسر عليه فتحها، وانكسرت عساكره، فعقد هدنة معهم لمدة عشرين عاماً. ثم تنازل عن الحكم لولده محمد البالغ من العمر أربعة عشر عاماً.
أما ملوك الأعداء فلما علموا بتنازله لولده أخلفوا وعودهم، وانطلق قوم من الأفلاق فأحرقوا 24 مركباً من المراكب العثمانية، واستولوا على جملة قلاع ومدن. ولما استفحل أمرهم، أسرع أركان الدولة في استدعاء السلطان مراد، لإنقاذ البلاد من الوقوع في أيدي الأعداء، فلبى طلبهم، وسار لقتال ملك المجر بأربعين ألف مقاتل، فقضى عليهم. ولما هدأت الأحوال رجع السلطان مراد إلى مانيسا متعبداً. غير أن الإنكشارية في هذه المرة قامت بإحداث الشغب في المدينة، مستخفة بولده الأمير محمد الثاني. فلما حضر أرسل ولده إلى مانيسا، وكبح جماح الإنكشارية، ثم توجه مع ستين ألف مقاتل إلى بلاد الموره وألبانيا، فأخضعها.
توفي عام 855 هـ (3 شباط 1451م). بعد أن عاش ثمانية وأربعين عاماً. دام حكمه للبلاد تسعاً وعشرين سنة وثمانية أشهر. كان سلطاناً متديناً، يحب العلم وأهله. ولا ينقطع عن مجالس الذكر. وكان يقرض الشعر. وقد اتسمت فترة حكمه بالعدل، ورعاية الفقراء والمساكين. بنى كثيراً من المساجد الجامعة ومدارس العلم. وقد أوصى بالحكم لابنه محمد. وكان له من الأولاد اثنا عشر، هم: أحمد، وعلاء الدين، وأورخان، وحسن، ومحمد (الفاتح)، وأحمد الصغير، وفاطمة وخمس بنات أخريات لم تعلم أسماؤهن.
7. محمد الثاني (الفاتح) ابن مراد الثاني
ولد محمد بن مراد الثاني عام 833هـ (1430م) في مدينة أدرنة. وحَظِي، منذ نعومة أظافره، برعاية خاصة من والدته "هما خاتون" المعروفة بالتدين. كما نال اهتماماً خاصاً من والده الذي كان يود أن ينشأ الابن أحسن تنشئة. وبقي في القصر القديم بمدينة أدرنة فترة من الوقت، ثم أرسل إلى بورصا، وتلقى مبادئ العلوم والتربية إلى أن بلغ العاشرة، حيث عين أميراً على سنجق مانيسا، اتباعاً للعادة الجارية في الدولة مع أمراء آل عثمان، للتدرب على الشؤون الإدارية والعسكرية. صحبته حاشية تضم عدداً من الضباط والعلماء. على رأسهم الشيخ ملا كوراني، الذي أحسن تربية محمد الفاتح وتعليمه. فقد تعلم في مدة وجيزة اللغة العربية والفارسية، إلى جانب بعض العلوم الإسلامية. كما تدرب من جهة أخرى على ركوب الخيل وفنون الفروسية، واتخذ لنفسه ـ كما هي عادة أمراء آل عثمان ـ صنع المدافع.
اعتلى عرش السلطنة، بعد وفاة والده عام 855هـ (1451م). وكان يفكر في مدينة القسطنطينية (إستانبول) منذ الصغر. وما أن انتقل إليه الحكم حتى تفرغ لفتحها بكل ما أوتي من قوة وجهد. فشرع في بناء القلاع على شاطئ المدينة لقطع الإمدادات التي قد تصل إلى البيزنطيين، وإعداد جميع ما يلزم من مهمات الحرب، ولا سيما إعداد المدافع الكبيرة التي لم تشاهد من قبل. وفرض الحصار على المدينة، في أوائل شهر إبريل 1453م (857هـ)، بقوة قوامها نحو مائة وخمسين ألف جندي. واستمر ذلك الحصار ثلاثة وخمسين يوماً، أبلى فيها المسلمون بلاءً حسناً، وخلدوا بذلك ذكرهم في التاريخ، حيث تمكنوا من فتح المدينة، في يوم الثلاثاء 20 جمادى الأولى 857هـ (29 مايو 1453م). فأصبحت إستانبول ولأول مرة في تاريخ الإسلام، بحوزة المسلمين. وصار هذا الفتح العظيم نقطة تحول في تاريخ العالم؛ حيث اتخذ هذا التاريخ بداية للعصر الحديث.
اهتم السلطان محمد الفاتح بإعادة بناء المدينة، وتشييد الجوامع، وأول جامع قام بتشييده جامع أبي أيوب الأنصاري، الذي ما إن انتهى من بنائه حتى قلده شيخ الإسلام سيفاً بيده. ومن ذلك الوقت جرت العادة أن السلطان، الذي يجلس على عرش الملك، يذهب إلى ذاك الجامع ويُقَلَّد السيف.
لم يكتف السلطان محمد الفاتح بفتح إستانبول؛ وإنما زحفت جيوشه إلى بلاد البلقان، وفرض الحصار على قلعة بلغراد، غير أنه لم يتيسر له فتحها، وجُرح في المعارك التي جرت أثناء ذلك، فعاد إلى أدرنة، ثم توجه إلى فتح مدينة أتنا بعد مضي فترة من الوقت، ففتحها، ثم فتح بعض البلاد الواقعة على البحر الأسود مثل طرابزون وسينوب، كما فتح بعض البلاد البلقانية مثل البوسنة، والأفلاق والبغدان. وعلى الرغم من فرضه الحصار على جزيرة رودس لثلاثة أشهر عام 885هـ (1480م)، إلا أنه لم يتمكن من فتحها. وفي الوقت الذي كان فيه الفاتح يستعد لفتح جزيرة قبرص، والتصدي لقتال شاه إيران، إلا أن المرض العضال الذي ألمّ به لم يمهله، بل أودى بحياته، دون أن يتمكن من تحقيق الهدفين المذكورين. وذلك في عام 886هـ (3 مايو 1481م) في بلدة كبزة، فدفن بجانب الجامع الذي بناه في إستانبول.
كانت مدة حكمه إحدى وثلاثين سنة، وعاش ثلاثة وخمسين عاماً. عرف بسجايا أخلاقية حميدة، منها جديته في العمل، واستقامته، وسماحته وعدله ومروءته. ويكفيه فخراً أنه نال الوصف النبوي الكريم "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش" (أخرجه الإمام أحمد في مسنده). وكان يحب العلم والعلماء ويكرمهم ويعرف لهم قدرهم أنشأ العديد من المدارس، وعلى رأسها مدارس "صحن ثمان" التي تعد جامعة، انضوى تحتها مختلف التخصصات العلمية. كما أنشأ مدرسة أندرون داخل قصر طوب قابي لتنشئة كبار رجالات الدولة. وقد امتاز بدبلوماسية واعية، وطموحاتٍ عالية، وشجاعة نادرة، وتعمق في دراسة الجغرافيا والتاريخ والعلوم العسكرية. وكان يتحدث العربية والفارسية واليونانية إضافة إلى اللغة التركية.
كان له ستة من الأولاد، هم: مصطفى، وبايزيد، وجم، وجوهر، وبنتان لم يعرف اسماهما.
8. بايزيد الثاني ابن محمد الفاتح
ولد بايزيد بن محمد الفاتح عام 851هـ (1452م).
اعتلي عرش السلطنة، في عام 886هـ (21 مايو 1481م). وقد نازعه أخوه جم العرش، فنشبت بينهما عدة معارك، انتهت بفوز بايزيد، وهروب أخيه إلى مصر ثم إلى جزيرة رودس ومنها إلى فرنسا. وقد توفي في الطريق (1495م)، وقيل تُوفِّي مسموماً.
وعلى الرغم من أن ذلك النزاع قد استغرق من السلطان الجديد (بايزيد) جل وقته، مما أوقف حركة الفتوحات فترة من الوقت؛ إلا أن بايزيد استأنف تلك الحركة، فتم في عهده فتح الهرسك، وأبرمت معاهدة مع المجر، وفتحت قلعة كيليا ثم قلعة آق كرمان، وزحف على بولونيا، وضبط بلاد الألبان. غير أنه لم ينج من توجيه الانتقادات إليه من جانب المؤرخين؛ إذ أنه استلم دولة قوية، وميزانية كبيرة للغاية، ولكم ما أنجزه من فتوحات فلا يرقى إلى مستوى يليق بابن الفاتح. ولعل السبب في ذلك، كما يشير إليه بعض المؤرخين، أن السلطان بايزيد لم يكن رجل دولة، بل كان رجلاً زاهداً في الدنيا، ومحباً للعلم والتقوى.
كان بايزيد سلطاناً وديعاً، وإن كان رامياً ماهراً، نشأ محباً للأدب، متفقهاً في العلوم الشرعية، شغوفاً بعلم الفلك. واستعان بالعديد من الخبراء في تحسين شبكة الطرق والجسور التي أقامها أسلافه للأغراض العسكرية، واشتهر هو بمنشآته المعمارية. وعلى رأسها المسجد الذي بناه في إستانبول بين عامي 903-909هـ (1497 و 1503م).
سلم زمام أمور السلطنة لابنه سليم عام 918هـ (1512م)، ثم توفي بعد ذلك بيومين، وهو في الطريق متوجهاً إلى مدينة ديمتوقة، فنقل جثمانه إلى إستانبول، ودفن بجوار مسجده. عاش سبعة وستين عاماً، وأقام في مدة ملكه جملة مدارس ومساجد جامعة. وكان يرسل إلى الكعبة المعظمة كل سنة مبلغاً وافراً من المال . وكان له من الأولاد أربهة عشر، هم: قورقود، وعيني شاه سلطان، وعبدالله، وأحمد، وشهنشاه، وشاه سلطان، وعالم سلطان، وسليم، ومحمود، وخديجة سلطان، وفاطمة سلطان، ومحمد، وسلجوق، وهما سلطان.
9. سليم بن بايزيد الأول
ولد سليم الأول ابن بايزيد في مدينة آماسيا عام 875هـ (1470م). ولقي اهتماماً ورعاية كبيرة من والدته كل بهار خاتون، بناءً على الرواية التي تقول: إن أحد الدروايش أخبرها يوم ولادته أنه سوف يصبح سلطاناً على الدولة العثمانية، مما حدا ذلك بأمه على تنشئته على وجه يليق بالسلاطين.
تربى الأمير سليم على يد المشاهير من علماء عصره، أمثال: ملا محيي الدين أفندي، ومصلح الدين مصطفى أفندي طاش كوبريلي، وملا حليمي أفندي. واهتم بالتاريخ والأدب والخط أكثر من غيرها. وتعلم العربية والفارسية، إلى جانب التدريب على الفنون العسكرية والفروسية والرماية. ولما كبر قليلاً عين أميراً على سنجق طرابزون, وتفوق على إخوانه في العلوم والمعارف.
اهتم بشؤون الدولة منذ وقت مبكر. وكان يقارن بين عهد جده السلطان محمد الفاتح وبين عهد والده، الذي لم يرق إلى مستوى جده، بل كان يشعر بمكامن الخطر تحيط بالدولة من الصفويين، وخطر انتشار المذهب الشيعي في أنحاء الأناضول، وموقف والده المسالم المهادن من كل ذلك. فلما أخذ الحكم من والده عام 918هـ، نازعه عليه إخوانه، فقضى عليهم في الحروب التي وقعت بينهم، وتفرغ بذلك للحرب مع الشاه إسماعيل الصفوي، الذي استطاع تكوين دولة كبيرة في مدة وجيزة، ونجح في إدخال قانصو الغوري، سلطان مصر، في حلفه ضد العثمانيين. لقيه في سهل جالدران عام 920هـ (1514م) وهزمه شر هزيمة، وانتقلت بذلك أرضروم، ودياربكر، ومرعش، وغيرها، من المدن المهمة في شرق الأناضول، إلى الإدارة العثمانية.
كان السلطان سليم يود تكوين دولة كبيرة في آسيا، فتوجه إلى مصر. وكانت الأراضي السورية وفلسطين، في ذلك الوقت، تحت الحكم المملوكي المصري. والتقى في مرج دابق، بالقرب من حلب، السلطان الغوري، عام 922هـ (1516م)، فتغلب عليه، ثم سار إلى فلسطين فضمها إلى ملكه، وتوجه بعد ذلك إلى القاهرة، وبعد معركة حامية قضى على الدولة المملوكية ودخلت بذلك مصر تحت الحكم العثماني. وبذلك انتقل الحرمان الشريفان التابعان إدارياً لمصر إلى الدولة العثمانية. ولقب، في هذه الفترة، بخادم الحرمين الشريفين.
وبعد عودته من مصر أعد أسطولاً ضخماً، بقصد استئناف الفتوحات، التي كانت تراود أحلامه. غير أنه توفي قبل أن يكمل تلك الاستعدادات، وذلك في مدينة جورلو عام 926هـ (1520م). عاش أربعة وخمسين عاماً، قضى منها ثمان سنوات على عرش السلطنة. وعلى الرغم من قصر مدة حكمه إلا أنه أحرز نجاحاً باهراً فيما أقدم عليه من خطط لتوسيع أراضي الدولة العثمانية .
كان صارماً في الأمور التي تخص الدولة. وكان يتابع الأمور بنفسه. وكان خبيراً في اختيار الرجال، ووضعهم في الأماكن المناسبة. كان يحب العلم والعلماء. ونظم أشعاره باللغة الفارسية. وكان له من الأولاد خمسة، هم: فاطمة، وشاه سلطان، وخديجة، وحفيظة، وسليمان.
10. سليمان بن سليم الأول
ولد سليمان ابن السلطان سليم الأول في عام 900هـ (27 نيسان 1495م) في مدينة طرابزون. وبقي فيها سبع سنوات، ثم أرسل إلى إستانبول لدى جده بايزيد الثاني، بغية إكمال تحصيله العلمي. فخصص لتدريسه خير الدين خضر أفندي، حيث أخذ عنه علوم الدين والتاريخ والآداب. واختير له معلم لتعليمه صناعة الذهب، على عادة الأمراء العثمانيين في تعلم مهنة معينة. وقد أتقن تعلم تلك المهنة، ولما تولى زمام أمور الدولة فيما بعد أبح حامياً للمهنيين.
اعتلى عرش السلطنة عام 926هـ (1520م)، وكان آنذاك في السادسة والعشرين من عمره. ولما أقدم المجر على قتل مبعوث السلطان الموكل بأخذ الجزية منهم، بعد توليه الحكم بسنة واحدة، أعد العدة وهاجمهم، فاستولى على قلعة بلغراد عام 927هـ (1521م)، وبذلك فتح الطريق إلى قلب أوروبا. ثم استولى، بعد سنة واحدة، على جزيرة رودس، وبعض الجزر القريبة منها. كما شنّ هجوماً آخر على المجر، وانتصر في معركة موهاج الحاسمة، وتوغل في داخل أوروبا حتى فرض حصاره على مدينة فيينا عام 935هـ (1529م)، إلا أن فتحها لم يتيسر له. وتوجّه في عام 1534م، إلى شرق الأناضول ففتح مدن وان، وقارس، وبغداد، والموصل، وتوغل عدة مرات إلى داخل تبريز وقضى بذلك على الاعتداءات، التي كان الصفويون يقومون بها على أراضي الدولة العثمانية. كما زحف إلى نخجوان عام 1553م. وكانت آخر معركة شارك فيها السلطان سليمان هي معركة زكتوار. وقد توفي أثناء حصار قلعة زكتوار، بعد إصابته بمرض، فنُقِل جثمانه إلى إستانبول، ودفن بجانب الجامع الذي بني باسمه، وذلك في عام 974هـ (1566م)، عن عمر يناهز اثنين وسبعين عاماً.
عرف السلطان سليمان بفتوحاته العظيمة في التاريخ العثماني؛ فقد توسعت أراضي الدولة العثمانية شرقاً وغرباَ وشمالاً وجنوباً. ووصلت الدولة، في عهده، إلى أوج قواتها، وأصبحت الدولة العثمانية في عهده أقوى دولة في العالم. وقد ألحقت بممالك الدولة في عهده المجر، وأردل، وطرابلس الغرب، والجزائر، والعراق، ورودس، وشرق الأناضول من وان إلى أردهان، وقسم من أراضي جورجيا، وجزر بحر إيجة، وبلغراد، وجربة.
عرف السلطان سليمان ببراعته العسكرية، وإدارته المتميزة، وتصديقه على القوانين، التي أعدها له شيخ الإسلام أبو السعود أفندي. أطلق المؤرخون الغربيون لقب العظيم على السلطان سليمان تشريفاً له وتعظيماً، في حين وصفه العثمانيون بلقب القانوني، نظراً لوضع القوانين التي تنظم شؤون الدولة.
شيد الكثير من المساجد الجامعة الكبيرة، والجسور، والخانقاهات، والمدارس الشرعية، ولا سيما مدراس السليمانية، التي كانت تدرس فيها مختلف التخصصات العلمية. وبرز في عهده العديد من العلماء والشعراء والأدباء. وكان السلطان سليمان شاعراً وأديبا.
وكان له من الأولاد عشراً، هم: عبدالله ، ومراد، ومحمود، ومصطفى، ومحمد، وسليم، وبايزيد، وجهانكير، ومهرماه، وراضية، التي توفيت في سن صغيرة.
11. سليم الثاني ابن سليمان القانوني
ولد سليم ابن السلطان سليمان القانوني عام 930هـ (28 مايو 1524م) في إستانبول. وقد أطلق عليه سليم الأشقر، نظراً لشُقْرة بشرته. نال تعليماً جيداً، مثل غيره من الأمراء في عهده، على يد كل من جعفر أفندي، وحليمي أفندي، وعطاء الله أفندي. وعمل والياً على كوتاهيا ومانيسا.
جلس على عرش السلطنة عام 974هـ (1566م). وكان عمره أربعاً وأربعين عاماً. وعلى الرغم من عدم اهتمامه بشؤون الدولة، فقد ترك أمورها للصدر الأعظم صرقولي باشا، إلاّ أنه تحقق في عهده العديد من الانتصارات، على أيدي القواد الذين أرسلهم لإخماد بعض الثورات، مثل أوزدمير أغلو عثمان باشا، وحملته على اليمن عام (1567م)، وفتح قبرص عام 978هـ (1570م) بقيادة لالا مصطفى باشا، وإلحاق تونس بالدولة العثمانية عام 982 هـ (1574م). غير أن الهزيمة، التي مُنِي بها الجيش العثماني عام 978هـ (1571م)، المعروفة بـ لوفانتو (لبانتو)، كانت أكبر هزائم ذلك العهد.
من أهم أعماله: مضاعفته لمخصصات الحرمين الشريفين، وبناؤه لمسجد جامع سمي باسمه في أدرنة، وإصلاحه لجامع آياصوفيا من آثار الزلزال. تم في عهده الصلح مع النمسا، وجددت المعاهدة مع فرنسا، كما قضت الدولة على التمرد، الذي قام به ابن عليان في البصرة.
وجه إليه المؤرخون بعض الانتقادات، منها أنه لم يشترك في أي حرب خاضتها الدولة العثمانية، وأنه لم يكن يخرج من القصر؛ الأمر الذي لم يتعود عليه جنود الدولة. ويعزو هؤلاء المؤرخ تماسك الدولة في عهده إلى كونه ورث العرش من والده، وهي أقوى دولة في العالم، ومن خلال الأنظمة التي وضعها والده، إضافة إلى وجود الصدر الأعظم صوقوللي محمد باشا على رأس الدولة، وهو من أساطين الحكم في الدولة العثمانية.
وهو أول سلطان عثماني توفي في إستانبول، وذلك عام 982هـ (1574م). عاش اثنين وخمسين عاماً، قضى منها على عرش السلطنة ثماني سنوات. كان كريماً محباً للخير وأهل العلم. وكان له من الأولاد عشراً، هم: أسماء خان، وعثمان، وجوهر سلطان، وشاه سلطان، ومصطفى، ومراد، وسليمان، وجهاكير، ومحمد، وعبدالله.
12. مراد خان الثالث ابن السلطان سليم
ولد مراد الثالث ابن السلطان سليم الثاني في مانيسا عام 953هـ (4 تموز 1546م). نال تعليماً جيداً على يد بعض العلماء، ومن أشهرهم سعد الدين أفندي، وإبراهيم أفندي. وقد أخذ منهم العلوم السائدة في عهده. غير أن اهتمامه الكبير كان بالأدب. كتب أربعة دواوين، اثنان منها باللغة التركية، وأحدها باللغة الفارسية وآخرها باللغة العربية، مما يدل على إتقانه للغتين العربية والفارسية على نحو متميز، يمكنه من نظم الشعر بهما.
ولما بلغ مراد الثالث سن الخامسة عشرة، عين والياً على مانيسا، فتعلم فيها الأمور الإدارية. وجلس على عرش الملك عام 982هـ (1574م). وكان عمره تسعة عشر عاماً. جدد العهود مع دول الإفرنج. ووقعت في عهده بعض المعارك مع المجر، فاستولى على بعض قلاعها، وضمها إلى ولاية البوسنة. وأخضع بعض المناطق في شمال المغرب العربي مثل الجزائر والمغرب للدولة العثمانية عام 984هـ. كما وقعت في عهده بعض المعارك مع الإيرانيين، وفتح بعض المناطق من جورجيا مثل تفليس وذلك عام 986هـ (1578م). ومنح بعض الامتيازات الأجنبية لفرنسا. ولما استأنف الإيرانيون الحرب ضد الدولة العثمانية، تصدت لها القوات العثمانية، وهزمتها، وانتزعت منها ولايتي شروان وداغستان. كما وقعت في عهده حرب طاحنة مع النمسا،استمرت ثلاث عشرة سنة. غير أنه لم يسجل تقدم يذكر في هذا الصدد.
من أهم الأعمال، التي أنجزت في عهده، القضاء على النفوذ البرتغالي في المغرب، وضم بعض المناطق إلى الدولة. ويذكر أن السلطان مراداً الثالث أكثر السلاطين العثمانيين جرياً وراء النساء. إذ أنه لما توفي عام 1003هـ (1595م) إثر مرض فجائي، كان له من الأولاد مائة وثلاثة عشر. أهمهم: سليم، وبايزيد، ومصطفى، وقرقود، وعبدالرحمن، وعبدالله، ومحمد، وعلي، وإسحاق، ومراد، وعمر، وعلاء الدين.. إلخ.
13. محمد الثالث ابن السلطان مراد الثالث
ولد محمد خان الثالث ابن السلطان مراد الثالث في مانيسا عام 974هـ (1566م). نال تعليماً جيداً على يد المؤرخ سعد الدين أفندي. وكان مولعاً بالشعر مثل أجداده. واستخدم لقب "عدلي" في أشعاره".
تولى الملك في عام 1003هـ (1595م) بعد وفاة والده باثني عشر يوماً. وحال جلوسه أصلح الأحوال المختلفة في داخل السلطنة، وعزل بعض رجال الدولة، ونصب مكانهم من وجد فيهم الإخلاص والأهلية. نشب في عهده العديد من المعارك مع الأفلاق وبغداد ثم مع المجر والنمسا. واستولى على مدينة بوخارست. غير أن جيوش الدولة انهزمت في يركوكي. وبناءً على ذلك فقد ذكر سعد الدين أفندي للسلطان محمد أن الأسباب، التي تكمن وراء الهزائم العسكرية لجنود الدولة العلية، عدم مشاركة السلطان للحرب بنفسه. فاقتنع بذلك وطفق يشن المعارك بنفسه، فاستولى على قلعة أكري، وانتصر في موقعة "خاج أوه" عام 1004هـ (1596م). غير أن سرعة عودته إلى إستانبول حال دون الحصول على نتائج ملموسة من ذلك الانتصار. ووقعت في عهده التمردات المعروفة في التاريخ العثماني بـ"التمرد الجلالي". كما أن شاه إيران أخل بالمعاهدة المبرمة بينه وبين الدولة العثمانية، وأعلن الحرب عليها عام 1011هـ (1603م). ولكن المنية وافته قبل أن يطفئ نار الحرب بينه وبين إيران توفي، وذلك عام 1012هـ (1603م). ودفن بجانب مسجد آياصوفيا. وكان عمره آنذاك ثمانية وثلاثين عاماً. وقد حكم الدولة العثمانية ثماني سنوات.
ويعد السلطان محمد الثالث آخر السلاطين العثمانيين، الذين خرجوا إلى السناجق لقضاء فترة معينة من التدريب على الشؤون الإدارية. كان طبيب القلب، وكثير التأثر بالغير. وكان له من الأولاد ستة، هم: محمود، وأحمد، وسليم، ومصطفى، وسليمان، وجهانكير.
14. أحمد ابن السلطان محمد الثالث
ولد أحمد الأول ابن السلطان محمد الثالث في مانيسا عام 998هـ (1590م). درس على يد معلم سلطان ومصطفى أفندي من علماء ذلك العصر. ومع صغر سنه كان يبهر أساتذته بذكائه. وقد بدأ نظم الشعر في سن صغيرة نسبياً. واستخدم في الشعر اسم "بختي".
جلس أحمد الأول على عرش السلطنة عام 1012هـ (1590م) وكان عمره آنذاك أربعة عشر عاماً. جرت في عهده عدة حروب مع الفرس ومع النمسا، إلى أن أبرمت معاهدة مع ملك النمسا لمدة عشرين سنة، وذلك عام 1015هـ (1609م)، كما عقدت معاهدة مماثلة مع الفرس عام 1021هـ (1612م)، فقدت الدولة العثمانية بموجبها كل ما ضمه السلطان سليمان القانوني إلى أراضي الدولة، وكان ذلك بداية تراجع للدولة العثمانية. وقعت في هذا العهد بعض الاضطرابات الداخلية من الإنكشارية، وأمراء بعض المناطق. فتم إخمادها. وجددت الدولة في عهده أيضاً امتيازات مع فرنسا وإنجلترا، وحصلت هولندا على مثلها. كما جددت الاتفاقية مع بولونيا، بحيث تمنع الدولة تتار القرم من التعدي على أراضي الدولة العثمانية.
أصيب السلطان أحمد في عام 1026هـ (1617م) بحمّى خبيثة أودت بحياته. كانت مدة ملكه أربع عشرة سنة. ولما توفي كان عمره ثمانية وعشرين عاماً. وكان معروفاً بتدينه وصلاحه؛ وقد منع الخمر منعاً باتاً على أراضي الدولة العثمانية. كما قضى على نفوذ الحريم على السلطان. وخالف أسلافه من السلاطين في قتل إخوانه، خوفاً من الصراع على الحكم. وقد أوصى بالحكم لأخيه مصطفى قبل موته. وأكبر الآثار العمرانية، التي قام بتشييدها هو الجامع الذي سمي باسمه، وقد استمر العمل فيه سبع سنوات متواصلة. كما أنشأ بعض المدارس. وكان له من الأولاد عشرة، هم: بايزيد، وسليمان، وقاسم، ومراد، وعثمان، وعائشة، ومحمد، وفاطمة، وإبراهيم، وعاتكة.
15. مصطفى الأول ابن السلطان محمد الثالث
ولد مصطفى ابن السلطان محمد الثالث في عام 991هـ (1591م).
قضى أربع عشرة سنة من عمره محجوزاً بين الجواري والحريم، خوفاً من تدخله في شؤون الدولة. ولهذا السبب فإنه لم يعرف شيئاً من أمور الحكم والإدارة عندما آل إليه عرش السلطنة عام 1026هـ (1617م). ونظراً لتدهور وضعه العقلي، فقد عزل من منصبه بعد ثلاثة أشهر من توليه الحكم. ثم رقي سدة الحكم للمرة الثانية في عام 1030هـ (1622م)، بعد مقتل ابن أخيه عثمان، إلا أنه لم يستطع إخماد التمردات الداخلية، التي فرّغ لأجلها خزينة الدولة. ولهذا فقد اجتمع أركان الدولة في قصر الصدر الأعظم علي باشا، وقرروا تنحية السلطان مصطفى عن الحكم وحبسه، وتنصيب الأمير مراد. فأُزيح السلطان مصطفى عن الحكم عام 1031هـ (01623م). وقضى بقية حياته محبوساً في إحدى مقصورات القصر حتى عام 1048هـ (1638م)، حيث توفي فيها، ودفن بالقرب من جامع آياصوفيا.