واقعُ المفتين
إنَّ النَّاظرَ في منهج بعض المنتسبين للفتيا اليومَ يخشى أن يشملَهم ذلك الذَّمُّ والزَّجْرُ الذي قاله العلماءُ وحَذَّروا منه؛ لوقوعهم في المحظور المنهيِّ عنه تارة، ولكونهم أخذوا التَّيسيرَ منهجًا في الفتوى تارةً أخرى، والأمر المدهشُ في هذه القضية أنَّك تجدهم يحتجُّون بحجج عامَّة غير منضبطة يَصدق عليها مقولة: «حقٌّ يُرادُ به باطل»؛ فهم– مثلاً– يبرِّرون مسلكَهم هذا بحجَّة أنَّ الدينَ يُسر، وأنَّ الشَّريعةَ جاءت بقواعد السُّهولة والسَّماحة ورفع الحرج، ونحن إذا أخذنا بأهون الأقوال في المسائل وافقنا هذه القواعد والأصول السَّمحة التي شرَّعها الدين.
وحين نتأمَّل هذا الكلام نجد أنَّ مقدمتَه صحيحةٌ لا غبارَ عليها؛ ولكن نتيجتَه فاسدة؛ إذ إنَّ كونَ الشَّريعة قد راعت اليُسْرَ والسُّهولة في تكاليفها لا يعني بحال أن يختار المرءُ من أقوال الفقهاء ما يشتهي؛ لأنَّ هناك تناقضًا وتباعدًا بين هذه القاعدة العظيمة التي شرعها وجاء بها الخالق الحكيم، وبين تتبُّع رخص البشر المخلوقين.
وأمرٌ آخرُ؛ إذ كيف يسوَّغ للمكلَّف أن يرفع مشقَّةَ التَّكليف الشَّرعيّ التي شرَّعها الشَّارع بحيث يتَّبع كلَّ سهل جاء عن هؤلاء العلماء المخلوقين بدون أصول وضوابط؟!
إنَّ من المغالطات والأخطاء أن نقوم بتقرير فرع فاسد ونبنيه على أصل صحيح، وكون المرء يأخذ برخصة إمام من الأئمة خالف فيها الدَّليل الصَّحيح لأسباب وأمور لا يُلامُ عليها ومعذور فيها([sup][size=24][1])[/sup] بحجَّة القاعدة الكبرى وهي التَّيسير ورفعُ المشقَّة والحرج؛ فلا جرم أنَّ هذا منهجٌ مخالفٌ لأصول الدِّين، ويوصِّلنا إلى منهج يعارضُ مقاصدَ الشَّريعة وانضباطَها، ولهذا نجد أنَّ العلماءَ المحقِّقين قد سَدُّوا هذا البابَ وحرَّموه؛ حفاظًا على الشريعة، يقول ابنُ مفلح: (ت: 762): «يَحْرُمُ التَّساهلُ في الفتيا، واستفتاء من عُرف بذلك»([sup][2])[/sup].[/size]
ويقولُ ابنُ القَيِّم (ت: 751): «الرَّأيُ الباطلُ أنواعٌ: أحدُهما: الرَّأيُ المخالفُ للنَّصِّ، وهذا مما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام فسادُه وبطلانُه، ولا تحلُّ الفتيا به ولا القضاء، وإن وقع فيه مَنْ وَقَعَ بنوع تأويل وتقليد»([sup][size=24][3])[/sup].[/size]
ويتَّضح هذا الأمرُ في الواقع اليوم؛ حيث إنَّ بعضَهم قد يحتجُّ ببعض أقوال العلماء وآرائهم المخالفة للنُّصوص الشَّرعيَّة، ويَحْتَجُّ بأنَّه قول أو رأي لفلان من الأئمة، وهذا أمر خطير، ويجب الحذر منه؛ لأنَّ هذا القولَ مخالفٌ للأدلَّة الشَّرعيَّة التي أُمر العبد المخلوق من خالقه باتِّباعها، وأُخذ عليها العهدُ والميثاقُ والتَّرهيبُ والتَّرغيبُ؛ فكيف يخالفها ويأخذ غيرَها من أقوال البشر وآرائهم؟! وإذا كان هذا الرَّأيُ أو القولُ يُعَدُّ زَلَّةً لهذا العالم أو الإمام فكيف يَحْتَجُّ به؟! إذ لا أسوةَ في الشَّرِّ؛ كما قاله ابنُ مسعود- رضي الله عنه([sup][size=24][4])[/sup]؛ فالعصمةُ لم تكتب لهم، وإن كانوا من خيرة الناس وأزكاهم.[/size]
قال العزُّ بنُ عبد السَّلام (ت: 748): «ومن العجب العجيب أنَّ الفقهاءَ المقلِّدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعًا، ومع هذا يقلِّده فيه، ويترك من الكتاب والسُّنَّة والأقيسة الصَّحيحة لمذهبه جمودًا على تقليد إمامه؛ بل يتحلَّل لدفع ظواهر الكتاب والسُّنَّة، ويتأَوَّلُهما بالتَّأويلات البعيدة الباطلة؛ نضالاً عن مقلِّده»([sup][size=24][5])[/sup].[/size]
ومن المؤلم– في هذا الزَّمن خصوصًا– أن نرى كثيرًا من أصحاب التَّساهل والتَّيسير المزعوم يقعون في محظورات وأخطاء جسيمة؛ فهاهم اليومَ يريدون تطويعَ الفتوى بحجَّة مسايرة الواقع ومواكبة تغيُّرات العصر، وها هم ينادون بتغيُّر الفقه الإسلاميّ؛ من أجل أن يكون فقهُ التَّيسير والوسطيَّة حسب أهوائهم ومصالحهم؛ كل هذا من أجل نصرة هذا المنهج المتساهل، ويا ليتهم يفيقون ويشاهدون آثارَه ونتائجَه؛ حيث أوصل هذا المنهج كثيرًا منهم إلى القول بالأقوال الغريبة والآراء الشَّاذَّة؛ حتَّى ميَّعوا الدِّين واستطال الجُهَّال عليه، وعطَّلوا بعضَ الحدود والأحاديث، وأصبحنا نرى فتاوى يستنكرها العوامُّ أصحابُ الفطر السَّليمة؛ فكيف بأهل العلم؟!
فهذا يرى جواز إمامة المرأة للرجال في الصلاة! وذلك يرى أنَّه لا ينبغي إقامة حدّ الرِّدَّة على المرتدِّ في هذا الوقت! وثالث يرى إباحةَ الغناء! ويأتي مَنْ يزعم أنَّ ديةَ الرجل تساوي ديةَ المرأة في هذا الزَّمن! ورابع يفتي بجواز إنشاء بنوك حليب للأمهات استنادًا إلى قول عن أبي ثور ولا يثبت، وآخر يرى جواز مصافحة المرأة الأجنبية للرجال وتقبيلها ضاربًا بالأحاديث الصريحة عرض الحائط. ويأتي في مقابلهم من يغلو فيرخص بقتل الكافر لمجرد وجوده بجزيرة العرب؛ اتِّباعًا لهواه ومنهجه ([sup][size=24][6])[/sup].[/size]
وهكذا في سلسلة أقوال شاذَّة وآراء فجَّة يمسك المتعالم لها روايةً ضعيفةً، أو خلافًا شاذًّا، أو فهمًا بعيدًا؛ فيبني عليه فتوى مجلَّلة بحلل البيان ونضد الكلام؛ لكنَّها عريَّةٌ عن الدَّليل والبرهان ([sup][size=24][7])[/sup].[/size]
وفي آخر المطاف لا تعجب أن تسمعَ مَن يقول لأحد اللِّجان الوضعيَّة في بلاده: «ضعوا من الموادِّ ما يبدو لكم أنَّه موافقٌ للزَّمان والمكان، وأنا لا يعوزني بعد ذلك أن آتيكم بنصٍّ من المذاهب الإسلامية يطابق ما وضعتم»([sup][size=24][8])[/sup].[/size]
إن من يسمع لمثل هذه الفتاوى أو يقرؤها يتبادر إلى ذهنه أسئلةٌ محيِّرةٌ وهي: كيف وصل الأمر إلى ذلك؟
وهل يجوز لهذا المفتي أو غيره من المفتين الإفتاءُ في دين الله بالتَّشَهِّي والتَّخيُّر؟ وهل يجوز البحث عن الأقوال التي توافق غرضَ المفتي وهواه أو غرض من يحابيه فيفتي به ويحكم به؟!
يُجيب عن ذلك الإمامُ ابن القيِّم (ت: 751) بقوله: «هذا من أفسق الفسوق، وأكبر الكبائر، والله المستعان»([sup][size=24][9])[/sup].[/size]
وهذا الإمامُ الشَّاطبيُّ (ت: 790) ينقل في (موافقاته) كلامًا جميلاً لأبي وليد الباجي (ت: 494)؛ حيث يقول:
«... لا خلاف بين المسلمين ممَّن يعتد به في الإجماع أنَّه لا يجوز ولا يسوغ ولا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا بالحقِّ الذي يعتقد أنَّه حقٌّ؛ رضي بذلك من رضيه، وسخطه من سخطه؛ وإنَّما المفتي مخبرٌ عن الله– تعالى– في حكمه؛ فكيف يخبر عنه إلَّا بما يعتقد أنَّه حكم به وأوجبه؟ والله– تعالى– يقول لنبيِّه– عليه الصلاة والسلام: }وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ{ [المائدة: 49]»([sup][size=24][10])[/sup].[/size]
ونظرًا لأهميَّة هذه المسألة فقد عَدَّ بعض العلماء– كالسَّمعانيّ (ت: 489)– الكفَّ عن التَّرخيص والتَّساهل شرطًا من شروط المفتي؛ حيث يقول: «المفتي من استكمل فيه ثلاثة شرائط: الاجتهاد، والعدالة، والكفّ عن التّرخيص والتّساهل. وللمتساهل حالتان؛ إحداهما: أن يتساهل في طلب الأدلَّة وطرق الأحكام ويأخذ بمبادئ النَّظر وأوائل الفكر؛ فهذا مُقَصِّرٌ في حقِّ الاجتهاد، ولا يحلُّ له أن يُفتي، ولا يجوز أن يُستفتى.
والثانيةُ: أن يتساهل في طلب الرُّخَص وتَأَوُّل الشُّبَه، فهذا متجوِّزٌ في دينه، وهو آثم من الأَوَّل»([sup][size=24][11])[/sup].[/size]
وتأمل ما رواه الإمام البيهقيّ([sup][size=24][12])[/sup] بإسناده عن إسماعيل القاضي يقول:
[/size]
«دخلتُ على المعتضد بالله فدَفَع إليَّ كتابًا، فنظرت فيه فإذا قد جمع له من الرُّخَص من زَلَل العلماء، وما احتجَّ به كلُّ واحد منهم، فقلت: مصنِّفُ هذا زنديقٌ. فقال: ألم تصحَّ هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديث على ما رويت، ولكن مَن أباح المسكر– النبيذ– لم يبح المتعةَ، ومن أباح المتعةَ لم يبح المسكر، وما من عالم إلا وله زلة، ومن أخذ بكلِّ زلل العلماء ذهب دينه. فأمر المعتضدُ بإحراق ذلك الكتاب»([sup][size=24][13])[/sup].[/size]
ومن فقه الإمام الدَّارميّ ما ذكره في كتابه: «الرَّدّ على الجهميَّة»؛ حيث ذكر علامتين ظاهرتين يستدلُّ بهما على ابتداع الرَّجل من اتِّباعه في هذه المسألة؛ حيث يقول: «إنَّ الذي يريد الشُّذوذَ عن الحقِّ يتَّبع الشَّاذَّ من قول العلماء ويتعلَّق بزلَّاتهم، والذي يؤمُّ الحقَّ في نفسه يتَّبع المشهورَ من قول جماعتهم وينقلب مع جمهورهم؛ فهما آيتان بيِّنتان يستدلُّ بهما على اتِّباع الرَّجل وعلى ابتداعه»([sup][size=24][14])[/sup].[/size]
فكلُّ هذه المواقف والأقوال تَدُلُّ على أنَّ هذا المذهبَ والمسلكَ ليس جديدًا كما ترى؛ بل عُمل من قبل وأنكره العلماء وبيَّنوا أنَّه مبنيٌّ على أصول فاسدة تُذْهب الدِّينَ وتُفْسده، ولو ما جاء عنه إلا الخلط بين أصول الشَّريعة وفروعها، أو ما يسمِّيه شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728) بالشَّرع المنزَّل، والشَّرع المؤوَّل ([sup][size=24][15])[/sup]، لكفى به بعدًا عن الحقِّ، وإفسادًا للخلق.
[/size]
يقول النَّوويّ (ت: 676): «لو جاز اتِّباعُ أيِّ مذهب شاء لأفضى إلى أن يلتقطَ رخصَ المذاهب متَّبعًا لهواه ويتخيَّر بين التَّحليل والتَّحريم والوجوب والجواز؛ وذلك يؤدِّي إلى الانحلال من ربقة التَّكليف»([sup][size=24][16])[/sup].[/size]
وهذا الإمامُ الشَّاطبيُّ (ت: 790) يَذكر ضابطًا مفيدًا حولَ هذه المسألة فيقول: «فإنَّ في مسائل الخلاف ضابطًا قرآنيًّا ينفي اتِّباعَ الهوى جملةً، وهو قوله – تعالى: }فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ{ [النساء: 59]، وهذا المقلِّدُ قد تنازع في مسألته مجتهدان فوجب ردُّها إلى الله والرسول؛ وهو الرُّجوع إلى الأدلَّة الشَّرعيَّة؛ وهو أبعدُ من متابعة الهوى والشَّهوة؛ فاختيارُه أحدُ المذهبَيْن بالهوى والشَّهوة مضادٌّ للرُّجوع إلى الله والرَّسول...»([sup][size=24][17])[/sup].[/size]
ويعلِّق الإمامُ ابنُ القيِّم (ت: 751) تعليقًا لطيفًا حولَ هذه الآية فيقول: «قوله: }فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ{ نكرة في سياق الشَّرط تعمُّ كلَّ ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدِّين؛ دقّه وجلّه، جليّه وخفيّه، وإذا لم يكن في كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم بيانُ حكم ما تنازعوا فيه، ولم يكن كافيًا؛ لم يأمر بالرَّدِّ إليه؛ إذ من الممتنع أن يأمر الله– تعالى– بالرَّدِّ عند النِّزاع إلى مَن لا يوجَد عندَه فصلُ النِّزاع ... والرَّدُّ إلى الله- سبحانه- هو الرَّدُّ إلى كتابه، والرَّدُّ إلى الرَّسول صلى الله عليه وسلم هو الرَّدُّ إليه نفسه في حياته وإلى سُنَّته بعد وفاته»([sup][size=24][18])[/sup].[/size]
ويقول ابن الصَّلاح (ت: 643): «لا يجوز للمفتي أن يتساهل في الفتوى، ومن عُرف بذلك لم يجز أن يُستفتى؛ وذلك قد يكون بأن لا يتثبَّتَ ويُسرعَ بالفتوى قبل استيفاء حقِّها من النَّظَر والفكر، وربما يحمله على ذلك توهُّمُه أنَّ الإسراعَ براعةٌ، والإبطاءَ عجزٌ ومَنْقَصَةٌ، وذلك جهل، ولأن يبطئ ولا يخطئ أجمل من أن يعجل فيضلَّ ويُضلّ...»([sup][size=24][19])[/sup].[/size]
بقي أن نشيرَ إلى مسألة مهمَّة في هذا المبحث، وهي أنَّ مجرَّدَ وجود الخلاف في المسائل ليس عذرًا للتَّشَهِّي في اختيار الأقوال والأخذ بأيٍّ منها ([sup][size=24][20])[/sup]؛ كما نبَّه على ذلك الشاطبيُّ (ت: 790) في موافقاته؛ حيث يقول: «وقد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية حتى صار الخلافُ في المسائل معدودًا في حُجَج الإباحة، ووقع فيما تقدَّم وتأخَّر من الزَّمان الاعتمادُ في جواز الفعل على كَوْنه مختلفًا فيه بين أهل العلم؛ لا بمعنى مراعاة الخلاف؛ فإنَّ له نظرًا آخرَ؛ بل في غير ذلك؛ فربَّما وَقَعَ الإفتاءُ في المسألة بالمنع فيقال: لم تمنع. والمسألةُ مختلفٌ فيها، فيجعل الخلاف حجَّةً في الجواز لمجرَّد كونها مختلفًا فيها؛ لا لدليل يدلُّ على صحَّة مذهب الجواز ولا لتقليد مَنْ هو أَوْلَى بالتَّقليد من القائل بالمنع؛ وهو عين الخطأ على الشَّريعة؛ حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمدًا، وما ليس بحجَّة حجَّةً»([sup][21])[/sup].[/size]
وبناءً على ما سبق من هذه النُّقولات والأدلَّة من هؤلاء العلماء المحقِّقين ينبغي على النَّاظر والباحث في النُّصوص الشَّرعيَّة أن يكون خالعًا على عتبته آراءَه الخاصَّة وتصوُّراته الذَّاتيَّةَ، ويسلِّم قياده لهذا النَّصِّ يتَّجه به حيث توجَّه؛ جاعلاً له منهجًا صحيحًا؛ مراعيًا الشُّروط والضَّوابط، واضعًا الأشياء في مواضعها الصَّحيحة، متجرِّدًا للحقِّ مبتعدًا عن الهوى والتَّعَصُّب، جاعلاً الشُّموليَّةَ وجمع الأدلَّة نهجَه ومعلِّمَه، والحقَّ بدليله مقصدَه، ومن ثَمَّ يعرض الأقوال للكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمَّة فيتَّبعه.
وعليه أن لا يُصدرَ الحكمَ قبل البحث والتَّحَرِّي؛ فإذا أصدر الحكمَ قبل البحث صار البحثُ انتقائيًّا جزئيًّا واستدلالاً للحكم الذي رآه واختاره من قبل؛ فيَنٍٍْبغي له أن يستدلَّ أوَّلاً للمسألة ثم يعتقد، وليس له أن يعتقد ثم يستدلّ تبعًا لرأيه ورغبته ([sup][size=24][22])[/sup].[/size]
أمَّا الذين يدرسون النُّصوصَ لتأييد مقرَّرات سابقة في نفوسهم؛ فإنَّ الغالبَ عليهم عدمُ الانتفاع بهذه النُّصوص؛ فالإخلاصُ في طلب الحقِّ شرطٌ أساسٌ لتحصيل الهداية وإدراكها، والله المستعان.
([1]) ينظر: رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام). ([2]) المبدع: (10/25)، وكشاف القناع: (6/300). ([3]) إعلام الموقعين: (1/87). ([4]) ينظر: جامع بيان العلم وفضله: (2/139). ([5]) قواعد الأحكام: (2/104). ([6]) ينظر في هذه الأقوال وغيرها: التعالم وأثره على الفكر والكتاب، للشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله تعالى – ص(122)، ضمن كتاب: المجموعة العلمية. وكتاب إرسال الشواظ على من تتبع الشواذ، لفضيلة الدكتور صالح الشمراني؛ فإنه مفيد في بابه. ([7]) ينظر: التعالم وأثره على الفكر والكتاب، للشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله تعالى – ص(122)، ضمن كتاب: المجموعة العلمية. ([8]) ينظر: كتاب: تراجم الأعلام المعاصرين، لأنور الجندي – رحمه الله تعالى – ص(428). ([9]) إعلام الموقعين: (4/185). ([10]) الموافقات: (5/91). ([11]) ينظر: قواطع الأدلة في أصول الفقه، لأبي المظفر السمعاني: (3/438)، والبحر المحيط للزركشي: (6/305). ([12]) السنن الكبرى (10/356). ([13]) سير أعلام النبلاء: (13/465). ([14]) الرد على الجهمية، ص(129). ([15]) ويسميه بعض المعاصرين: الثوابت والمتغيرات، والمثبت أولى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الشرع المنزل: وهو الكتاب والسنة، واتباعه واجب من خرج عنه وجب قتله، ويدخل فيه أصول الدين وفروعه وسياسة الأمراء وولاة المال وحكم الحكام ومشيخة الشيوخ وغير ذلك؛ فليس لأحد من الأوَّلين والآخرين خروجٌ عن طاعة الله ورسوله. والثاني: الشرع المؤوَّل: وهو موارد النزاع والاجتهاد بين الأمَّة، فمن أخذ فيما يسوغ فيه الاجتهاد أقر عليه ولم تجب على جميع الخلق موافقته إلا بحجَّة لا مردَّ لها من الكتاب والسُّنَّة». ينظر: مجموع الفتاوى: (9/281). ([17]) الموافقات: (5/81-82). ([18]) إعلام الموقعين: (1/64). ([19]) أدب المفتي والمستفتي، ص(111). ([20]) قال الشَّيخ محمد العثيمين– رحمه الله: (أما إذا كان الخلاف لا حظَّ له من النَّظَر، فلا يمكن أن نعلِّلَ به المسائل ونأخذ منه حكمًا: وليس كُلُّ خلاف جاء معتبرًا | | إلا خلافًا له حظٌّ من النَّظَر |
لأنَّ الأحكامَ لا تَثْبُتُ إلَّا بدليل، ومراعاةُ الخلاف ليست دليلاً شرعيًّا تَثْبُتُ به الأحكام). الشَّرحُ الممتع: (1/49).
([21]) الموافقات: (4/141). ([22]) أشار إلى ذلك ابنُ القيِّم في زاد المعاد: (5/368)، وكان الشيخُ محمد العثيمين– رحمه الله– ينبِّه على ذلك كثيرًا في دروسه ومحاضراته. قال الإمامُ الشَّاطبيُّ: (ولذلك سمِّي أهلُ البدع أهلَ الأهواء؛ لأنَّهم اتَّبعوا أهواءَهم فلم يأخذوا الأدلَّةَ الشَّرعيَّةَ مأخذَ الافتقار إليها والتَّعويل عليها؛ حتى يصدروا عنها؛ بل قدَّموا أهواءهم واعتمدوا على آرائهم ثم جعلوا الأدلَّة الشَّرعيَّةَ منظورًا فيها من وراء ذلك). الاعتصام: (2/420)، دار الكتاب العربيّ.