أساليب قرناء السوء وحيلهم الماكرة في إغواء الشباب:
حقيقة مهمة يجب أن تعرفها أخي الشاب حتى لا تُخْدَع، ألا وهي: أن كل داع إلى الضلال والشر والفساد، وكل داع إلى النار ومعصية الجبار جل وعلا، لا يمكن أن يبين نواياه، ولا أن يكشف أسراره، ولا أن يدعو إلى ذلك صراحة؛ لأنه لذلك لن يُطاع، بل سيخالَف وينابَذ ويُقاطَع، ولذا يلجأ إلى أساليب براقة وحيَل ماكرة، يدس السم في العسل ويتظاهر بالنُصح والشفقة، ويلبس جلود الضأن من اللين، قدوته في ذلك ومعلمه تلك الوسائل والأساليب إبليس عليه لعنة الله، فانظر كيف أغوى أبانا آدم عليه السلام، كيف خدعه بالأكل من الشجرة التي فيها العصيان لرب العالمين، وآدم عليه السلام، لا يمكن أن يعصي ربه ولكن الأسلوب الماكر المخادع أثر عليه }وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى{ [طه: 121 – 122]، انظر وتأمل في هذا الأسلوب كما ذكره جل وعلا: }فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى{ [طه: 120]، انظر الشيطان يقول لآدم: أنا أدلك على الخير: الخُلد والملك! ثم يقول: هل أدلك، أنا أريد لك الخير وأنت وشأنك؟ وهو يقوده إلى المعصية، ويريد إخراجه من الجنة.
واستمع إلى آيات أخرى يبين الله مكر الشيطان وحيله: }وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ{ [الأعراف: 20 – 21].
الله أكبر! إبليس أعظم غاش وأعظم عدو يُقسم إنه لمن الناصحين! وهكذا أتباعه من شياطين الإنس، فهذا تلميذه الأكبر فرعون لعنه الله كما حكى الله عنه: }ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ{ [غافر: 26].
فهذا فرعون الذي قال: أنا ربكم الأعلى، يظهر لقومه في صورة الناصح الأمين، فهو يخاف على قومه من موسى عليه السلام أن يبدل دينهم أو أن يُظْهر في الأرض الفساد، وأي فساد أعظم من فساد فرعون؟! فموس عليه السلام نبي الله الكليم في نظر فرعون مفسد، يخشاه فرعون على قومه. وقال الله عنه في آخر آية: }قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ{ [غافر: 29]، وما هذا السبيل؟ إنه نار جهنم كما قال الله عنه: }يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ{ [هود: 98].
ولذا تنبه مؤمن آل فرعون وعرف حقيقة دعوة فرعون وسبيل رشاده أنه النار، قال الله عن هذا المؤمن الفطن الذي لم ينخدع بأساليب فرعون الماكرة: }وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ{ [غافر: 41 – 42].
وهم وإن كانوا لم يدعوه إلى النار ولكنهم دعوه إلى الكفر في صورة النصح والإشفاق، وهي دعوة صريحة إلى النار، وهكذا المنافقون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله عنه: }وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ{ [البقرة: 11 – 12]، فالمنافقون يفسدون ويرون أنهم يصلحون، وهكذا كل مفسد وكل مخرب وكل داعية ضلال يرى أنه هو المصلح وهو المنقذ وهو الناصح الأمين المشفق الرحيم الحريص على المصالح، بل إن المفسدين يصفون المصلحين والمؤمنين الصادقين في إيمانهم بالسفاء، فهاهم المنافقون يصفون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم العقلاء النبلاء بأنهم سفاء، قال الله عنهم: }وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ{ [البقرة: 13].
والكلام في هذا يطول، والشواهد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والوقائع من حال المفسدين والمنافقين وأشباههم كثيرة جدًا، إذ إن كل مَن يريد نشر الفساد لابد أن يلبس ثوب الصلاح، ولذا قال الله جل وعلا: }وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ{ [البقرة: 42].
فمن يدعو للمخدرات يزينها ويظهرها في صورة الاستمتاع والشعور بالسعادة والبُعد عن الهموم والغموم والتفكير الجيد، ومَن يدعو إلى عقوق الوالدين يظهره في صورة الحرية وأنه لا سلطان لأحد عليه، ومَن يدعو إلى المعصية يظهرها بصورة التقدم والحرية، أو أنه سيتوب والله غفور رحيم، وما يعلم أن الله شديد العقاب، ومَن يدعو المرأة للتبرج والسفور يظهره في صورة حرية المرأة وهكذا كل مفسد.
فاحذر أيها الشاب تلك الحيل والأساليب الماكرة قبل أن تَعُض بنيان الندم }أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ{ [الزمر: 56]، قال تعالى محذرًا من هؤلاء: }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ{ [البقرة: 204 – 206].
فاحذر أخي الشاب قرناء السوء وحيلهم ومكرهم، واعتصم بالله، وابحث عن الجلساء الصالحين الناصحين الذين يدلونك على الخير ويحثونك عليه؛ تفز برضا الله عز وجل وتبتعد عن سخطه وأليم عقابه.
وهذه نصيحة من أخ مشفق ناصح لك فاقبلها وادع لكاتبها وناشرها. وفقك الله لكل خير.
وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.